حسين القاضى
أخذت مسألة الترحم على غير المسلم اهتماماً كبيراً بعد استشهاد شرين أبوعاقلة '> الصحفية شرين أبوعاقلة (رحمها الله رحمة واسعة)، على أيدى العدو الإسرائيلى، واختلط ما هو من العقيدة بما هو من الفقه، وغاب الذوق الذى يتميز به الفقه الإسلامى، ما أدى إلى كوارث كثيرة.

فى مسألة الترحم على غير المسلم قولان، لكن العقل المتطرف المتزمت أضاف قولاً ثالثاً لا علاقة له بالدين ولا بالفقه ولا بالذوق ولا بحسن الخطاب والدعوة بالحسنى، هناك رأى ينتصر للترحم على غير المسلم، ولهذا الرأى قناعاته وأدلته ووجاهته، ورأى يرى عدم الترحم، وله أدلته وقناعاته، وليس لأحد أن يفرض قناعاته على غيره.

لكن المسار الثالث المتطرف خرج ليقول فى وجه المتوفى وأهله والمؤيدين له: أنا لن أترحم عليك!!، أتصور أن شخصاً لا يريد تمنى الشفاء لمريض، لكن أن يعلن أنه لا يتمنى له الشفاء فهذا تصرف غير إنسانى، أتصور أن شخصاً لا يذهب لعزاء متوفى، لكن أن يعلن أنه لن يقدم له العزاء فهذا ينم عن فقدان الذوق والأخلاق.

إن الفقهاء الذين قالوا بعدم جواز الترحم على غير المسلم لا يوافقون على (إعلان عدم الترحم) فى وجه المتوفى ومحبيه، لما استقر فى تصرف الفقيه من الأدب والأخلاق، من حيث التفرقة بين الحكم، وبين إعلانه فى وجه صاحب المصيبة، لأن مقصد الفقيه إبلاغك بالحكم، وليس رفعه لإيذاء الناس به.

إن الآراء الفقهية يجب أن تجمع بين المسائل النصية وبين البعد الأخلاقى والإنسانى، ولكن النقاشات الحالية فى مسألة الترحم غاب عنها رعاية البعد الإنسانى والأخلاقى، وغلب على كثير منها اتخاذ مواقف متوترة متعصبة متشنجة. مسألة الترحم ذات صلة بعدد من المسائل الأخرى المهمة، حتى نفهم المسألة فى سياقها الأكبر، منها ما يتعلق بمراعاة الفقه الإسلامى للذوق والأخلاق والبعد الإنسانى، مع التأكيد على الحفاظ على أصول الدين، ومنها المتعلق بالخلط بين الأصول والفروع، أو بين العقدى والفقهى، ومنها أن البعض جعل فهمه للفقه هو الفقه، وفهمه للقرآن هو القرآن، ومن يخالفه يكون مخالفاً للقرآن لا لفهمه.

ومنها ما يتعلق بالناظرين إلى التراث الإسلامى، فمنهم من يبعث التراث كأنه جثة محنطة، ويعطل نعمة النظر، من غير نقد ولا تمحيص ولا إبداع، ويتلذذ بكل قبيح، وينسبه إلى الإسلام، ومنهم من أمعن فى الازدراء بكل التراث، وانسلخ منه تماماً، ومنهم تيار الاعتدال والتجديد، وهم صفوة، استوعبوا التراث، وانتخبوا المناسب، وبنوا على النافع منه، وردوا ما يستحق الرد.

ثم تأتى مسألة أخرى متعلقة بالكفار الذين عاشوا فى العهد النبوى، حيث جاءهم البلاغ النبوى غضاً طرياً من فم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن ثَم لم يكن لهم حجة فى إنكار هذا النور المبين، فإن جحدوا فقد أنكروا الحق الأبلج، أما غير المسلمين اليوم فأمرهم مختلف، لأن كثيراً من المسلمين صاروا فتنة لهم لا مشعل نور وهداية، وقد لا يرى بعضهم فى تصرفات المسلمين ما يجذبه للإسلام، وليس عنده القدرة العقلية التى تسمح له بالنظر فى القرآن فيؤمن به، وقد جاء التحذير القرآنى: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا)، فهل مثل هذا يحاسب على عدم إسلامه، خاصة لو علمنا أن الإسلام وصله مشوهاً جداً؟ وأليس هذا من أهل الفترة؟ هنا نسأل فقط، والجواب عند علماء الأزهر الشريف.
نقلا عن الوطن