فؤاد ابراهيم
المؤتمر السنوى للشباب القبطي الاوروبى فى دير الانبا انطونيوس فى كريفلباخ بالمانيا. فى وسط الشباب يظهر من اليمين الانبا ميشائيل مضيف المؤتمر،ثم الانبا موسى اسقف الشباب، ثم الانبا انجيلوس اسقف لندن، ثم المهندس ابراهيم سمك معضدد المؤتمر.
 
ينقسمأقباط المهجر الألمانى الى نوعين يختلفان تماما عن بعضهما البعضمن حيث ثقافتهما وإحتياجاتهما الرعوية:، وهما:
- الأجيال التى هاجرت ومازالت تهاجر باستمرار الى المانيا بعد أن تخطوا سن العشرين. هذه الأجيال تتسمم بالثقافة المصرية، ولديها الحنين الى الطقوص القبطية والألحان القبطية والعربية، ولذا يطلبون من الكنيسة القبطية ان توفّر لهم نفس التقاليد والجو والرعاية الدينية التى تمتعوا بها ، او كانوا يحلمون بالتمتع بها فى مصر.
 
- الأجيال التى أتت كأطفال الى المانيا او وُلدت فيها وتشبعت بالثقافة الألمانية، ولا تعرف اللغة القبطية ولا اللغة العربية الفصحى اللتان همالغتا الكنيسة القبطية. - بالطبع توجد إستثناءات ولكنها لا تزيد عن 5%، ولذا لا يجب إعتبارها قاعدة. -وينضم الى هذه الأجيال زوجاتهم وأزواجهم الألمان، بالإضافة الى عدد كبير من الألمان المحبون لكنيستنا.
 
بينما ننجح الى حد ما فى العمل الرعوى لخدمة النوع الأول من أقباط المهجر فى المانيا، نجد صعوبات بالغة فى كرازة الجيل الثانى والثالث من أبنائنا واحفادنا الذين تشبّعوا بالثقافة الألمانية. 
 
يعتقد الكثير من من الكهنة والخدام أن أحسن طريقة للحفاظ بالجيل الجديد فى حضن الكنيسة هو تحفيظه اللألحان القبطية.حقا، ربما يقبل الأطفال هذه الطريقة لبضعة سنوات، ولكن بمجرد وصولهم الى مرحلة المراهقة ثم الشباب، والرغبة فى التحرر من الكبار، فإنهم يرفضون الصلاةبكلمات لا يفهموها فهما كاملا.  ويسألونا ما الفائدة فى ذلك، ولماذا لا نرتل ونصلّى باللغة التى نفهمها حتى تخرج الكلمات من قلوبنا، فلا نستطيع ان نرد على هذا السؤال بصورة تقنعهم. فلا نستطيع ان نقول لهم ان الالحان القبطية فقط دون غيرها هى ألحان السماء. ولا نستطيع ان  نقول لهم، بعد ان صاروا ذوى ثقافة المانية، اننا نصلّى باللغة القبطية للحفاظ على التراث والهوية القبطية. فقد يقولون لنا: "واحنا مالنا!" هذا بالإضافة الى انه من الخطأ أن نضحّى بخلاص نفوس الشباب من أجل تراث وهوية، ربما تكونا داعيا للإفتخار فى الدنيا، ولكن لا أهمية لهما فى خلاص نفوسهم وحياتهم الأبدية.  ناهيك عن الأهمية البالغة للغة الألمانية فى الرعاية الروحية لزوجات وازواج الجيلين الثانى والثالث الألمان.
 
 هذا بالإضافة إلى أهمية اللغة فى عملنا الكرازى بين الشعب الألمانى الذى يحب كنيستنا ويتردد عليها. فلا شك إن الرهبان الاقباط الذين بشّروا فى أيرلندا،  وكتيبة القديس موريس التى بشرت فى سويسرا والمانيا، والقديس أثناسيوس الرسولى الذى بشر فى المانيا وايطاليا فى القرن الرابع الميلادى، كل هؤلاء لم يستعملو اللغة القبطية فى التبشير. كل أسلافنا القديسون بشّروا الاوروبيين بلغات تلك الشعوب آنذاك وليس باللغة القبطية. وها نحن الآن فى القرن الواحد والعشرين، بكل التكنولوجيا المتاحة لنا، لا نستطيع، ولا نريد، ان نتعلم لغة الذين نبشرهم باسم ربنا يسوع المسيح!! ونصر على تقديم 90% من قدّاساتنا للشباب باللغة القبطية والعربية الفصحى!
 
وبالإضافة الى مشكلة اللغة فإننا فى مصر لا نجيد التعامل مع الجيل الجديد المستنير الذى وصل الى مرحلة النضوج الفكري، الذى حرر نفسه من وصاية الجيل السابق له، وقرر أن يفكر لنفسه تفكيرا منطقيا مستقلاً.
والاستنارة حسب الفيلسوف إيمانويل كانط (1784) "هى خروج الإنسان من حالة القصور، التى هو نفسه مسؤل عنها. والإنسان القاصر لايملك القدرة على استخدام عقله دون توجيه من شخص آخر." 
„Aufklärung ist der Ausgang des Menschen aus seiner selbst verschuldeten Unmündigkeit. Unmündigkeit ist das Unvermögen, sich seines Verstandes ohne Leitung eines anderen zu bedienen.“ Immanuel Kant, 1784.
 
فبينما نستطيع مثلا أن نقول للجيل الاول: "ده تعليم الكنيسة، وده مخالف لتعليم الكنيسة" فينصاع لنا طواعية، لا تصلح هذه الطريقة مع الأجيال الثانية والثالثة من بناتنا وأبنائنا وأحفادنا المولودين فى المهجر والذين تعلّموا فى مدارس وجامعات تُشجّع على التفكير الحر المُستقل، إذ هم محتاجون الى إقناع بالمنطق ومناقشة كل شئ فى حرية تامة. وإذا منعنا حرية التفكير فى المسائل الدينية نكون بذلك مثل السلفيين فى مصر الذين يعتقدون أنهم وحدهم يملكون التعليم الدينى المسموح به دون غيره.
والدليل على سلامة، بل ضرورة إعمال العقل فى الدين فإن الكلية الاكليريكية القبطية فى كرفلباخ فى المانيا قد وضعت علم الفلسفة فى منهجها الدراسي، وكما نعلم فإن الفلسفة علم البرهان العقلاني.  
 
 قد تبدو هذه المسائل أمامنا عويصة وبلا حل. لكن الحل نجده فعلاً فى المهجر عند بعض آبائنا الأتقياء. وهو يتمثل فى بضعة ممارسات  غير معقّدة:
 
1 -  الصلاة باتضاع وطلب المعونة من الله لعدم كفائتنا لهذه الكرازة
 
2 -  الإشتراك مع الشباب فى ممارسة حياة إجتماعية روحية، لكى نجعلهم بانفسهم يذوقوا وينظروا ما أطيب الرب ، مز8:34 . فإن خبرة الشاب الشخصية  مع الرب أقوى من أى إقناع جدلي.
 والخبرة الشخضية مع الرب تأتى عن طريق تدريبنا على الصلاة، وخاصة الصلاة الشخصية الارتجالية، وكذلك عن طريق الإشتراك بطريقة جماعية فى خدمة الآخرين فى محبة تامة، لأن محبة الله وعبادته تتمثل فى محبة وخدمة الأخرين من بنى البشر دون تمييز. "إذا كنت لا تحب أخاك الذي تراه فكيف تحب الله الذي لا تراه؟" 1يو 4 : 20
ويجب اأن نركّز مع الشباب على العمل الجماعى المشترك حتى تنمو روح المحبة وتزدهر. فنحن كمصريين لم نتعوّد على العمل فى فريق [تيم ورك] 
ونفضّل العملالفردى،ونحب التفوّق  لنا ولأولادنا كأفراد.
هذا السلوك يؤثر سلبيا على أولادنا فى المهجر وتجعلهم فى عزلة عن الآخرين الذين فى مرحلتهم العمرية، فيصبحون أنانيون منطوون على أنفسهم. ولا سيما أن عائلأت المهجر قليلة الأطفال. فينمو الطفل مرتبطا إجتماعيا فقط بوالديه. هذا النوع من الإرتباط لا يكفى لتكوين شخصية سويّة، لإن الوالدين غالبا ما يدللون طفلهم الوحيد، ووهكذا يصبح الطفل إنانبا، ويتعود على المحبة المنفعيّة الضارة بشخصيتة.  بعبارة إخرى يجب علينا أن نخلق مجالا اجتماعيا لأولادنا وبناتنا لكى يتعلموا كيف يتفاعلون و يحبون الاخرين الذين فى عمرهم كخطوة أولى لمحبة الله.
 
والجميل أن أديرتنا فى ألمانيا تفتح ذراعيها لإستضافة مجموعات كبيرة من الشباب التى تاتى لتقضى أياماً سعيدة بها. ويتوفر بها فرص نادرة للشباب ليمارس بها نشاطات دينية وثقافية واجتماعية ورياضية وترفيهية ممتعة. وعندما يتعامل شبابنا إجتماعيا مع بعضهم البعض فى محبة ووئام وتحل عليهم البركة كما يقول الكتاب "هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا مِثْلُ الدُّهْنِ الطَّيِّبِ عَلَى الرَّأْسِ، النَّازِلِ عَلَى اللِّحْيَةِ، لِحْيَةِ هَارُونَ، النَّازِلِ إِلَى طَرَفِ ثِيَابِهِ مِثْلُ نَدَى حَرْمُونَ النَّازِلِ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ. لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ، حَيَاةٍ إِلَى الأَبَدِ." مز 133
فى هذه الأماكن المقدسة تتعمق خبرتهم بالرب يسوع المسيح، فيسهل على الآباء والخدام تكوين صداقة دائمة معهم والتأثير عليهم تاثيرا إيجابيا،ً يغير أفكارهم وسلوكهم وكل نواحى حياتهم فى المستقبل. بعبارة أخرى تقوم أديرتنا بدور كرازى هام للاجيال الصاعدة والألمان دون اللجوء الى الوعظ والتعليم بالطريقة الكلاسيكية، ولكن بممارسة المسيحية المُعاشة. 
 
 3 –  يجب أن ندرّب الجيل الثانى والثالث على حياة الصلاة والتسبيح باللغة الألمانية التى يفهموها  حتى تخرج الصلاة والتسبحة من خلجات قلوبهم واعماق نفوسهم.
 
4 - يجب علينا إحترام طريقة الشباب العقلانية فى التفكير. فالسيد المسيح له المجد  مدح الانسان الذى يفكر جيدا فى التكلفة قبل أن يبدأ فى بناء البيت، ومدح الملك الحكيم الذى يحسب عدد جنوده وجنود عدوه قبل أن يخرج للقتال ضده. وكذلك مدح العذارى الحكيمات ولام العذارى الغبيّات. 
 وأعظم الرسل فى الوعظ والإقناع بالفكر والمنطق السليم هو بولس الرسول الذى لم يرجع الى أقوال الفريسيين الكبارالذى تعلم تحت رجليهم، ولا حتى الى الرسل أنفسهم، بل أسس علم اللاهوت المسيحى بطريقة عقلانية منطقية فريدة، عن طريق شرحه لخلاص البشرية بواسطة الرب يسوع المسيح.  
كذلك كان آباء الكنيسة العظام مثل القديس أثناسيوىس الرسولى والقديس كيرلس عمود الدين والقديس ديسقورس يُحاجون الآخرين بالمنطق والعقلانية التى إشتهرت بها مدرسة الاسكندرية اللاهوتية المتأثرة بالفلسفة الإغريقية العريقة، ولم يلجأوا الى التقليد والسلف كما يحدث الآن فى مناقشاتنا المسكونية العقيمة، الواقفة "ّمحلّك سر" منذ نصف قرن!
 
كل هذه الأمثلة تجعلنا لا نخاف إذا إستخدم الجيل المستنير من بناتنا وأولادنا عقولهم فى فهم المسائل الدينية.  ولكننا كثيرا ما نقول للجيل الصغير أن الإيمان يكون بالقلب لا بالعقل. فلا يفهم الشاب ماذا نقصد بذلك. أضف إلى ذلك أن كثيرا منّا يعتقد أن إعمال العقل فى الدين لابد وأن يؤدّى إلى الإلحاد. هذا خطأ آخر مُشاع.لأنه "إذا سادت اللاعقلانية غاب التنوير، وإذا غاب التنوير غاب التقدم، وإذا غاب التقدم ساد التخلف." شباب.. وشباب آخر (almasryalyoum.com)
 
فإذا تناقشت مع شاب يشك فى وجود الله وفى ان الكتاب المقدس هو كلمة الله، مثل معظم الشباب فى المانيا اليوم، لا يمكن أن تقنعة بآيات من الكتاب المقدس، الذى لا يؤمن بهأساسا. ولذا فانت مضطر الى أن تلجأ الى مرجعية إخرى هو مقتنع بها، وهى العقل والمنطق. ولا بأس ان نلجأ الى تاثيرالمحبة والقدوة الحسنة، كما فعل البابا كيرلس السادس، الذى جذب اليه الكثيرين من أصحاب الاديان والطوائف الأخرى. ويوجد لذلك أمثلة إخرى فى كنيستنا فى عصرنا هذا، مثل نيافة الأنبا ميشائيل وأبونا القمص تادرس يعقوب ملطى، اللذان ملكا على قلوب شباب المهجر من كل المذاهب. فاقنعاالشباب بحلاوةوبساطة المسيحية، وكما قال بولس الرسول: انى اخاف انه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد اذهانكم عن البساطة التى فى المسيح  2كو 3:11. فهذان الأبوان لا يُربكا أذهان شباب المهجر بالخلافات المذهبية المعقدة، ولكن يعطيا كل إهتاماتهمالبشارة الفداء المُفرحة ودعوة الشباب الى البنوة الإلهية وميراث الملكوت. ووسيلتهم فى الاقناع هى فيض غامر من المحبة، وبذل كل ما يملكان من وقت وامكانيات خدميّة بلا حدود. بالطبع هناك آباء آخرون يغدقوننا بمحبتهم وصلواتهم المستجابة. لقد اردنا هنا أن نذكر مثلان فقطلاقناع القارئ الكريم ان الكنيسة "لسّه بخير". ونطلب من الرب إلهنا الاّ يُطفأ فتيلتها المُدخنة طالما وجد بين شعبه حتىخمسين او مجرد عشرة لم يحنوا رُكبهم لغيره. ولربنا المجد الدائم آمين.