د. سامح فوزى

مع كل مؤتمر يُعقد لمناقشة ظاهرة التطرف، يقفز سؤال على السطح: ماذا فعلت المؤتمرات السابقة؟ وما الجديد الذى يمكن أن يضيفه مؤتمر آخر؟ الذين يطرحون هذا السؤال يتصورون أن ظاهرة التطرف ثابتة فى الحجم والشكل، فى حين أنها مثل سائر الظواهر الاجتماعية تتطور وتتحور، مما يتطلب إخضاعها باستمرار للاستقصاء، والبحث، والنقاش العام. وبالرغم من ذلك، فإن السؤال لا يخلو من وجاهة خاصة إذا تشابهت وتكررت الأحاديث فى المؤتمرات الموسمية التى تعقد تحت لافتة التصدى للتطرف، والتى يبدو أنها بمثابة خطابات ثابتة لظاهرة متغيرة!.

 
عقد الأسبوع الماضى مؤتمر التطرف الدينى المنطلقات الفكرية واستراتيجيات المواجهة، الذى نظمه مركز سلام لدراسات التطرف فى رحاب دار الإفتاء المصرية، التى يقودها العالم الدكتور شوقى علام، ويعاونه عدد كبير من الخبراء والباحثين المتميزين. وقد حظى بمشاركة واسعة من علماء ومثقفين وباحثين مصريًا وإسلاميًا وعالميًا، ناقشوا قضايا متنوعة، السمة الغالبة لها أنها تعبر عن نظرة متجددة إلى التطرف الديني، وهو ما أعطى المؤتمر زخمًا، ودلالة، وتأثيرًا.
 
ويمثل المؤتمر، إضافة مهمة، ولاسيما أنه اتجه إلى تشبيك جهود الفاعلين، وتحقيق التضافر فيما بينهم، والتنسيق بين مراكز الأبحاث التى تعمل فى مجال مكافحة التطرف، واعتبار ذلك إحدى التوصيات الأساسية التى يعمل مركز سلام لدراسات التطرف على تحقيقها فى الفترة المقبلة، ليس هذا فحسب، بل تطرق أيضا إلى قضايا تتصل بنشاط التنظيمات الإرهابية على الانترنت، وكيفية التصدى لها، خاصة فى ضوء قدرتها على تطويع خطاباتها لتصل إلى قطاعات متزايدة من مرتادى الفضاء الالكتروني، ولم يغفل التعرض إلى التجارب المتنوعة فى مواجهة التطرف عربيًا وعالميًا، وهى خبرات لها خصوصيتها وأسلوبها المختلف، والتى نفتقدها حين نكتفى بالحديث عن التطرف على الصعيد المحلي. وتناولت أنشطة المؤتمر مقاربات إلى قضايا أساسية، بعضها تناولته مؤتمرات سابقة، لكنه يظل بحاجة إلى دراسة ونقاش مثل التعليم، وتكوين الوجدان، والإعلام، وغيرها من المحاور التى تظل حاضرة فى النقاش حول سُبل التغلب على التطرف. وقد دار فى المؤتمر نقاشات عديدة فى الجلسات العامة والورش المتوازية، يصعب استعراضها جميعًا، ولكن يمكن التوقف أمام ثلاثة قضايا أساسية تمثل محاور عمل مهمة.
 
من ناحية أولى هناك ضرورة ملحة لمواجهة خطابات التطرف على الصعيد الالكتروني، وقد قدمت المؤسسات الإسلامية فى السنوات الماضية مثل الأزهر الشريف ودار الإفتاء نماذج مهمة فى التصدى للخطابات المتطرفة على الانترنت، بلغات شتى، ومقاربات بحثية وفقهية مهمة، ولكن يتطلب الأمر توسيع ارجاء التعاون، بما يشمل التشبيك عالميا مع مديرى وسائل التواصل الاجتماعى الكبرى مثل فيسبوك وتويتر وغيرهما بما يحول دون استخدام هذه المنصات فى نشر خطابات التطرف والترويج لها، ومراعاة الفجوة العمرية، حيث ان الشباب هم أكثر الفئات استخدامًا، وتفاعلا على الفضاء الرقمي، مما يستدعى أن تكون الخطابات المقدمة لهم تناسب إدراكهم واهتماماتهم المتغيرة. ونظرا لأن التطرف عالمى عابر للحدود، فإن تنسيق الجهود على المستوى الأممى يستدعى اهتمامًا متزايدًا.
 
من ناحية ثانية يظل التعليم مجالا مؤثرًا فى مواجهة التطرف، ليس فقط لأن التنظيمات المتطرفة تضع اختراق التعليم على رأس أولوياتها، ولكن أيضا لأنه يمثل مجالا لتكوين، وتثقيف النشء والشباب على ثقافة الاعتدال والتسامح. من هنا تأتى أهمية التربية المدنية فى المدارس، والأنشطة الثقافية فى الجامعات، وإصلاح المناهج التعليمية، وتكوين الكادر التعليمى القادر على نشر الثقافة العلمية، وترويج قيم التسامح والتنوع وقبول الاختلاف. فالتعليم المتطور المتسامح يمثل خط المواجهة الرئيسى فى مواجهة التطرف، الذى يراهن دائما على تجفيف منابع التنوع فى المجتمعات، وفرض تصورات للحياة، أحادية وبائسة، بالترهيب والعنف على الناس الذين ينظر إليهم على أنهم حشود متناسخة، لا يوجد بها اختلاف أو تعدد. من ناحية ثالثة تمثل التنمية، بمختلف أبعادها اقتصاديا واجتماعيًا وبشريًا وثقافيًا، أساسًا لتجفيف منابع الفقر والتهميش التى تستغلها التنظيمات المتطرفة فى نشر خطاباتها، والتلاعب بمعاناة الناس، ولاسيما أن التطرف يتفشى بصورة أكبر فى بيئات اجتماعية تعانى من غياب التنمية، وينتشر فيها الجهل وتراجع الوعي. وقد جرى الإشارة إلى تجارب تنموية مهمة مثل مبادرة حياة كريمة التى تأخذ فى اعتبارها مفهوم التنمية بمعناه المستدام والشامل.