رامي عطا
منذ عدة أيام أثار الممثل "أحمد الرافعي" جدلًا واسعًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع "فيسبوك"، بسبب "تدوينة" له تضمنت إساءة لشخص المفكر الراحل الدكتور فرج فودة الذي راح ضحية الإرهاب الغادر يوم 8 يونيو 1992م، حيث أعاد البعض "تدوينة" كتبها الممثل ونشرها منذ نحو عام قال فيها "إنها المرة الأولى التي يظهر فيها المصريون الفرح لموت إنسان.. من تعليق لأحد الكتاب في ذكرى نفوق فرج فودة"، مع "هاشتاج" يقول "#من_مصر_تبصر".

أثار الأمر غضب كثيرين ممن يقدرون الشهيد الدكتور فرج فودة ويعلمون قيمته الفكرية ومكانته الثقافية، خاصة ابنته "سمر فرج فودة" التي شنت هجومًا لاذعًا على الرافعي، ووصفته بالممثل المتطرف، لأنه لم يقابل الرأي بالرأي أو الفكر بالفكر، بل لجأ إلى السب والقذف، وأضافت موجهة حديثها للممثل: "أعلنت سعادتك وفرحتك بانتصار شيوخك المتطرفين وجماعة الإخوان الإرهابية بقتل رجل أمام أعين أبنائه الصغار بدم بارد.. وكان كل سلاحه الكلمة فقط"، وحسب عدد من وسائل الإعلام، فإن "سمر" قد شبهت الرافعي بمن قتل والدها، حين أجاب القاتل عند سؤاله عن سبب إقدامه على هذه الفعلة بالقول: "لأنه مرتد"، ثم أشار إلى أنه لا يقرأ ولا يكتب، ولفتت "سمر" إلى أن كتابات فرج فودة "وصفت بدقة ما حدث في مصر من صعود التيارات المتشددة ووصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى الحكم وظهور الجماعات والتنظيمات التي تقتل الجيش المصري.

الغريب في الأمر أن الفنان أحمد الرافعي يجسد حاليًا شخصية "عمر رفاعي سرور" مفتي جماعة أنصار بيت المقدس بمسلسل "الاختيار"، الذي يتناول حياة الشهيد أحمد منسي وعدد من ضباط الجيش المصري وجنوده في الحرب على الإرهاب ومواجهة التكفيريين.

بكل تأكيد من حق الفنان "أحمد الرافعي" أن يختلف مع أفكار الدكتور فرج فودة، ومن حقه أن يقول رأيًا مُغايرًا، ولكن ليس من حقه أن يعبر عن رأيه بأسلوب فيه إساءة وتجريح، إذ ليس من اللائق أن يتحول الاختلاف إلى سب وإهانة.

كان الدكتور "فرج علي فودة" قد استشهد برصاص الإرهاب الغادر، قتلوه لا لأنه ارتكب جُرمًا ولا لأنه أخطأ في حق المجتمع، ولكن لأنه اختلف معهم في الرأي، ولم يكن يسعى لمصلحة شخصية، ولم تكن لتحركه أهواء ذاتية.

أذكر أنني شاركت- منذ عدة سنوات- في احتفالية نظمتها "الجمعية المصرية للتنوير"، وهي الجمعية التي أسسها د. فرج فودة، وكانت الاحتفالية بمناسبة ذكرى استشهاده، وقد حضرها كثيرون ممن يقدرون فودة ويجلون كتاباته وأفكاره ونضاله وجهاده، يحترمون ما طرحه من أفكار وما ناقشه من قضايا كثيرة ومتنوعة، يرتبط فيها الدين بالحياة والمجتمع.

تحدث كثيرون فى تلك الاحتفالية بكلمات رقيقة تحمل تقديرًا لاسم فرج فودة، وكان منهم الزميل الراحل "أيمن عبدالرسول"، الذي طرح سؤالًا مُهمًا، وهو ماذا كان يمكن أن يقول الدكتور فرج فودة لو كان على قيد الحياة اليوم؟!.

وفي محاولة متواضعة للإجابة عن هذا السؤال المهم، أقول إنه لو كان فرج فودة بيننا لاستمر يدعو إلى أفكاره التنويرية ورؤاه العصرية، وقد زاد الرجل من تمسكه بمشروعه النهضوي، الذي سخر له حياته وعاش من أجل تحقيقه، حيث عاش مُفكرًا أصيلًا، يتطور لكنه لا يتغير، ينمو ولكنه لا يتلون.

لو كان بيننا اليوم لزاد من كتاباته المزعجة، خاصة وأنه كان يقول عن نفسه إنه "كاتب مزعج ومُثير للإزعاج"، كما كان يمكن له أن يُثير بعض القضايا والإشكاليات الجديدة، حيث كان كاتبًا مبتكرًا، يفكر بشكل مبدع، غير نمطي وغير تقليدي.

لو كان بيننا اليوم لاستمر يدعو إلى الدولة المدنية الحديثة التي تؤمن بالفصل بين الدين والسياسة، فلا يوظف الدين في السياسة ولا توظف السياسة في الدين، لأن توظيفهما بهذا المعنى يضر السياسة ويضر الدين، خاصة وأنه كان يردد دائمًا أن "حضارة العصر لا تتسع لدولة دينية"، وكان يقول إن "الدين أعز من أن يُقحم في السياسة".

لو كان بيننا لاستمر في دعوته الخاصة بالوحدة الوطنية بين المصريين، باعتبارها الرابطة القوية التي تربط بين أبناء الوطن الواحد، من المسلمين والمسيحيين، دون تفرقة ودون تمييز، وبأن مصر وطن واحد يتسع للجميع دون استثناء ودون استبعاد لأي من مكونات الجماعة الوطنية المصرية، مؤكدًا مبدأ المواطنة وقيم المحبة والتسامح والعيش المشترك وقبول الآخر ودولة القانون، وغيرها من قيم إيجابية.

لو عاش فرد فودة بيننا إلى اليوم لاستمر يشارك في الندوات الفكرية والفعاليات الثقافية، دون كلل ودون ملل، مواصلًا تأسيس مدرسة فكرية، يتتلمذ فيها كثيرون من المؤمنين بالحق في التفكير وإعمال العقل، حيث الحق في الاتفاق والحق أيضًا في الاختلاف، ما يسمح بانتشار قيم الاستنارة وأدوات التحديث.

في المقابل لاستمر الرجعيون من الرافضين لأفكاره، من غير المؤمنين بالحق في الاختلاف، في الهجوم عليه، بكتابات مسيئة وكلمات هجومية لأفكاره وشخصه أيضًا، فيكتبون ضده المقالات والمؤلفات، ويقيم البعض منهم عليه القضايا ويرفع الدعاوى أمام المحاكم، حتى لا يكتب وحتى لا يقول رأيه وحتى لا يُعبر عما يجول في رأسه من رؤى وأفكار.

رحم الله الشهيد الدكتور فرج فودة، بقدر ما أعطى وقدم لهذا الوطن، وبقدر ما اجتهد وناضل وكتب وفكر، قد نتفق معه وقد يراه البعض مُبالغًا، لكنه بالتأكيد يستحق كل احترام وإجلال تقدير.
نقلا عن الدستور