د.ماجد عزت إسرائيل

يوحنا الأرمني
 الفنان يوحنا الأرمني (1720-1786م) ينتمي إلى الجالية الأرمنية المهاجرين من بلاد أرمينيا إلى بلاد الشرق الأوسط. فقد ولد هذا الفنان فى مدينة القدس عام(1720م)، وجاء إلى القاهرة مع والده وأخيه صليب نحو عام(1740م)،وسكن بمنطقة درب الرسام بقنطرة الموسكي بالقاهرة، وفي عام 1742م تزوج من فريسينية تادرس ميخائيل،وكانت والدتها أرمينية، ووالدها من أقباط مصر،وكان يعمل خياطاً أو حائك ،وأنجبت له أربعة أبناء ثلاثة ذكور هم،أورتين، وجرجس،ويعقوب، وبنت واحدة اسمها منكشة، وتوفيت هذه الزوجة في(30 أغسطس 1770م)،وكان أولادها فى سن البلوغ، فتزوج بأخرى تدعى دميانة جرجس عنبر، وكان والدها صايغاً، ولم يرزق منها بأولاد. وكان الأبن الأكبر ليوحنا أورتين يعمل جواهرجياً بدار الضربخانة، وتزوج من مادالينا جرقوز العنتبلى الأرمني، وأنجبت له ثلاث بنات، وكانوا فى(1775م) في سن المراهقة، وكان ميسور الحال حيث يسكن في أحد أحياء القاهرة  الجميلة  بخط الرميلة ما بين قنطرة الموسكى وميدان الغلة،القريبة من حارة الإفرنج والنصاري، أما الأبن الثاني جرجس فكان يعمل نقاش أو رسام مثل أبيه، أما يعقوب فيبدو أنه مات بعد أن توفيت أمه1770م، أما الأبنة منكشة كانت تعيش مع والدها حتى وفاته في 1786م. 
 
   وقد لقب الفنان يوحنا الأرمني بالعديد من الألقاب منها، النقاش والرسام والمصور والمقديسي (نسبة إلى مدينة القدس التي نزح منها)، ومارس يوحنا الأرمني الرسوم الجدارية والزخرفة بالإضافة إلى رسم الأيقونات بالكنائس والأديرة أو منازل الأراخنة، وقد تأثر بالفنون الأرمينية،وبما شاهده ومارسه من أعمال فنية بمدينة  القدس،والمؤكد أن زوجته القبطية فريسينية؛كان لها أكبر الأثر عليه، لدرجة أنه أصبح عاشقاً لفن الأيقونات القبطية،وهذا ما جعله يتعاون ويشترك ويتعلم في الفترة ما بين (1742-1755م) أيضًا مع القبطي إبراهيم الناسخ (سمعان)الذي أشتهر بأيقوناته فى ذات الفترة الزمنية، فزاد عدد الأيقونات، وخير دليل على ذلك ما تركاه لنا في المتحف القبطي والكنائس في مصر، نحو(33) أيقونة كعمل مشترك بينهما نذكر على سبيل المثال أيقونة السيد المسيح(الجالس على العرش البانتوكراتور) بالمتحف القبطي بالقاهرة، أما يوحنا الناسخ بمفرده ترك لنا نحو(115)أيقونة، نذكر على سبيل المثال أيقونة القديس جورج الأرميني، وأيقونة القديس مار مينا، والقديس برسوم العريان في كنيسة العذراء قصرية الريحان مصر القديمة، وماربهنام السرياني،دير مار مينا فم الخليج مصر القديمة.وظل يوحنا الأرمني يرسم أيقوناته إلى أن تنيح (توفي) في(27 يوليو 1786م) ودفن بمدينة القاهرة.
 
يوحنا الأرمني: وأيقونة هروب العائلة المقدسة إلى مصر
 وترك لنا يوحنا الأرمني(1720-1786م) أعظم أيقوناته الأثرية وهي أيقونة "هروب العائلة المقدسة إلى مصر"، والتي نفذت على لوحة خشبية مقاسها(88 سم طولا × 65 سم عرضا) وتم رسم الأيقونة بالألوان الزيتية مباشرة ويظهر القديس يوسف النجار ممسكا بيده اليسرى برأس الحمار، ويده اليمنى تحمل عصا تتقدمه السيدة العذراء ممسكة بيد السيد المسيح الطفل وحول كل رأس منهم هالة. ويظهر ملاك الرب في الركن العلوى للأيقونة على هيئة إنسان،وعبر الفنان في الوجوه عن الحدث بما فيه من قلق وتوتر ونلاحظ عدم الدقة في النسب فنلاحظ صغر حجم الحمار بالنسبة لجسم يوسف النجار وأقترب جسم السيد المسيح من السيدة العذراء مع كونه طفل. وتعد هذه الأيقونة وثيقة تاريخية فريدة من نوعها حيث يصور فيها السيدة العذراء ويوسف النجار والطفل يسوع، وهو ما يثبت ما سجله مخطوط رحلة العائلة المقدسة إلى أرض مصر،حيث كان الطفل يسوع ما بين سن الثانية أو السادسة من عمره. 
 
وأيقونة هروب العائلة المقدسة إلى مصر، والتي رسمها الفنان يوحنا على لوحة خشبية مقاسها(88 سم طولا × 65 سم)عرضا وتم رسم الأيقونة بالألوان الزيتية مباشرة ويظهر يوسف النجار ممسكا بيده اليسرى برأس الحمار ويده اليمنى تحمل عصا تتقدمه السيدة العذراء ممسكة بيد السيد المسيح الطفل وحول كل رأس منهم هالة. ويظهر ملاك الرب فى الركن العلوى للأيقونة على هيئة إنسان،وعبر الفنان في الوجوه عن الحدث بما فيه من قلق وتوتر ونلاحظ عدم الدقة فى النسب فنلاحظ صغر حجم الحمار بالنسبة لجسم يوسف النجار وأقترب جسم السيد المسيح من السيدة العذراء مع كونه طفل،ونفذت اللوحة بيد يوحنا الأرمنى الذي عاش في الفترة ما بين( 1720-1786م) أي خلال العصر العثماني. وتوجد أيقونة للعائلة المقدسة تضم الطفل يسوع وأمه ويوسف الصديق وسالومي.  
 
العائلة المقدسة في جبل قسقام
 ومن الجدير بالذكر، بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة إلى قرية مير وهي إحدى القرى التابعة لمركز القوصية بمحافظة أسيوط، وتبعد عن مدينة القوصية بحوالى(7 كيلو متر) نحو الغرب. فقد أكرم أهل هذه القرية العائلة المقدسة أثناء وجودها في وسطهم؛ فباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء، وما زالت القرية تتمتع بهذه البركة من خلال الهدوء والسكينة والسلام الذي يسود بين سكانها. 
 
  وبعدها ارتحلت العائلة المقدسة إلى جبل قسقام، وكانت منطقة جبلية يكثر فيها نبات الحلفاء فكانوا يحرقونه ويدفنونه فيها لذلك سميت قسقام ومعناها(مدفن الحلفاء) ويوجد فيها حاليًا دير السيدة العذراء المحرق وكانت أطول مدة قضتها العائلة في ذات البقعة المقدسة، حيث قضت نحو(185) يوماً. ومن الجدير بالملاحظة أن العائلة المقدسة عاشت في مصر حوالي أربع سنوات إلى أن مات الملك «هيرودوس» (37-4 ق. م)، وحكم بعده الملك « هيرودس أَرْخِيلاَوُسَ »(4 ق.م حتى 6م). وفى هذا المكان ظهر الملاك للقديس يوسف النجار وذكر له قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ»." (مت 2: 20).
 
دير المحرق 
  وفي هذه المنطقة شيد دير السيدة العذراء الشهير بالمحرق، ويقع في سفح جبل معروف باسم «جبل قسقام» على أسم مدينة «قسقام» التي خربت منذ زمن بعيد ، ويبعد دير المحرق حوالي 12 كيلو متر غرب بلدة القوصية محافظة أسيوط وعلى بعد 327كم جنوب القاهرة و 48 كم شمال أسيوط. وفي غرب الدير الدير تمتد الصحراء الغربية والجبل والكثبان الرملية لمسافات بعيدة لا يلاحقها البصر حيث ما يعرف بالبرية الداخلية وحسب الإصطلاح القبطي الرهباني يطلق عليها البرية الجوانية، أما شمال الدير وشرقه فتوجد المروج الخضراء التى تريح النظر وتبهج النفس بفضل مياه نهر النيل التي تصل في زمن الفيضان إلى قرب الدير. وتصل مساحة الدير نحو عشرين فداناً.ويعتبر دير المحرق من أشهر الأديرة القبطية في مصر وله سمعة تاريخية وعالمية، واشتهر رهبانه منذ القدم بالتقوى والعلم حيث امتد أثرهم الكرازي والعلمي حتى جنوب أوروبا ووسطها وشمالها ووصل إلى أيرلندا. 
 
  وأطلق على الدير عدة مسميات منها دير "السيدة العذراء" ذلك نظرًا لإقامة السيدة العذراء مريم وابنها السيد المسيح ويوسف النجار،أثناء هروبهم من فلسطين ولجوئهم إلى مصر،واشتهر أيضًا بـ «دير المحرق» لأن الدير كان متاخماً لمنطقة تجميع الحشائش والنباتات الضارة وحرقها، ولذلك دعيت بالمنطقة المحروقة أو المحترقة، ومع مرور الوقت أطلق لقب دير بالمحرق. كذلك أشتهر بـ«دير جبل قسقام» ، فكلمة «قسقام» تتكون من مقطعين «قُس .. وقام»  فــــ«قس» هي اسم مدينة  اندثرت حاليًا كانت عاصمة الولاية الرابعة عشرة من الولايات الـ 22 التي كان مقسما بها صعيد مصر ولم يبقى منها حاليا إلا «البربا – المعبد» ومعناها الديني المكان العلوي، ومعناها المدني تكفين أو تحنيط جثة الميت ولفها بالكتان لتحضيرها للدفن، و«قام».. اسم كانت تختص به المنطقة التي تقع غرب الولاية الرابعة عشر ومعناها الديني «اللانهاية ـ إلى الأبد» ، ومعناها المدني كما يقول المؤرخ أبو المكارم «مكفن بالحلفاء للصعاليك - فقراء» ولقرب قام من قُسْ اشتهرت المنطقة والجبل المجاور بقسقام وبالتالي اشتهر الدير بدير «جبل قسقام».
 
بعض معالم دير المحرق
 ومن أهم الكنائس الموجودة بدير المحرق كنيسة السيدة العذراء الأثرية وهى المكان الذي مكثت فيه العائلة المقدسة هذه المدة كلها، وكانت وقتها عبارة عن بيت ريفى بسيط، ومذبح هذه الكنيسة هو الحجر الذي كان يرقد عليه الرب يسوع كل هذه المدة، ولما بُنيت الكنيسة جعلوا هذا الحجر هو قرص الذبح وهو باق كما هو حتى الآن، وعن هذا المذبح تنبأ إشعياء النبى قبل الميلاد بنحو(700) عاماً قائلاً: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا."(إش19: 19).بُنيت هذه الكنيسة فى أواخر القرن الأول المسيحى وجاء السيد المسيح مع رسله الأطهار من السماء ودشن هذا المذبح بيده الطاهرة. لذلك لما أراد أحد البطاركة تدشينه ظهرت له العذراء مريم وقالت له: إن السيد المسيح هو الذي دشنه بيده الطاهرة فلا يحتاج لتدشين آخر وهكذا امتنع البابا عن تدشين المذبح. وتحتفل الكنيسة بعيد تدشين هذا المذبح بيد السيد المسيح  كل عام يوم (6 هاتور/15 نوفمبر) حسب السنكسار القبطي. 
 
 كما يوجد الحصن الأثري القديم وكنيسة الملاك ميخائيل، ويرجع تاريخ تشيد هذا الحصن إلى القرنين السادس أو السابع الميلادي. كما يوجد على جدار الحصن الأثري بدير المحرق العامر ساعة شمسية قديماً كانوا يضعون المسمار بميل أو إتجاه معين حسب فصول السنة وعندما كانت تشرق كان المسمار يعطي ظلاً يعرفون منه الوقت ولو على وجه التقريب. وأيضًا كنيسة السيدة العذراء الجديدة الشهيرة باسم "مارجرجس" وهي التى شيدها القمص عبد الملاك الأسيوطي رئيس الدير في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. وكنيسة السيدة العذراء الجديدة،حيث تم تأسيسها في عام(1940م)، في رئاسة المتنيح الأنبا "أغابيوس" مطران ديروط وصنبو وقسقام.