سحر الجعارة
(روحى وأنتى طالق.. عليا الطلاق) هذه العبارات ومترادفاتها تهدم ببساطة دعائم «المودة والرحمة والسكن» فى لحظة ليعم الخراب، والنتيجة: مئات الآلاف من النزاعات القضائية حول حضانة الأطفال وسكن الزوجية «سابقاً» وحق الرؤية والحضانة: (آخر إحصائية متوافرة للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء المصرى.. حالات الطلاق وصلت إلى نحو 213 ألف حالة عام 2020، بمعدل حالة طلاق كل دقيقتين)!

وحتى لا نغرق فى جدل فقهى يجب أن نفرق أولاً بين الإسلام «القرآن والأحاديث النبوية المتواترة»، وبين «الفقه».. «اقرأ» كانت هذه أول كلمة فى الوحى الإلهى.. ومن بعدها ستجد الله يأمرنا بالتفكر والتدبر والتفقه.. لا توجد آية قرآنية تقول لنا (اسأل فلان.. ضعها فى رقبة عالم.. دع الإمام يفسر لك «أى إمام فى كل زمان»).

لا يوجد فى القرآن ما يفيد بأن علينا ترك «التنزيل الإلهى» لنأخذ برأى المؤسسة.. ولهذا سوف تجد غالبية المؤسسات الدينية فى الدول العربية تؤيد القرارات التى يتخذها «ولى الأمر»، بعد دراسة وتشاور بالقطع والوصول إلى استنباط عصرى للنص وتقدير لمراد الله عز وجل فى أحكامه التى تتعلق بالأسرة والحياة الاجتماعية.. حدث هذا فى تونس (التى رفض الأزهر اجتهاد مفتيها)، وحدث فى السعودية فالتزم الأزهر الصمت انتظاراً لصدور «صحيح بن سلمان»، الذى تقوم على إعداده الآن هيئة العلماء السعودية، والذى يلغى كل أحاديث الآحاد (بينما يكفروننا هنا بالتراث والمرويات الضعيفة)!

إذن نتفق بداية على أن الفقه هو «اجتهاد بشرى»، وأن الفقهاء يختلفون فى ما بينهم على تفسير النص وتأويله كلٌّ حسب فهمه وعصره وعلمه (وأحياناً حسب هواه الشخصى).. فماذا يقول النص القرآنى فى أحكام الطلاق؟.. يقول تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) الطلاق، الآية 2.. فالسنة أن يشهد شاهدان.. وإذا توجهت إلى لجنة الفتوى بالأزهر أو دار الإفتاء المصرية سوف تجد آراءً متضاربة: يقع أو لا يقع فى حالات السكر، الغضب، حيض المرأة «الأسماء لا تفرق، فكلهم بشر يخطئ ويصيب»، فى النهاية ستصل إلى نتيجة «مذهبية»، أى رأى فضله من أفتاك على غيره دون أن يُخيّرك حتى بين مختلف الآراء، ودون أن يخبرك أن «الكذب كارثى»، لأن الطلاق يترتب عليه احتساب مدة العدة، وبموجبها تحل مطلقته للزواج من غيره ويحدّد النفقة وخروجها من منزل الزوجية.. إلخ.

قارن هذا الوضع الملتبس فى الأحكام (التى يُقال إنها شرعية) بالأمر نفسه وهو «الطلاق» الذى يقع شفاهة لأن الأزهر قطع بذلك.. بينما يخالفه الرأى مثلاً الدكتور «على جمعة»، مفتى مصر السابق، وكثيرون غيره.

ثم ضع هذا الوضع المربك مقابل ميزان العدالة: «القانون» الذى لا يعترف إلا بالطلاق الموثّق، وبناءً عليه يقر حقوق الطرفين.. ويقترح «المجلس القومى للمرأة»، فى قانون «الأحوال الشخصية» الجديد: (تنظيم الطلاق وجعله أمام القاضى أو الموثق لحسم الحقوق المترتبة عليه وأن يكون فى مواجهة الزوجة أو علمها بإخطار رسمى، وذلك لمواجهة الطلاق الشفوى).

قبل أن تهبوا فزعاً لما تحسبون أنه «دين»، وهو تأليف بشرى، أذكركم فقط بأن مئات الآلاف من النساء يحصلن على الطلاق الرسمى الموثّق «فى المحكمة».. وأنه يقع وينفذ فى حق الزوجين بدون غضب، ولا سكر بيّن، لأن «الدولة» هى الطرف الثالث فى عقد الزواج، ممثلة فى الموثّق، أى المأذون.. فنحن لا نبتدع بدعة ولا نستحدث شريعة.. معظم الدول العربية حتى السعودية لا تعترف إلا بالطلاق الموثّق.

سنعود لنسأل: هل وقوع الطلاق «كلام ربنا».. أم رأى وفتوى؟.. هو بالقطع مجرد رأى يحتمل الصواب والخطأ وأيضاً تعنّت قائله.. التعنت هنا رغبة سلطوية شريرة يريد بها الكهنة أن يتسيدوا العالم ويطبّقوا وصايتهم على رقاب البشر.. هكذا يتحول «الفقه» لخدمة الإسلام السياسى وتكريس «الكهنوت».. وحكم الوطن «من الباطن».. هذا الجدل والصدام بين السلطة الدينية والمدنية لن ينتهى إلا بقانون بتار لحياة مستقرة ينظمها الدستور والقانون ولا يتدخل فيها كهنة الدين؟
نقلا عن الوطن