إعداد/ ماجد كامل 
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يو 2 بؤونة من الشهر القبطي الموافق 9 يونيو من الشهر الميلادي بتذكار ظهور جسدي القديس يوحنا المعمدان وأليشع النبي . وعن قصة هذا الظهور كما يروي لنا السنكسار أن يوليانوس الجاحد أراد أن يبني هيكل أورشلبم بعد أن هدمه الوالي تيطس في عهد الإمبراطور سباسيان ؛ وذلك بغرض أن يبطل قول السيد المسيح له المجد " أنه لا يترك حجر علي حجر  إلا وينقض " ( مت 24 : 2 ) فلما شرع في البناء أنبعثن نار من  الأساس والتهمت الفعلة . فقال له اليهود "إن السبب في ذلك هو وجود أجساد بعض المسيحين في هذا المكان ؛ ويجب أن رفعها منه " فأمر يوليانوس بحرق الأجساد ؛ ولما أخرجوا جسدي القديسين يوحنا المعمدان وأليشع النبي لحرقهما تقدم بعض المسيحين واعطوا أموالا للجند وأخذوا الجسدين وأتوا بهما إلي البابا أثناسيوس الرسولي بالإسكندرية  ؛ففرح بذلك ووضعهما في مكان خاص إلي ان يبني لهما كنيسة ؛ وكان معه تلميذه ثاؤفيلس الذي طلب منه بناء كنيسة علي أسميهما في الوقت المناسب  ؛ فلما جلس البابا ثاؤفيلس علي الكرسي المرقسي ؛ تذكر ما قاله له البابا أثناسيوس ؛فقام ببناء الكنيستين ؛ وحدث أنه وهم سائرون بالجسدين أنهم عبروا  أمام امرأة من الصابئة ( ممن ينتمون لعبادة الكواكب ) وكان لها أربعة أيام متعسرة في الولادة ؛ ؛ فعندما سمعت وشاهدت  الموكب ؛ تشفعت بالقديس يوحنا المعمدان ونذرت   أنها سوف تصير مسيحية إذا نجت من هذه الشدة وتمت ولادتها بسلام ؛ولم تتم كلمتها حتي وضعت ولدا بسلام وسمته يوحنا ؛ ثم   أعتمدت هي وأهل بيتها جميعا . 
 
اما الجسدين فقد وضعوهما في الكنيسة بإكرام جزيل وحدثت منههما عجائب كثيرة ؛ ولما أستشهد القديس مكاريوس أسقف قاو وضعوا جسده معهما ( السنكسار القبطي تحت يوم 2 بؤونة ) . 
 
ولقد صدر كتاب صغير وقيم عن دير القديس  أبو مقار بعنوان " الكشف الأثري عن رفات إليشع النبي ويوحنا المعمدان " حيث يروي لنا  تفاصيل اكثر ؛ ومنها أن البابا ثاؤفيلس ( 385- 412 م ) بابا الكننيسة القبطية رقم 23  ؛ بني لهما كنيسة  مكان المعبد الوثني القديم المشهور بأسم السرابيوم ( والمعروف حاليا بعمود السواري )  علي أرجح الأراء ؛ وفي عام 451م ؛ استشهد القديس مكاريوس أسقف  أدكو (بحري مدينة أخميم ) ؛ وتم وضع جسده  مع جسد القديسن إليشع النبي ويوحنا المعمدان ؛ وهكذا أصبح رفات الثلاثة مرتبطين معا ( وتعيد الكنيسة لاستشهاد الأنبا مقار الاسقف في 27 بابة الموافق 6 نوفمبر ) . 
 
 وفي أوائل القرن العاشر ؛ وبسبب توقف  الصلاة في هذه الكنيسة لأسباب غير معلومة لدينا ؛ تم نقل الرفات القديسن الثلاثة إلي دير القديس أبو مقار  .
وفي عصر البابا يؤانس الثالث عشر (  1484- 1524 م )  البطريرك رقم 94 . قام بزيارة دير القديس  أبو مقار ؛  وقام بتكريس كنائس الحصن ؛ ودشن الهيكل البحري في كنيسة القديس  أبو مقار بأسم "هيكل يوحنا المعمدان " . 
 
وفي القرن العشرين وفي خلال عام 1909 ؛ قام العلامة القبطي الكبير إقلاديوس بك لبيب " (  1868- 1918    )  بنشر كتيب عن الأديرة المصرية القديمة ؛ذكر فيه أنه رأي في كنيسة القديس أبو مقار مقبرة يوحنا  المعمدان ( المرجع السابق ذكره ؛ صفحة 23 ) 
 
ثم يروي لنا  الكتاب  التفصبل قصة اكتشاف مقبرة القديسين يوحنا المعمدان وإليشع النبي ؛ يروي تفاصيل التقرير الرسمي الصادر عن الدير في 20 نوفمبر 1978 من الأب يعقوب المقاري المسؤول عن الأمور الهندسية في الدير وقتها بحكم عمله كمهندس سابق .   أنه يوجد تقليد شفوي قديم متوارث بين  رهبان الدير أنه يوجد  رفات القديسيسن إليشع النبي ويوحنا المعمدان  داخل جدران الدير بجوار الحائط البحري للكنيسة إلي  جانب عمود صغير بارز ؛ وأستمر هذا التقليد الشفوي المتواتر حتي قدوم الأب الموقر القمص متي المسكين ( 1919- 2006 ) . فكلف الرهبان برفع البخور  أمام هذا العمود  . وأستمر هذا التقليد الشفوي المتواتر حتي جاء الصوم الكبير عام 1976 ؛وبدأ الرهبان عملية ترميم واسعة برفع كميات الرديم الهائلة للوصول إلي الأرضية الأصلية ؛ فإذ ببروز يظهر في جانب الحائط البحري علي شكل قبو مغطي ببياض أزرق ؛ فقام الرهبان برقع طبقة البياض حتي وجدوا صندوقا طويلا يزيد طوله عن مترين ؛ وبفحص الصندوق وبمقارنة دراسة العالم القبطي الكبير إقلاديوس لبيب  التي قام بها عن مخطوطات  الدير خلال عام 1909 ؛ أتضح أن الصندوق هو للقمص يوسف رئيس الدير الدير السابق ؛ وشقيق البابا ديمتريوس الثاني ( 1862- 1870) بطريرك الكنيسة القبطية رقم 111 ؛ وبعد رفع الصندوق ؛ وجد الرهبان مجموعة من الهياكل العظمية مرتبة حسب الطقيس  القبطي (وهو أن تكون الرأس جهة الغرب والأقدام جهة الشرق ) . ثم لاحظ الرهبان وجود تراب لونه أحمر ؛يرجح  أنه خشب متحلل مما يرجح  انه خشب متحلل ؛ محفوظ فيه رفات هؤلاء الرهبان . 
 
وعندما قام المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث ( 1971- 2012 ) بزيارة الدير  في شهر  ابريل 1976  ؛أبلغه القمص متي المسكين بنبأ العثور علي المقبرة ؛ وأخبره بالتقليد الشفوي أن رفات القديسن إليشع النبي ويوحنا المعمدان ؛ وطلب من قداسة البابا البقاء بالدير يوما واحدا حتي يرفع بيديه اعظام المقدسة خصوصا أن المناسبة كانت لائقة جدا ؛ فسأله قداسة البابا "لماذا لم بعلن الاكتشاف بعد ؟ "  أجاب الاب متي المسكين "الأدلة غير كافية " فرد عليه قداسته "  أنه لا يوجد أيضا ما ينفي ذلك " 
 
وبالعفل كلف قداسة البابا شنودة لجنة من المؤرخين برئاسة المؤرخ الراحل نبيه كامل داود ( 1937- 2010 ) بدراسة الموضوع ؛ وقام الاستاذ نبيه بمسح شامل لكل مخطوطات البطريركية ؛ ولكن لم تتح له الفرصة للإطلاع علي مخطوطات دير القديس أبو مقار . 
 
ثم تسرب الخبر  إلي الصحافة المصرية ؛ ومنها جريدة  الأهرام تحت يوم الأثنين الموافق 13 نوفمبر 1978 ؛ قام بكتابة التحقبق الكاتب الصحفي المرحوم الأستاذ عزت السعدني ( والجدير بالذكر  الأستاذ عزت السعدني ( 1937- 2022 )  قد أصدر كتابا بعنوان "هل هو يوحنا المعمدان ؟ " .ويذكر عزت السعدني أن الحكاية بدأت ذات صباح مشمس من  أيام اكتوبر 78 .. عندما جائني راهب كريم قال لي أنه الأب باسيليوس ... أحد رهبان دير الأنبا مقار في وادي النطرون .... ودعاني أن ازور الدير والتقي بالرهبان الذين يعبدون الله في مكان قصي . ..... ( من مقدمة الكتاب ) . 
 
وداخل الدير قال  أحد  الرهبان أنهم قد عثروا مع عدد من خبراء الآثار  علي كهف أثري  أسفل الحائط البحري ... ووجدوا تابوتا ومن حوله رفات آخر لا يعرف لمن من القديسين  هو ! فسأل  الأستاذ عزت السعدني " علام عثرتم داخله ؟ ؛رد الراهب "تعال  وأنظر بنفسك " ويروي عزت السعدني لحظة فتح  التابوت فيقول "وانفتح غطاء التابوت من كل جانب وقفز الي الأنوف رائحة عمرها عمرها قرون طويلة ... وتعلقت عيناي بمحتويات التابوت وفي ضؤ ثلاث شمعات أمسك بها الرهبان شاهدت غطاء كان لونه يوما أسود وربما أخضر .... ومن تحت اللفائف ظهر رأس الراقد في سلام ... وكأنه راقد في جوف التابوت ... وشددت يد عالم الآثار ( بقصد هنا المرحوم عبد الرحمن عبد التواب عالم الآثار الإسلامية  الكببير )  لينظر معي .... الوجه انساني الملامح وليس شيخا ولا شابا ... الرأس تتناثر فيه الشعيرات البيض والسود ولكن سواده أكثر .... العينان مغمضتان كأنه نائم لو قلنا له قم لقام معنا .... اللحية ما زالت طويلة بشعيراتها السوداء والبيضاء ... الاّذن اليسري واضحة المعالم أما الأذن اليمني فهو راقد عليها واليدان فوق الصدر والجسم كله نائم علي الجنب الأيمن ..... وقال عبد  الرحمن  في صوت مسموع : سبحانك ربي تعلم السر وما يخفي  ( الوصف هنا  لجسد القمص يوسف شقيق البابا بنيامين الثاني ) ( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- عزت السعدني هل هو يوحنا المعمدان ؟   صفحتي 29 و30 ) .
وقال الرهبان الخمسة " نحن رهبان نعبد الله في مكان قصي ولقد اكتشفنا التابوت وبجواره الرفات ولقد شاهدتم التابوت ... وبقي الرفات ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 30 ) .
 
فسأل السعدني :- "أين الرفات ؟ " قالوا وهم يشيرون الي صندوق آخر كبير الحجم في نفس الغرفة لم نلحظه طول الوقت ولم يعره أحد اهتماما " هنا في هذا الصندوق " . قلت "لنفتحه " رد الرهبان " لم يأمرنا الاب متي المسكين رئيس الدير بفتحه " قلت "  أين هو ؟ " قالوا  مريض في فراشه ؛ ولا أحد يذهب إليه وهو في فراش المرض " فقلنا في صوت واحد " لتنتظر حتي يبرأ من مرضه ... نحن  هنا قاعدون " ( صفحة 31 من كتاب السعدني ) . وبالفعل سمح الأب متي المسكين بفتح الصندوق ؛ وصدر البيان الرسمي الصادر عن الكنيسة القبطية الارثوذكسية  الذي يؤكد صحة وجود الرفات وأنها فعلا تخص رفات يوحنا المعمدان واليشع النبي . 
 
ويرصد عزت السعدني في كتابه هذا ردود الفعل العالمية حول هذا الكشف ؛ فمن الفاتيكان دعا المونسينيور جوفيانيا بابا مؤرخ كنيسة  الفاتيكان بإجراء دراسات  وأبحاث من أجل التأكد من وجود رفات يوحنا المعمدان داخل  الكنيسة المصرية ... وأضاف المونسنيور جوفيانا بابا  أن الأدلة التي يمكن أن تؤكد هذا الاكتشاف غير كافية وأنه يجب  أن تعاد دراسة الوثائق التاريخية التي تشير التي تشير الي نقل رفات يوحنا المعمدان الي مصر كما يجب اجراء اختبارات علي الجثمان لمعرفة ما اذا كان هناك بعض أجزائه مفقودة خاصة أن بعض كنائس العالم قد أدعت وجود أجزاء من رفات يوحنا المعمدان لديهم ( عزت السعدني :- نفس المرجع السابق ؛ صفحة 79 ) .
 
كما قال فضيلة الشيخ   أحمد حسن الباقوري ( 1907- 1985 ) " أن احتمال وجود قبر  النبي  يحيي عليه السلام في مصر لا ضرورة للتشكيك فيه وآية ذلك  أقول أن الأسلاف الأطهار كانوا دائما رحالة لا يستقر بهم مقام ومن الميسور أنه في  أحدي الرحلات قد مات هنا في مصر أو قبر فيها أو انه مات في الأردن  وخيف عليه من أن ينبش قبره بواسطة أعدائه فنقل الي مصر ؛ومصر دائما ملاذ   للأحياء والأموات من أهل الفضل ( عزت السعدني:-  نفس المرجع السابق ؛ صفحة 93 ) . 
 
وفي مدينة سولت الأميركية ؛ قالت مصادر الكنيسة المورمونية هناك    أنه لاصحة لما روته الصحف المصرية  مؤخرا عن وجود جثمان النبي يوحنا المعمدان في مقبرة ما بالقرب من القاهرة ؛   وقال رئيس الكنيسة أمس  أنه لا يمكن ان تحتوي المقبرة التي اكتشفت علي جثمان النبي يوحنا للسبب البسيط وهو أن يوحنا المعمدان  قد قام متجسدا علي الأرض مرة أخري !!!!! ( صفحة 79 من نفس الكتاب ) . 
 
وينقل الاستاذ عزت السعدني رأي الدكتور يوسف منصور أستاذ الطقوس في الكلية  الإكليركية قوله " أن هناك   أدلة   يمكنها أن تؤكد حقيقة الاكتشاف سوف تقوم  اللجنة بتحققيها ولكن ما لدينا من معلومات   الآن يعطينا ترجيحا كبيرا في أن الرفات للقديس يوحنا المعمدان فأولا الاشارات التي  وردت في كتاب السنكسار تؤكد  وجود الرفات في هذا المكان بالذات وحيث ان الاكتشاف لم يتم بمحض الصدفة فهذا يرجح  أنها للقديس يوحنا المعمدان وثانيا أن مراسم دفن القديسين والرهبان تتم بدقة شديدة لا تدع مجالا للبس أو الاشتباه ( صفحة 81 من نفس الكتاب ) .
 
وآخر الأدلة التي يذكرها الأستاذ عزت السعدني هي قوله " ان الذي أعلن هذا الاكتشاف هو الأب الراهب متي المسكين والمعروف  أنه علي درجة عالية  من المؤلفات الدينية الخاصة بسير القديسين الرهبان الراحلين ومما لا شك فيه   أنه عندما يخرج هذا الكشف ويعلنه علي الملأ قهو يمتلك الأدلة والمستندات التي تؤكد ذلك " ( عزت السعدني :- صفحة 81 من  نفس الكتاب ) . 
بعض مصادر ومراجع المقالة :- 
1-السنكسار القبطي تحت يوم 2 بؤونة . 
2 – إيريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة  القبطية ؛ الجزء الأول ؛ 
3-عزت السعدني :- هل هو يوحنا المعمدان ؟  الناشر  المؤلف ؛غير مذكور السنة .