( 1919- 1995 )

إعداد/ ماجد كامل
من بين أساتذة اللغة القبطية الكبار الذين أثروا تعليم اللغة في مصر يأتي أسم الأستاذ شاكر باسيليوس ميخائيل ( 1919 -1995 )  كواحد من أهم العلماء الذين عملوا في هذا المجال .أما عن شاكر باسيليوس نفسه ؛فأسمه في شهادة الميلاد هو "شاكر باسيليوس ميخائيل " ولد في مير بمحافظة أسيوط في 19 أغسطس 1919 ؛ وتدرج في مراحل التعليم المختلفة ؛ونظرا لرغبته الشديدة في التكريس للكنيسة وعشقه الشديد للغة القبطية والذي جاء نتيجة احتكاكه الشديد برهبان الدير المحرق الذين عرف عنهم إتقانهم الشديد للغة القبطية ؛ والذي جاء نتيجة تقليد قديم بضرورة وحتمية الصلاة باللغة القبطية داخل مذبح الكنيسة الاثرية بالدير ؛ والذي يفتخر رهبانه أن السيد المسيح هو الذي دشنه بنفسه ؛ التحق بالكلية الأكليركية بالقاهرة  وتخرج فيها في أوائل الأربعينات  تقريبا  ؛ ثم انتقل للعيش في القاهرة وعين أستاذا للغة القبطية في الكلية الاكليركية  ومعهد الدراسات القبطية . ولقد شارك في الحفل الذي أقيم لتكريم  نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس والذي أقيم بمناسبة رسامته أسقفا عاما للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث بتاريخ يوم الخميس الموافق 18 مايو 1967 ؛ حيث قام بإلقاء كلمة تحية لنيافته باللغة القبطية ؛ وقام بترجمتها إلي اللغة العربية الدكتور أميل ماهر ( القس شنودة ماهر حاليا ) ؛ وروي فيها ذكرياته مع الأنبا غريغوريوس منذ أن كان وهيب عطا الله ثم القمص باخوم المحرقي .

 ولقد تدرج في المناصب حتي وصل الي منصب وكيل الكلية الإكليركية في 9 أكتوبر 1975 ؛ كما عمل أستاذا ورئيسا لقسم اللغة القبطية في معهد الدراسات القبطية بالقاهرة . ولقد  حرص سيادته علي تدريس اللغة القبطية للشعب القبطي بجميع ثقافاته وممستويات تعليمه وأعماره المختلفة  ؛ فقام بالتطوع لتدريس اللغة القبطية في الكاتدرائية المرقسية الكبري بالعباسية قبل موعد الاجتماع الأسبوعي لقداسة البابا المتنيح الأنبا شنودة الثالث ؛ كما قام بتدريس اللغة القبطية في كنيسة السيدة العذراء بالزيتون ( ولقد كان لكاتب هذه السطور شرف التتلمذ علي سيادته خلال حقبة الثمانينات كلها ؛ وذلك في المحاضرات التي كان يلقيها في كنيسة العذراء بالزيتون ) ؛ كما قام سيادته بتنظيم منهج أكثر عمقا في اللغة القبطية ( وبالمجان ) في مدرجات الكلية الإكليركية بالأنبا رويس ؛ وذلك يوم الخميس من كل أسبوع  طوال حقبة الثمانينات والتسعينات قبل مرضه ( وللمرة الثانية كان لي شرف التلمذة علي سيادته في تلك الفترة أيضا) . ونظرا لاتقانه الشديد لمباديء وقواعد حساب الأبقطي ( وهو الحساب الذي يقوم علي أساسه قاعدة حساب عيد القيامة المجيد ) ؛ فقام سيادته بجمع مجموعة من المهتمين واعطي لهم سلسلة محاضرات (مجانية أيضا ) عن قاعدة حساب هذا العيد ؛ ولقد حرص علي حضور هذه المحاضرات مجموعة متميزة من الشباب الذين صاروا بعدها من القيادات الكبيرة في علم القبطيات Coptology نذكر منهم :- "الدكتور محفوظ أديب ( الراهب القس موسي الأنبا بيشوي كاهننا في فرنسا حاليا)  ؛ و الأستاذ  الدكتور يوحنا نسيم يوسف أستاذ علم القبطيات بجامعة ملبورن باستراليا ؛ والدكتور جمال هرمينا عالم القبطيات  وصاحب موسوعة " الفن القبطي " الشهيرة في  12 مجلد. ( ولقد كان لكاتب هذه السطور شرف الحضور بعض من هذه المحاضرات بقدر ما سمح لي الوقت ) .  كذلك اعطي سيادته سلسلة محاضرات في بعض نصوص القبطي الصعيدي ؛ رسائل اكاكيوس مع البابا بطرس منغوس باللغة القبطية وترجمتها إلي اللغة العربية مع السادة الدارسين  ؛ كذلك أيضا سلسة محاضرات عن سر تمسك الكنيسة القبطية بيوم  7 يناير كموعد محدد لعيد الميلاد المجيد  وليس 25 ديسمبر  .
 

ولقد تم انتخابه عضوا في المجلس الملي العام ؛ كذلك كان عضوا في كنائس حارة زويلة .

ولقد شارك سيادته في الرحلة العلمية التي قامت بها الكلية الإكليركية إلي مناطق الأقصر وأسوان خلال الفترة من 9 -11 فبراير 1962 ؛ وكان يرافقه في نفس الرحلة  كل من الأرشيدايكون وهيب عطا الله ( المتنيح الأنبا غريغوريوس وكان يعمل وكيلا للكلية الاكليركية وقتها) والأستاذ فؤاد باسيلي ( المتنيح القمص بولس باسيلي ) ؛ والقمص منقريوس عوض الله . كما شارك في الرحلة العلمية التي قام بها معهد الدراسات القبطية إلي منطقة آثار المنيا خلال عام 1970 ؛ وكان معه في نفس الرحلة مجموعة من اساتذة المعهد نذكر منهم :- نيافة الأنبا غريغوريوس – الدكتور راغب مفتاح – الدكتور ايزاك فانوس – الأستاذة إيريس حبيب المصري ....... الخ .

واستمر اهتمامه بأهمية الرحلات العلمية بعد أن صار وكيلا للكلية الإكليركية ؛ فأمر بتشكيل لجنة  للرحلات تحت إشراف سيادته وعضوية كل من :-
1- الدكتور محفوظ أديب ( القس موسي الأنبا بيشوي خادم كنيستنا في فرنسا حاليا ).
2-الدكتورة مرجريت مرقص منصور أمينة الخدمة بكنيسة مارمينا شبرا .
3- الدكتور جمال هرمينا بطرس صاحب موسوعة الفن القبطي في 12 مجلد .

ولقد قام الاستاذ شاكر بمخاطبة الجهات الرسمية بحسن استقبال وتسهيل الزيارأت لأعضاء الرحلة ؛ ولقد قامت اللجنة بتنظيم رحلات عملية وثقافية لبعض  الأماكن  الآتية :-
1- الآثار الفرعونية والقبطية بالأقصر واسوان يناير1983 .

2-منطقة آثار سقارة ؛ وكان مرافقا لهم في الرحلة الدكتور أميل ماهر ( القس شنودة ماهر كاهننا في أمريكا حاليا ) .

3-سانت كاترين وجنوب سينا ؛ وبناء علي خطاب من الكلية ؛ تم خصم 50 % من تكاليف الأقامة بالدير ؛ كذلك تم فتح الأبواب المغلقة خصيصا لأعضاء الرحلة ؛ كان ذلك في صيف عام 1982 .

4-زيارة أديرة البحر الأحمر ومعالم الغردقة ؛ كذلك نوال بركة صلاة القداس الإلهي مع المتنيح الأنبا مكاريوس مطران قنا وقتها ؛ وكان ذلك خلال عام 1985 .


5- زيارة معالم شمال سبناء والمبيت في كنيسة العريش واقديم خدمات روحية وفصول مدارس الاحد لاهالي المنطقة من الأقباط ؛ وكان ذلك في اغسطس 1985 .

6- زيارة كنائس رحلة العائلة المقدسة بالوجه البحري ؛ وتشمل كنائس الشهيد أبانوب والعذراء سخا بكفر الشيخ وكنائس مارجرجس ميت دمسيس وسيدهم بشاي ومارجرس المزاحم . وكانذلك خلال عام 1985 .

7- زيارة الأقصر وأسوان أبو سمبل يناير 1986 .

8- زيارة معالم الواحات البحرية والفرافرة والداخلة والخارجة وباريس ؛ وكذلك سوهاج وابيدوس والدير الأحمر والأبيض في طريق العودة ؛ وكان ذلك في يناير 1987 .

ولقد مر سيادته بظروف صحية صعبة ؛ وأستمر يعاني من هذه الظروف لمدة حوالي ثلاث سنوات ونصف ؛ نال فيها الكثير من حسن رعاية الكنيسة له ؛ حيث كان قداسة البابا شنودة  -نيح الله نفسه - ؛ والعديد والعديد من الآباء الاساقفة والكهنة دائمي السؤال عنه ؛ حتي تنيح بسلام يوم 15 مايو 1995 عن عمر يناهز 76 عاما .
وتبقي في النهاية كلمة أخيرة عن الانتاج الفكري لسيادته ؛ نذكر منها موسوعة اللغة القبطية ؛ وسلسلة أقرأ  لتعليم اللغة القبطية ؛  كذلك اعاد طبع كتاب قواعد اللغة القبطية للدكتور جورجي صبحي ؛ وكتاب العهد الجديد بالكامل ؛ وسفر المزامير ؛ وأسفار موسي الخمسة ؛ كذلك أصدر كتاب "قاموسي الملون :- عربي – قبطي للأطفال " بالتعاون مع آخرين ؛  ولقد صدر عن دار النشر مكتبة لبنان ؛ وكان ذلك في يناير 1998 .

اخيرا :- بعض الذكريات الشخصية مع كاتب هذه السطور :-
أتيحت لي فرصة التعرف الشخصي علي الأستاذ شاكر باسيليوس خلال فترة الثمانيتات ؛حيث كانت لدي رغبة قوية  لتعلم اللغة القبطية ؛ وعلمت من الآباء الكهنة بكنيسة العذراء بالزيتون أنه يأتي كل يوم سبت الساعة الخامسة مساء  لتعليم اللغة القبطية ؛ فوجدت ضالتي المنشودة   ووعندما توجهت للمكان  حسب الموعد وجدته جالسا في انتظار من يأتي للتعلم اللغة القبطية ؛ وعندما أبديت رغبتي في التعلم قال لي معاك ورقة وقلم ؟ ؛ قلت له طبعا فقال له طلعها وبدأ في كتابة الحروف القبطية لي في الورقة مع شرح كل حرف علي حدة . وبعد  الانتهاء من كتابتها قال لي ذاكرها كويس  ونتقابل السبت القادم في نفس المكان .  وظللت أتردد علي المكان كل يوم سبت ؛ وللأسف الشديد لم يكن الوعي بأهمية اللغة القبطية كبيرا وقتها ؛ وكان عدد الحضور لا يزيد عن   خمسة أفراد ( وربما أقل ) ومع ذلك لم يفتر حماسه وكان يقول لي دائما ( واحد مهتم أبرك من عشرة متفرجين يضيعون الوقت ) . وبعد انتهاء المحاضرة ؛ ونظرا لضعف بصره ؛ كان يطلب مني توصيله إلي الشارع الرئيسي وطلب تاكسي له ؛ فكانت بالنسبة لي فرصة ذهبية لتبادل الحوار معه حول بعض الأمور الكنسية المطروحة علي الساحة في تلك الفترة ؛ وفي مرة قال لي "ما تيجي الكاتدرائية يوم الخميس ؛ أنا بدي كورسات قبطي بطريقة أكثر عمقا هناك " قلت له المكان فين ؟ ؛ قال لي مدرج حبيب جرجس بالكللية الإكليركية ؛ أسال عليه  ؛ وبعد القبطي فيه حصة ألحان مع المعلم إبراهيم عياد ( وكل ذلك بالمجان بدون أي مقابل  ) . وأشهد انها كانت فرصة ذهبية للتعمق كثيرا في اللغة القبطية وألحان الكنيسة . وذات يوم طلب مني  وقال لي "  ما تيجي تدرس في الكلية الإكليركية عندنا " فقلت له " تفتكر  أنفع ؟" قال لي "طبعا ما تنفعش ليه ؟ " قلت له " معلوماتي ضعيفة وخايف من امتحان القبول " قال لي ما تخفش الأسئلة بسيطة ومباشرة وهي مقابلة أكتر منها امتحان ؛ وعلي العموم أنا موجود في اللجنة ما تقلقش " . وبالفعل التحقت  بالكلية الاكليركية خلال الفترة من ( 1984- 1987 ) ؛ وبعد التخرج قال لي " ما دام حبيت القبطي ؛ تعال كمل معايا في معهد الدراسات القبطية قسم اللغة القبطية ؛  أنا رئيس القسم وفرصة تتعمق  أكثر وتعرف لهجات أخري للغة القبطية مثل ( الصعيدي – الفيومي ) وفاكر كويس  أنه قرر علينا  بعض نصوص الكتاب المقدس في ثلاث جداول مقارنة ( صعيدي – بحيري – فيومي ) . كذلك قرر  علينا أيضا نصوص ( الأنبا شنودة رئيس المتوحدين – سيرة يوحنا الزيتوني )  ؛ حتي تخرجت من القسم عام 1990 .  ولقد أتيحت لي فرصة  زيارته  مرة في منزله بحدائق القبة بصحبة أبينا الحبيب القمص بيجول باسيلي وعائلته ؛ وكانت فرصة رائعة  لكي أستمع فيها إلي حوارات كاملة باللغة القبطية . وعندما مرض بالجلطة ؛ قمت بزيارته في المستشفي مع أبونا بيجول ؛ وظل  يحضر بعض حفلات الكلية الإكليركية ومعهد الدراسات القبطية محمولا علي كرسي ؛ وكان يسلم علينا بحرارة ومحبة قوية .الرب ينيح نفسه في فردوس النعيم ويعوضه عن جهوده في  ملكوت السماء .

مراجع مختارة للمقال :-
1- شكر خاص للأخ الحبيب باخوم شاكر نجل العالم الكبير الذي تفضل بامدادنا  ببعض المعلوات والصور الفوتغرافية عن حياة وانتاج العالم الكبير .
2- شكر خاص ايضا للأخ الحبيب الدكتور جمال هرمينا بطرس الذي تفضل بإمدانا ببعض التفاصيل الشخصية عن جهود العالم الكبير .
3- بعض المواقع علي الأنترنت .
4- الذكريات الشخصية وبعض مقتنيات مكتبتي الشخصية من تأليف العالم الكبير .
5-مجموعة من أساتذة وخريجي الكلية :- الكلية الإكليركية في 125 عاما ؛ الكلية الإكليركية اللاهوتية للأقباط الأرثوذكس ؛ 2020 ؛ الصفحات من ( 333 – 337 ) .