ألفى كامل شند
من الشائع فى بعض الكتابات العربية  الاجتماعيةأن الرهبنة ولدت من رحم  الظروف الصعبة التى عاشها المسيحين فى عصر الإضطهاد  الرومانى  .فمثلاً العالم المصري الدكتور جمال حمدان، في كتابه(:شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان، ج2، ص 437)،  بيقول:"لقد خرج كثير من المصريين من الوادي إلى أطراف الصحراء أو إلى عمق هذه الصحراء بحثًا عن عزلة جغرافية يلجأون إليها من الإضطهاد الديني، ويحافظون فيها على عقيدتهم، ولعل طبيعة مصر الجغرافية حيث يتجاور المعمور والصحراء، وحيث تتوافر العزلة الهامشية لكن دون موت تام، مكنت لهذا النمط من الحياة، فالصحراء في مصر قريبة للغاية من الجميع، وعند أطراف أصابع كل من يريد اعتزال العالم، ولهذا نجد الأديرة في مصر اليوم إما على أطراف الوادي القصوى، ترصعه من سيناء حتى مصر القديمة، وإما في زوايا وأركان الصحراء بعيدًا عن طرق الحركة الأساسية ابتداءً من قلعة جنوب سيناء الجبلية الوعرة وأعماق الصحراء الشرقيةالجبلية السحيقةغير بعيد عن البحر الأحمرإلى أطراف الصحراء الغربية ومشارف مريوط" .
 
وإنما الدراسة التاريخية المتأنية، تقول ان   الرهبنة بمعنى العزلة والتقشف والعفة الجنسية  فى عصور مختلفة  وفى عدد من الأديان القديمة، كالبوذية والهندوسية ، وطائفة البراهما فى الهند .  طريق سلكه أشخاص من  قبل نشأة المسيحية  ، أمثال :  حواتامابوذا ، مؤسس الديانة البوذية  والنبى إيليا  ، ويوحنا المعمدان الذى مهد الطريق لدعوة المسيح ، حتى المسيح  نفسه ظنوا  اليهود أنه إيليا  عاد من جديد ،لكونه كان  يتردد على البرية للصوم  والصلاة . 
 
ويروى  الفيلسوف الهودى فيلو (25ق م – 50 م) أن التبتل والإنفراد للتعبد كانا معروفين من قبل المصريين وعند اليهود المقيمين فى الإسكندرية . ويذكر  بأنه كان في ضواحي الإسكندرية قوم من اليهود عرفوا بالمتأملين في الالهيات تركوا كل ما يملكون من متاع الدنيا وأووا رجالاً ونساء إلي التلال المجاورة يقيمون فيها الصلوات ويسبحون الله بالمزامير والترانيم.
 
 ويُعتبر القديس إكلِمنضُس السكندري مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية وتلميذه العلاَّمة أوريجانوس علامتين مُتميزتين في اللاهوت النُّسكي، إذ جعلا الرهبنة أكثر قبولا عند العالم المُتحدَّث باليونانية.
 
الرهبنة القبطية :
ظهرت الرهبنة فى مصر فى بداية القرن الرابع، بعد إضطهادات دمويّة تعرض لها المسيحيّين إستمرّت ثلاثة قرون، فمع زوال الاضطهادات، والاعتراف بالمسيحية كديانة رسمية ، وفقا لمرسوم ميلانو سنة 313 أالذى أعلن فيه حياد الإمبراطورية الرومانية بشؤون العبادة مما أزال العقبات أمام الممارسات الدينية للمسيحية والديانات الأخرى.،  ودخول أعداد كبيرة من الوثنيّين إلى المسيحيّة دفعة واحدة، حدث فتور فى  الحياة الروحيّة ، مما دفع أعددًاكبيرًا من المؤمنين، الّذين أرادوا عيش الكمال المسيحيّ وبلوغ مثال الله في الفضيلة والقداسة ، الإنسحاب إلى البراري، مكرّسين أنفسهم لله بالكليّة. من أول الاشخاص الذين إنسحبوا من العالم لعيش التوحد والإنفراد في مغارات الجبال  ، وفقا للروايات التاريخية ، الأنبا بولا وأنطونيوس. ثم تطورت في عهد القديس باخوميوس و شنودة  وصارت حياة شركة   منظمة،  وضع لها القديس باخوميوس  قوانين خاصة يسيرون  الرهبان عليها.غير أن كثيرين إستمر بعضهم يسير على نظام التوحد الإنفرادى  .
 
كانت  هذه الحياة الرهبانية - ولا تزال - جزءً عُضويًا من الكنيسة القبطية ، فيتحدث  القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه "حياة أنطونيوس" عن التوقير الكبير الذي كان القديس أنطونيوس يكِنُّه لطغمات ورُتَبْ الكنيسة.
 
تضم الكنيسة القبطية الآن ما يقرب من ألف وخمسمئة راهب وراهبة بما في ذلك الرهبان والراهبا مئةت الذين يعيشون في أديرة (عامرة رهبانيًا) خارج مصر مثل أمريكا وإيطاليا والسودان، ويمثل هذه العدد نسبة واحد إلى عشرة آلاف إذا قيس بعدد المسيحيين في مصر والذي يربو الآن على أثنى عشر مليون مسيحي

الرهبنة الارثوذكسية الشرقية :
يعتبر القديس باسيليوس الكبير (حوالي 330 - 379)رئيس أساقفة قيصرية الكبَّادوك وأحد أهم واضعي قوانين الرهبنةوصاحب التأثيرا على كل من الرهبنة البيزنطية والغربية. قبل تشكيل جماعته الرهبانية الخاصة، يقال انه زار مصر، بلاد ما بين النهرين ، فلسطين و سوريا ، ومراقبة الحياة الرهبانية والتعلم ، وكلا من النقاط الإيجابية والسلبية التي واجهها. وقام بوضع قانون  لأعضاء الدير الذي أسسه حوالي عام 356 على ضفاف نهر إيريس في كابادوكيا فكان الوسيط الناقل للرهبنة الشرقية للعالم الغربي الأوروبي.وتعد  قوانينه مشابهة للقوانين الباخومية، مع التقليل من الزهـد و التقشف و الانعزال القبطى
 
نشأة الرهبنة الغربية :
عرف  الغرب الحياة الرهبانية عن طريق القديس اثناسيوس  بطريرك الإسكندرية آبان فترة منفاه الثانى فى روما سنة  340 ميلادية، برفقة الراهبين المصريين عمون وإيزيدور من تلاميذ القديس أنطونيوس، على أثر يضعه كتاب يسرد سيرة أنطونيوس  النسكية  فى صحراء مصر .حاء فىى مقدمله "نظرًا لأنكم قد طلبتم مني أن أعطيكم وصفًا لطريقة حياة أنطوني المُباركة، ولأنكم تريدون أن تعرفوا كيف بدأ نسكه، وأي إنسان كان، وكيف أنتهت به الحياة، وعن مدى الصدق فيما سمعتموه عن سيرته، لكي يكون نموذجًا يُحتذى، وبه تقتدون، ومن ثم سرنيي جدًا أن أُحقق رغبتكم، وانا اعرف أنكم عندما تسمعون فإنكم، وقد امتلأتم بالرجل إعجابًا، سوف تحاولون الاقتضداء بمسلكه، وسوف ترون في حياته مثالاً كافيًا للزهد والرهبانية.
 
وتروي حياة القديس أثناسيوس أن الراهبين اللذين أصطحبهما القديس أثناسيوس معه، كان لهما تأثير كبير على أشراف ومؤمني روما، فكثيرون بينهم، أرادوا أن يقتدوا مثلهم الحياة الرهبنة . ورغب   عدد من الايطاليين  للمجىء إلى مصرليعيش هذا النمط من الحياة الروحية ، وإعادة إنتاج ماعاشوه  بالضبط في بلادهم،  أمثال القديس إيسيذورس، ويوحنا كانسيان  وصديقه جيروم اللذان  بدأ  مسيرتهما  الرهبانية في فلسطين . ثم إنتقل يوحنا كانسيان سنة  385 إلى مصر  ، ومكث بها سبع سنوات لدراسة الممارسة الرهبانية . وفى مصر ، إنجذب إلى حياة النساك ، التي إعتبرها أعلى أشكال الرهبنة ، فقام  بعد عودته إلى إيطاليا بتأسيس عدد من  الأديرة كانت كلها مجتمعات رهبانية منظمة . وقد أعطتنا كتابات  عدد من الزوار  صورة صادقة عن الرهبنة فى مصر ، عن ما شاهدوه وعاشوه   فى القرن الرابع  أولأ:أقوال أباء الرهبنة ولمحات خاطفة عنهم 
 ثانيا ،وصف الطريقة حياة الرهبان والمتوحدين .
 
ثالثا  ، شرح وتحليل لطرق وأنماط وأساليب الحياة الرهبنية . 
أنشأ هولاء الزوار بعد عودتهم لبلادهم ، أمثال  ايسيذورس وكانسيان ألسيرة على النمط القبطي.   وكتب: يوحنا كانسيان كتابين "الأنظمة " و "محاورات"   يحويان  أصول الحياة الرهبانية ،مع الإلحاح على ضرورة التبحّر والدرس في العلوم اللاهوتية ، بقصد التبشير والجدال والتعليم.و سنَّ قانوناً للديرين اللذان أسسهما، ،الأول للرجال والثاني للنساء. وقد أقتبس كانسيان لوضع قانونه كثيرا من قوانين  القديس باسيليوس  . 
 
بدأت الحياة الرهبانية فى الغرب  كما في الشرق حياةً توحدية ونسكية أولا ثم حياة رهبانية في مجموعات صغيرة نسكية.وإذا كان يوحنّا كاسيانُس أول مَن أسس أديرة رهبانية  فى الغرب ووضع لها قوانين  ، و كتب عن الحياة الرهبانيّة. فإن منظّم الحياة الرهبانية في الغرب بلا منازع هو القديس بندكت  ( 480 - 567.) ففي سنة 545  بناء على طلب عدد من النساك الذين إقتدوا به ، وضع كتاب الحكمة الرهبانية، الذى تتضمن مجموعة من القواعد التي يجب على رهبانه إتباعها . 
 
يحتوى كتاب الحكمة على  ثلاثة وسبعون فصلا (قاعدة ) . تشمل كل قاعدة شقين: روحاني (كيف نعيش حياة تتمحور حول المسيح) ،  وإداري (كيفية إدارة دير بكفاءة). تصف أكثر من نصف  القواعد ، كيف تكون مطيعًا ومتواضعًا ، وماذا تفعل عندما لا يكون أحد أفراد المجتمع كذلك. 
توجب  القاعدة الأولى من الراهب يوميا  الصلاة والعمل ،  موزعة كالتالي: ثماني ساعات للصلاة وثماني ساعات للنوم وثماني ساعات للعمل اليدوي والقراءة المقدسة .تسمح أن يستبدل الراهب العمل اليدوي بعمل عقلى  . .المُثير للدهشة أن الأديرة فى الغرب نقلت عن القديس باخوميوس المصرى أب حياة الشركة الرهبانية، وأوِّل مُشرِّع للحياة الرهبانية ، عقوبة للراهب الذى يذوى كتابا ، ويهمل العناية به . 
 
تشترط القواعد على الرهبان نذر  الفقر والطاعة والعفة، ولا تتضمن أى مظاهر التقشف الشديدة التي كان يُمارسها الرهبان الشرقيين ، ، ورأى أنها تستند على مفاهيم خاطئة تعتبر الجسد ثم يجب تجاهله وقمعه
 
وكانت القواعد  تمنع الزوار من تقديم أي شيء للدير ما عدا الكُتُب.  ثم حتّم إستقلال كل ديرٍ برئاسة رئيس دعاة الأباء)  .ولم يكن الكهنوت في البداية جزءًا مهمًا من الرهبنة البينديكتية - إستخدم الرهبان خدمات كاهنهم المحلي.،لذا كانت  تنطبق القواعد  كلها تقريبًا على مجتمعات النساء تحت سلطة رئيسة دير . 
 
  أتّسمت  القواعد التى وضعها القديس بندكت بالتوازن والاعتدال والمعقولية ، التوازن بين الصلاة والعمل"صَلِّ واعْمَلْ".وبين النظام والعفويّة المشروعة، واللافت أنّها لم تتضمن  برنامجا مثاليا بقدر ما كان تعرض برنامجًا عمليًّا، في متناول كل باحث عن الفضيلة.  وأراد أن لايكون فيها شيء صعب ولاشاق . فلم ترق له ممارسات التقشف الشديدة التي كان يُمارسها الرهبان الشرقيين. 
 
كانت قواعد  القديس بنديكت" واحدة من أهم الأعمال المكتوبة في العصور الوسطى ، وبمثابة  نموذج لدستور تسير عليه الأمة  . ودعم أهمية سيادة القانون وإحترامه .. كما أدرجت قواعد القديس بندكت درجة من الديمقراطية في مجتمع غير ديمقراطي .لذا ليس غريبا أن يعتبره بعض المؤرخين أهم إنجازات العصور الوسطى .
 
وقد ساهمت أديرة البندكت فى العصور الوسطي فى نشر التعليم فى المدن و الضواحى ،  وخدمة الإقتصاد  من خلال التصنيع و ردم البرك والمستنفعات وإستصلاح أراضى للزراعة    ، وإنتاج  محاصيل جديدة ، وتحقيق بلدان أوربية  للاكتفاء الغذائى .
 
فى القرن الحادى عشر والثانى عشر الميلادى  أصبحت تقاليدُ الرهبنة البندكية الخاصة متباينه  إلى حدٍّ ما مع مقاصد مؤسسها . تحت الضغط المتزايد للأنظمة الملكية وتدخل الأمراء والإقطاعيين فى شئون الكنيسة والاديرة إشاعة  الفوضى ، فتدهورت أحوال الأديرة  ، وإبتعد الرهبان عن روح الفقر . ووسط هذه الاجواء تأسس دير  كولونى فى العام . 910  فى مدينة كولونى الفرنسية الذى قام بدور  كبير فى إحياء المبادىء الرهبانية التى وفرتها القوانين البندكتية  ، مثل الصلاة الدائمة ، والعمل المهنى اليومى ، وحياة الفقر ، وإختيار رئيس الدير بالإنتخاب دون تدخل الأمراء ، وعودة  وإستقلال الإديرة عن سلطة الزمنية . وإمتد  الإصلاح الذى قام به دير كولونى إلى سائر الأديرة الإخرى .وما بدأه القديس بندكت أكمله  نظام دير  كولونى.
في القرن الثاني عشر ، تطورت الأنظمة الرهبانية التقليدية، وظهرت رهبنات أو مجموعات رهبنية تتبنى نهجاً روحياً جديداً ، لخدمة رسالة معينة و ترميم الكنيسة التى تصدعت بسبب التراخى الروحى وإنشغالها  بالسلطة الزمنية  و خلاص النفوس عن طريق الوعظ و الاهتمام بالتربية  و رعاية الأطفال اللقطاء  والأيتام ، ورعاية المرضى ...
 
يؤكد  العديد من مؤرخي الحضارة ، بما في ذلك باحثين غير مسيحيين أو كاثوليك ، أمثال جون ل.هلبرون،وديفيد ليندبرغ، إدوارد غرانت، توماس جولدشتاين،تيد ديفيس على أنّ الرهبنة الغربية ،  كان لها دورًا كبيرًافى نشر التعليم  حيث كانت مدرسة الدير هى المدرسة الوحيدة وقتئذ . ومعظم الجامعات الأوربية ، كانت مدارس تابعة للكنيسة الكاثوليكية والأديرة، وتحولت مع تزايد أعداد الطلاب ، وتطور العلوم إلى جامعات تابعة للكنيسة ، ويقوم بالتدريس فيها معلمون من الرهبان ، ولكل رهبنة شغل عدد من قواعد  التدريس   وتأثير إيجابي على تطور العلوم ومن هؤلاء  الرهبان . علي سبيل المثال لا الحصر : توما الإكوينى أب الفلسفة الاوربية ،  ويكولاس كوبرنيكوس، أول من صاغ نظرية مركزية الشمسجريجور ميندل  أحد أهم علماء الجينات والوراثة،   ،نيكولاس ستينو أب علم وصف طبقات الأرض وله اسهامات في علم التشريح، رينه جوت هواي مؤسس علم البلورات وجان-بابتيست كاروني مؤسسوروجر باكون الراهب الفرنسيسكاني الذي كان واحدًا من أوائل دعاة المنهج العلمي، مارين ميرسين أبو علم الصوتوالبلجيكي جورج لومتر أول من إقترح نظرية الإنفجار العظيم. وعالم الجيولوجيا والحفريات البارو تيلار دى شاردان ..
 وكذلك فى حقل  الموسيقى والتصوير أبدع الرهبان فى النوتات الموسيقية من أجل تلحين القداس ،  مما ساعد على تطور الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية .
وقام الرهبان  الفرنسيسكان والدومينيكان خلال القرن الثالث عشر بتأسيس الكثير من المؤسسات الصحية والتعليمية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية. 
ويمكن القول إن  الحضارة الغربية قامت على أكتاف الرهبان . 
 
وأخذت  الرهبانيات الكاثوليكية الرعائية   كالفرنسيسكاني والدومينيكان واليسوعيين، الرجالية والنسائية  على عاتقها  تبشير  العالم الجديد ونشر الإنجيل فى أنحاء المعمورة ، . فذهب المبشرون اليسوعيون إلى  الهند و الصين واليابان.
 
ومازالت الرهبانيات الكاثوليكية قوة فاعلة فى الكنيسة والمجتمع  ، قوامها أكثر من مليون راهب وراهبة  ، يمثلون نسبة 0,21 % من أجمالى الكاثوليك فى العالم،   75% منهم  رهبنات نسائيّة. وتفضل الكنيسة الكاثوليكية تعبير " الجياة المكرسة" بدلمن "الحياة الرهبانية" من بعد المجمع الفاتيكانى الثانى (1962 – 1963) "الحياة بحسب الرهبناتهي «حياة مكرّسة». والتكّريس لله يتمّ بالإلتزام بالنصائح الإنجيليّة . ويتمّ من خلال إبراز ثلاثة نذور (الفقر ، الطاعة ، العفة) علانيّةً، وقضاء الحياة في مؤسّسةٍ مشهّرة بأنّها حياة مكرّسة”(دستور عقائديّ في الكنيسة - نور الأمم 43-47 )
 
الرهبنة  فى الشرق والرهبنة  فى الغرب:
يختلف نمط وأسلوب الحياة الرهبانية فى الكنيستين  .إذ تتبع الرهبنة الارثوذكسية نمط الحياة النسكيّة، كما كانت تُمارس من البدء. وتتّبع عامّة الرهبانيات الكاثوليكيّة الحياة الرهبنية الرعوية الرسولية  ، مع وجود أقليّة من الرهبانيات الكاثوليكيّة، تُمارس الطريقة النسكية.. الفرق بين الإثنين يكمن في أنّ الحياة النسكية تقوم  على الانسحاب الكامل من العالم، وتخدم العالم روحيًّا عبر الصلاة والإرشاد الروحيّ. فيقول القديس باسيليوس الكبير  ، أحد أهم واضعي قوانين الرهبنة ، أن هدف  الرهبنة هو خلاص النفس . وبهذا تنحصر غيرة الراهب الشرقى ازاء خلاص النفوس على الصلاة لأجل العالم .  ومن الواجب الا ينشغل الراهب بالعالم ، وينصرف إهتمامه الى الخدمة الرعوية . 
 
 أمّا  الرهبنة الكاثوليكية الرعائيّة ، تبغى إلى جانب خلاص النفس ، خدمة العالم عمليًّا، عبر تأمين الخدمة الليتورجيّة للرعايا؛ و عبر المؤسّسات المختلفة التي تنشئها ويُديرها كالمدارس والمستشفيات والملاجئ ، والبعثات التبشيرية فى أرجاء العالم .  . والوقت الّذي يضعه الراهب الناسك  في الصلاة يضعه الراهب الرعائيّ في الخدمة الفعليّة الميدانيّة للمجتمع، مع إعطاء أوقات محدّدة للصلاة.
 
فالسمة المركزية  الموحدة لغالبية الرهبانبات الشرقية هيممارسة حياة الصمت و الصلاة. و تأخذ الليتورجيا حيز كبير  فى صلواتهم . أما السمة المركزية فى الرهبنة الغربية خدمة النفوس و العمل الرسولى  .
 
لذلك تقوم الرهبنة الكاثوليكية على قواعد  قانونية عامة رسمية تشمل دراسات معينة كالاهوت ، ونذور معلنة . بينما تقوم الحياة الرهبانية الارثوذكسية على رغبة  إرادة شخصية، التلمذة،  والإهتداء بأقوال أباء الكنيسة،  والإقتداء بسيرة القديسين  وبفضائلهم. 
 
ووفقا للقانون الرهبنة فى الكنيستين  ،تتمتع الأديرة،  بحكم ذاتى عمليا ، وتخضع الأديرة لسلطة  الأسقف أو لرئيس الدير  . كذلك تتمتع  الرهبانيات الكاثوليكية بإستفلال  ، وتخضع لقانون موحد  مجمعى. ولكل رهبنة رئيس عام يتم إختياره بالإنتخاب من قبل أعضاء الرهبنة  ، وميثاقها  وقد تكون للرهبنة جمعيات  منتشرة فى جميع أنحاء العالم ، ولكن مع ذلك لديهم قيادة مشتركة.
 
وعلى مرّ التاريخ  ، لعبت الرهبنة  دورًا أساسيًّا في الدفاع عن الإيمان والكرازة ،  والخدمة الروحية  الروحية  . وكان لها  تأثير كبير على حياة الكنيسة الشرقية ،فوفقا  للشرائع التى تنظم حياة الكنائس الأرثوذكسية ، يتم إختيار البطاركة والأساقفة من بين صفوف الرهبان  (ليس مجرد عازب)، وبدورهم ما ينقلون الروحانية الرهبنية إلى مجتمع الكنيسة  : الصيامات ،الليتروجيا ، الطاعة ، حياة  التلمذة والإرشاد (أب الاعتراف) ، ويرى البعض إن بذلك  يحافظ على  الكنيسة من الانزلاق إلى أباطيل العالم ، ويراه البعض أن ذلك  يعزل الكنيسة عن الحضور فى العالم .
 
عموما الحياة الرهبانية أوالحياةالمكّرسة . تعنى فى مفهوم العالم . أن ي خصص الإنسان  نفسه لشخص ما ، أوشئ ما . ووقف نفسه لخدمة معينّة،  فرزّ نفسه عن عامة الأشخاص والأشياء ، وتنازل عن حقوق مُعينة . أوتخّلى عما يقوم به كل الناس . وهذه السلوك  تتواجد  فى الميدان الدنيوى ، فيقال راهب العلم ، راهب الثورة ، والبعض يكرس حياته لعلاج المرضى ، والبعض لرعاية الأيتام، كما فى الميدان الدينى ولاغضاضة فى ذلك ، بل شىء نبيل وجليل، مادام حالة يرتضيها بكامل إرادته . . وهى ضرورية وفى حاجة ماسة لها على الصعيد  المدنى والدينى على السواء. .
 
المراجع :
- القمص أثناسيوس فهمي جورج ، التربية عند آباء البرية ، ، القاهرة2020
-.   ب ج باخوس ، فرانسيس جوزيف. "الرهبنة الشرقية قبل خلقيدونية ، الموسوعة الكاثوليكية . المجلد. 10. ،الناشر شركة روبرت أبليتون ،نيويورك  1911. )
-عزيز سوريال عطيه ، تاريخ المسيحيه الشرقية ، ترجمة إسحاق عبيد ، المجلس الاعلى للثقافه ، القاهره 2005
-- د. عزيز سوريال عطية،نشأة الرهبنة المسيحية في مصر وقوانين القديس باخوميوس ، الناشر مطبعة رمسيس ، الاسكندرية   2018
-- جان كيمى ، ليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة، الناشر دار الملرق ، لبنان 1997