نموذج للعلاقة بين البرية والبطريركية
الاب الدكتور اثناسيوس حنين
من أهم ما كتب اثناسيوس بعد تجسد الكلمة ’ يجئ كتاب (حياة القديس انطونيوس)Ο Βίος Τού Αντωνίου ,
ومن أفضل الترجمات قاطبة الترجمة الفرنسية فى سلسلة المصادر المسيحية بما لافيها من غنى لغوى ولاهوتى وحواشى غنية وقائمة ضخمة من المراجع
Sources Chretiennes No 400
Athanase D,Alexxandrie
VIE D,ANTOINE
1994.

انتهاء الاضطهاد العسكرى والامنى لم ينهى متاعب الكنيسة بل سرعان ما ظهرت المتاعب الداخلية والاضطهاد اللاهوتى المسيس وبدأت تظهر الرهبنة كقوة تشارك فى الاحداث وتنزل الى المجتمع وتتدخل فى شئون الكنيسة ونعلم من التاريخ ان هذه المشاركة لم تكن دوما خالصة وروحية ولاهوتية .كما ظهر بوضوح نية الحكومة فى السيطرة على الكنيسة وتوظيفها فى بلد مثل مصر له وزنه السياسى والاقتصادى واللاهوتى فى المسكونة يومها . من الأخر كدة اتفق مع الاب متى المسكين على ان شخصية قنسطنطين "لم تكن على مستوى طموحات المسيحيين ’ كان مسيحيا نص ونص " ولكن هذا لا يلغى تقديره للمسيحية وحبه لها واحتضانه لمجمع نيقية وتوقيره للاساقفة الحضور . كان يبحث عن مصالح الدولة ووحدتها وهذا حقه . ما يعنينا هنا هو أن أثناسيوس اراد من علاقته بانطونيوس أولا ’ ان يقدم دليلا حيا على صدق رؤيته اللاهوتية للانسان المتأله والمتقدس فى المسيح ’ الانسان المتأقنم بالحب والنسك والكلمة واخلاء الذات . هذا يؤكده الفارق التاريخى  بين الكتابين ’ تجسد الكلمة وحياة انطونيوس وهو عشرون عام  والتى كانت كافية لكى يؤسس اثناسيوس علاقة حميمة بالرهبان فى الاديرة المصرية وكان يزورهم طوعا او لاجئا ويرى بعض العلماء انه يوجد ترجمة قبطية لحياة انطونيوس تم ارسالها لرهبان باخوم فى الصعيد ’ كما كان  يبادلهم الرسائل . وثانيا أن يستأثر الرهبنة القوة الغشيمة من يد السلطة والهيجان والاوجاع الى اللاهوت والفكر والعبادة بالروح والحق . أراد وربما لاول مرة واخر مرة فى التاريخ الكنسى ان يوحد الاهوتى مع الناسك والقلاية مع المكتبة والركب مع القلم . وقد وجد فى انطونيوس الشخص المناسب لطموحاته اللاهوتية والانسانية ولما لا والسياسية كقوة كبيرة وسند . وكتب اثناسيوس (تجسد الكلمة) فى عام 337 م بينما كتب حياة انطونيوس فى سنة 357 م بفارق عشرين سنة ’ عانى فيها الاسقف الكثير مما نعرفه ومما لا نعرفه . ما يهمنى هنا هو العلاقة الروحية والشركة الوجودية بين اثناسيوس وانطونيوس .علاقة سوية بين راهب ناسك وبطريرك مستنير كفيلة بان تغير وجه التاريخ . ان من يقرأ بعناية (حياة انطونيوس ) لاثناسيوس يدرك بلا معاناة ان هذه السطور لم تكتب فى مكتب اسقفى او قصر بطريركى بل وسط البرية ’حيث دعا الروح البطريرك العظيم (ميغاس اثناسيوس Μέγας Αθανάσιος ) والناسك العظيم (ميغاس انطونيوس Μέγας Αντώνιος )لكى يداعبهم  فى البرية  .عاش اثناسيوس وعايش الناسك انطونيوس فى البرية ’ ما يصفه من تفاصيل كثيرة ’ يثبت حقيقة المعاشرة الشخصية لرهبان البرية وخاصة القديس انطونيوس . الاسقف اللاهوتى يعمد لاهوته فى دموع أباء البرية المصرية. نحن نصر على استخدام تعير ( البرية المصرية) لأن فى ذلك الزمان لم يكن هناك اسم أخر يطلق على المسيحيين فى مصر . الدليل هو ان اثناسيوس يسمى انطونيوس (حسب الجنس مصرى ) Αωτώνιος γένος μέν ήν Αίγυπτιος ) Vita  1-1  . كان اثناسيوس الى جانب انه لاهوتى كبير ’ كان اسقفا ذكيا ذكاء ممسوح بالروح ’دخل الروحانية المصرية  ’ "كل الكنيسة القبطية فى وادى النطرون" قال المطران جورج خضر حينما زار البرية المصرية لأول مرة والتقى الاب متى المسكين  ’نقول ان اثناسيوس وهو الهليللينى الاسم والثقافة ومعروف مكانة الاسكندرية كعاصمة الهيللينة المتأخرة وساحة الفكر والثقافة ’ ونقصد من بابها أى من البرية ومن خلال عشرته مع انطونيوس الناسك . جمعهم حب المسيح والكلمة والخلوة والشهادة وحب الكلام الالهى . يقول لنا الباحثون بأن اثناسيوس قد استخدم مائتين شاهد كتابى فى سيرة انطونيوس . ويؤكدون بأن هناك أوجه شبه كبيرة بين (تجسد الكلمة ) و(حياة انطونيوس ) أى أنه لا يوجد نسك واخلاء ذات بلا تجسد للكلمة ولا احساس واختبار للتجسد بلا نسك وترك واخلاء (راجع :اساسات الاختبارات اللاهوتية لجون رومانيديس منشورة على صفحتنا فى الفيس ).ويظهر ذلك فى الفصول (74 -79 ) حيث يتحاور انطونيوس مع الفلاسفة الهيللينيين ليس من حيث الشكل فقط اللغوى بل من جهة المضمون أيضا.ونذكر على سبيل االمثال لا الحصر :

1-(الامميون (الوثنيون)يسخرون من صليب المسيح ولكنهم لا يعرفون قوته والتى تشرق فى القيامة) حياة انطونيوس 75 ’3 وتجسد الكلمة 1 : 1 .
2 – ان مجئ المسيح على الارض وقوة اشارة الصليب قد أنهت تأليه الوثنيين لوساطة كهنة الاوثان . كان عند الاغريق كاهن او كاهنة يعتقدو ان الاله يجيب بوااسطتهم عن سؤال من امور الغيب )

3 -الكنيسة ملأت كل الارض حياة انطونيوس 79 : 4 ’ تجسد الكلمة 46 :4 . ساد فى القرون الاولى وخاصة الرابع خطر كبير على وحدة الكنيسة نتيجة التوتر الكبير بين الراهب الخارسماتيك فى البرية والذى يمتلك مواهب الشفاء وسبر غور النفوس وبين والاكليروس المكلفون بتمثيل السلطة السائدة سواء كنسية أو حكومية. من هنا يظهر معنى الصورة التى اعطاها اثناسيوس لانطونيوس وهى احترام انطونيوس وتبجيله للاكليروس والمقامات الكنسية وكيف كان يحنى راسه امام الاساقفة والكهنة وكان يترك الشماس يمر وهو بعده فى وقت العبادة ويذهب الباحثون الى أنه فعلا كان انطونيوس متواضعا ولكن اثناسيوس يضع زوم كبير على المواقف لاهداف سياسية كنسية واضحة

4 - لم يكتفى اثناسيوس بهذا بل ذهب الى ان يجعل انطونيوس شبيها بالرسل او امتدادا وقد خرج على اثرهم وباع كل شئ كما باعوا (اعمال 2 :42 -47) ونلاحظ ان هذه الشركة الرسولية تمت بعد يوم الخمسين  . وبمعنى أخر تم لقاء اناسيوس وانطونيوس فى عنصرة جديدة أى أن انطونيوس عند اثناسيوس اللاهوتى الرسولى هو انطونيوس الناسك الرسولى . صارا رسولان فى الدعوة والقصد .