بقلم الباحث/ نجاح بولس

مع إستهلاك الشعب المصري للخطاب الديماجوجي لمدة سبعة عقود، تشكل عقل جمعي غير متزن سياسياً واجتماعيًا، فلا هناك منهج علمي تقوم عليه أي إدارة، وتفكير يخضع لقناعات مسبقة لا تقبل التأويل ولا تعترف بأي منهج نقدي، الصوت الواحد والوحيد بات السمة الغالبة على الخطاب الرسمي والشعبي، حتى حلت إتهامات التخوين وقضايا الحسبة مرافقاً لصيقاً لأي تغريد خارج السرب .
 
فروق التراجع الفكري تظهر بوضوح عند التعامل مع تجمعات لجنسيات مختلفة ، رغم فارق الحضارة والتاريخ للمهاجر أو المغترب المصري، لكن نمط إستهلاك الثقافة والعلوم له تأثيره الأكبر، خصوصاً على درجة الإنخراط في المجتمعات الجديدة والانفتاح على الثقافات المختلفة .
 
حتى المشاركة في الفعاليات الدولية سواء الثقافية أو الرياضية أو حتى السياسية، لاحظنا عدم إلتزام الحضور المصري بالبروتوكولات في كثير من الفعاليات، وأحياناً يتورط بعض المسئولون في مخاطبة المجتمع الدولي بخطاب تعبوي لا يخضع للموضوعية، ولا يصلح سوى للإستهلاك المحلي بغرض تعبئة المواطنين حول سياسات معينة .
 
وبينما ينظر العالم لهذا السلوك أو تلك التصرفات بإستغراب وشعور بالشفقة، يتمادى العقل الجمعي المصري متصور الصواب والحق المطلق، ويعجز عن إيجاد مسارات مناسبة لطرح قضاياه، أو اللجوء لإستمالات مدروسة لإقناع الأخر تعتمد على منهج علمي حقيقي.
 
والنتيجة إخفاقات متعددة على كل المستويات كان أبرزها إنتخابات اليونيسكو، التي فشلت مصر بحضارتها وتراثها وتاريخها أن تفرز للعالم رئيس للمنظمة، بينما استطاعت دول بدون حضارة ولا تاريخ تمثيل نفسها أو المنافسة بقوة على رئاسة المؤسسة الأكبر في مجال الثقافة والتراث.
 
ويبقى أيضاً صفر المنديال أكبر دليل على فشل الخطاب المصري العام في مخاطبة العالم وإقناعه، وبينما نجحت الدول الأصغر  في إدارة المفاوضات وأقنعت الدول الأعضاء بقدرتها على إستضافة الحدث الرياضي الأكبر، ومثلت نفسها أمام العالم بعظماء يعرفهم شعوب العالم، كانت الحملة المصرية تخاطب الشعب المصري وتشحنه عاطفياً كأنه هو المنوط بالتصويت على القرار، وفشل الخطاب المصري في تسليط الضوء على عظماء مصريين يحترمهم العالم، وتمثلت عند طرح الملف بمن لا وزن لهم وبعضهم كان إضحوكة المحفل، أبرزهم الطفل المعجزة الذي يتحدث لغات مختلفة في سن الخامسة عشر ، ومن وقتها لم يسمع أحد عنه ولا عن معجزاته شيئاً .
 
والغريب بعد فشل هذا النوع من الخطاب الذي يجنح نحو الديماجوجية، ويعتمد على تعبئة الشعوب لخدمة سياسات نظم الحكم، ورغم نتائجه الكارثية على كل المستويات داخلياً وخارجياً، هناك إصرار على التمسك به ولا زال مستمر في تسطيح العقل الجمعي المصري، ونتائجه تزداد سواءً بعد إنتهاجه كخطاب إعلامي وسياسي وحيد، وكأن البلد ستتقدم وتتطور فقط بتعبئة الشعب حول سياسات عامة، دون أي إدراك لأساسيات القيادة والإدارة التي تقوم على خلق هدف فرعي وشخصي لكل فرد، ودفع الأفراد لتحقيق أهدافهم الفرعية كحجر الأساس نحو تحقيق الهدف العام للمجتمع أو الدولة .