د. أمير فهمى زخارى المنيا
الشعب المصري له موروث ثقافي ضخم عبر الزمان والتاريخ، ولكل مقولة أو فعل أو مناسبة أصل، ولها جذور ضاربة في عمق تاريخه الطويل.

من عادات الشعب المصري كسر قلة وراء غير المرغوب فيهم، وهي عادة مستمرة ولو بالقول فقط حتى الآن، والكثير يردد مقولة “أكسر وراه قلة” دون معرفة أصلها التاريخي، وفي بعض الأحيان يكسر بالفعل القلة المصنوعة من الفخار وهو جاهل بأصل الحكاية.

وحكاية كسر القلل تعود إلى نصف العصر الثاني من عصر الأسرة الثالثة عشر، وهو العصر المعروف بعصر الاضمحلال أو الانحطاط.

في هذا الوقت انتشر الفساد في دواوين الحكم، ودائمًا ما يكون الفساد نتيجة للإضمحلال والإنحطاط لا العكس، ولم يجد الشعب المصري القديم إلا اللجوء للكهنة، الذين بدورهم لم يكن أمامهم حلا لرفع الظلم عن كاهل الشعب، لكنهم اخترعوا فكرة كسر القلل.

صنع الكهنة تماثيل فخارية وكتبوا عليها تعاويذ باللون الأحمر، وأقنعوا الشعب بأنّ كسر هذه التماثيل سيكون سبب في رحيل الفسدة والمفسدين وقصف أعمارهم، وبالطبع باع الكهنة هذه الأواني للشعب؛ عملية نصب أخرى أو فساد تحت شعار الدين، ومن هنا بدأت الحكاية.

وبعد انتهاء هذا العصر لم يتوقف المصريون القدماء عن هذه العادة، بل انتشرت وتطورت حتى أصبحت من مراسم دفن الموتى لديهم، فكانوا يقومون بتكسير الأواني الفخارية وراء الموتى حتى لا يعود قرينهم إلى الحياة مرة أخرى، اعتقادا بأن “الكا” أو روح المتوفى ستعود مرة أخرى إلى منزله وستتسبب فى إذاء أهله.

واستمرت هذه العادة، ولكن أدخلوا فيها بعض التغيرات، في العصر اليوناني والروماني، ليقوموا بكسرها أيضا في جنائز موتاهم، ولكن فوق المقبرة بعد أن ينتهوا من الأكل فيها ويسمونها «شقف»، التي تعتبر من أشهرها مقابر كوم الشقافة بالإسكندرية، والتي سميت نسبة إلى الشقف المكسور.

ولم تتوقف هذه العادة حتى اليوم ومن أظرف المواقف في عصرنا المعاصر:

- أنّ طلاب السنة النهائية لكلية الطب بجامعة القاهرة، احتفلوا بانتهاء الامتحانات على طريقتهم الخاصة، فعقب خروجهم من آخر امتحان لهم قاموا بتكسير عدد من القُلل في ساحة الكلية للتعبير عن فرحتهم بانتهاء الدراسة.

- وتم كسر "قلّة" وراء السفيرة الأمريكية في القاهرة ، أمام السفارة الأمريكية ، ابتهاجا برحيل "آن باترسون" سفيرة أمريكا لدى مصر، بمناسبة انتهاء فترة عملها، معربة عن سعادتها برحيل "بارتسون"، والتي يتهمها البعض بانحيازها إلى جماعة الإخوان المسلمين.

- وتم كسر قلل أمام السفاره القطريه فى القاهره احتجاجا على سياسه قطر الخارجيه  ...
لو اتيحت لك فرصة كسر قلة خلف أحد؛ من ستختار لكسر القلة وراءه؟
والى اللقاء في معلومه أخرى..
د. أمير فهمى زخارى المنيا