في مثل هذا اليوم 20 يونيو1877م..

سامح جميل

ألكسندر غراهام بل (بالإنجليزية: Alexander Graham Bell)‏ (3 مارس 1847- 2 أغسطس 1922)، عالم مشهور ومهندس ومخترع ومبتكر اسكتلندي المولد، ينسب إليه تسجيل أول براءة اختراع هاتف فعال وإنشاء شركة التيليفون والتلغراف الأمريكية.
 
شارك والد وجد وأخ بل جميعهم في العمل في مجال الحديث والفصاحة وكانت والدته وزوجته من الصم، ما أثر على عمل حياته تأثيرا بالغا. وبحثه في السمع والحديث دفعه إلى تجريب أجهزة سمعية، ما أدى إلى حصوله على أول براءة أمريكية عن جهاز الهاتف عام 1876. ولكنه اعتبر الهاتف متدخلا على عمله الحقيقي كعالم ورفض أن يكون له هاتفا في مكتبه.
 
العديد من الاختراعات الأخرى كانت ملحوظة في حياة بل، بما في ذلك عمله الرائد في مجال الاتصالات البصرية والقارب المحلق (الهايدروفويل) وعلم الطيران. وعلى الرغم من أنه لم يكن من مؤسسي جمعية ناشيونال جيوغرافيك، إلا أنه كان ذا تأثير كبير على المجلة، حيث أصبح ثاني رئيس لها حيث خدم في الفترة من 7 يناير 1898 حتى 1903. يوصف بل بأنه أحد أكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخ البشرية.
 
وُلِد ألكسندر بل في إدنبرة، اسكتلندا في 3 مارس 1847. كانت عائلته تقطن في منزل 16 شارع شارلوت الجنوبي، ويوجد على باب المنزل نقشا حجريا في إشارة إلى مسقط رأس ألكسندر غراهام بل. كان لديه شقيقين: «ميلفيل جيمس بل» (1845-1870) و«إدوارد تشارلز بل» (1848-1867). توفي شقيقيه من داء السل. كان والده «ألكسندر ميلفيل بل» أستاذا جامعيا ووالدته تدعى «إليزا جريس». على الرغم من أنه منذ ميلاده كان يدعى «ألكسندر»، إلا أنه في سن العاشرة توسّل إلى والده أن يكون له اسما أوسطا ينادى به على غرار شقيقيه. في عيد ميلاده الحادي عشر، سمح له والده أن يعتمد الاسم الأوسط «غراهام»، الاسم الذي اختاره بسبب إعجابه بغراهام ألكسندر، وهو شخص كندي تعرّف إليه والده وأصبح صديقا للعائلة. كان الأقارب والأصدقاء يلقبونه باسم «أليك» وهو اللقب الذي استمر والده يناديه به إلى وقت لاحق.
 
أول اختراع
عندما كان طفلا صغيرا، أبدى ألكسندر نزعة فضولية لاكتشاف كل شيء يحيط به في العالم الخارجي من حوله، مما أدى إلى جمعه للعينات النباتية وكذلك إجراء التجارب على الرغم من سنه المبكر. كان صديقه الحميم يدعى «بين هيردمان» وهو أحد أبناء أسرة مجاورة لهم تمتلك طاحونة لصنع الدقيق وكانت تلك إحدى المشروعات الرائجة في ذلك الوقت. تساءل بل الصغير عن كيفية عمل الطاحونة. قيل له أن القمح يتم طحنه من خلال عملية شاقة. عندما بلغ بل الثانية عشرة من عمره، صنع آلة باستخدام أدوات منزلية تكونت من مضارب دوّارة ومجموعة من المسامير، وبذلك ابتكر آلة بسيطة لطحن القمح تم تشغيلها واستخدامها لفترة استمرت عدة سنوات. في المقابل منح «جون هيردمان» الفتيان فرصة لإدارة ورشة صغيرة تمكنهم من «الاختراع».
 
منذ سنواته الأولى أبدى بل طبيعة حساسة وموهبة في الفن والشعر والموسيقى بتشجيع من والدته. أتقن العزف على البيانو بلا أي تدريب رسمي وأصبح عازف البيانو للأسرة. على الرغم من طبيعته الهادئة، نجح في التقليد و«الحِيَل الصوتية» المرتبطة بالتكلم البطني حيث كان يقوم بتسلية ضيوف الأسرة خلال زيارتهم في بعض المناسبات. تأثر بل كثيرا بصمم والدته التدريجي (بدأت بفقدان السمع عندما كان عمره 12 سنة)، وتعلم لغة الإشارة حتى يتمكن من مجالستها ومحاكاتها بصمت وكانت المناقشات تدور في منزل الأسرة، كما طوّر تقنية ليتحدث بنبرة واضحة ومباشرة إلى جبهة والدته حتى تتمكن من سماعه بشكل واضح نسبيا. اهتمام بل بصمم والدته أدى به إلى دراسة علم الصوتيات.
 
ارتبطت عائلته لفترة طويلة بتعليم الخطابة وفن الإلقاء: جده «ألكسندر بل» في لندن، وعمه في دبلن، ووالده في إدنبرة، عملوا جميعا في هذا المجال. نشر والده مجموعة متنوعة من الأعمال التي تخص هذا الموضوع وما زال العديد منها معروفا، على الأخص (The Standard Elocutionist) سنة 1860. نُشِر العمل في إدنبرة سنة 1868، وظهر في 168 طبعة بريطانية وتم بيع أكثر من ربع مليون نسخة في الولايات المتحدة وحدها. شرح والده في هذا البحث أساليبه في كيفية توجيه الصم-البكم (كما كان الاصطلاح آنذاك) للتعبير عن الكلمات وقراءة حركات شفاه الآخرين وفك شفرات المعاني. قام الوالد بتعليم بل وإخوته كتابة الحديث المرئي إلى جانب تحديد أي رمز والصوت المصاحب له. برع بل في ذلك لدرجة أنه أصبح جزءا من العروض العامة لوالده وأذهل الجماهير بقدراته. كان بإمكانه فك رموز الخطابات المرئية والقراءة بدقة لمساحات من الكتابة دون أي معرفة مسبقة بكيفية نطقها بكل لغة تقريبا، بما في ذلك اللاتينية والاسكتلندية الغيلية وحتى السنسكريتية.
 
تعليمه
عندما كان طفلا صغيرا، تلقى بل وإخوته تعليمهم المبكر في المنزل على يد والدهم. مع ذلك التحق في سن مبكرة بالمدرسة الثانوية الملكية (The Royal High School) في إدنبرة باسكتلندا وغادرها في سن الخامسة عشر، وبذلك أكمل أول أربعة مراحل فقط. كان سجله المدرسي غير متفوق وتميز بكثرة الغياب والدرجات المتدنية. كان اهتمامه الرئيسي في العلوم وخاصة علم الأحياء، في حين كان يعامل المواد الدراسية الأخرى بلا مبالاة، مما أثار استياء والده المتطلب. عقب تخرجه من المدرسة، سافر بل إلى لندن ليعيش بصحبة جده «ألكسندر بل». خلال السنة التي قضاها مع جده، تولَّد حبه للتعلم وأمضى ساعات طويلة من المناقشة الجدية والدراسة. بذل بل الجَد جهودا كبيرة لتعليم تلميذه الشاب التحدث بوضوح وإقناع، وتلك هي السمات التي احتاجها تلميذه ليصبح هو الآخر معلما. في سن السادسة عشر، حصل بل على منصب «تلميذ-معلم» في الخطابة والموسيقى في أكاديمية ويسترن هاوس (Weston House Academy) في مدينة إلغين بإقليم موراي، اسكتلندا. على الرغم من التحاقه كتلميذ لدراسة اللغتين اللاتينية واليونانية، إلا أنه كان يقوم بالتعليم مقابل وجبات طعام و10 جنيهات إسترلينية عن كل حصة. في العام التالي التحق بجامعة إدنبرة وانضم لأخيه الأكبر ميلفيل الذي كان قد التحق هناك في السنة السابقة. في عام 1868 وبفترة وجيزة تسبق مغادرته إلى كندا مع عائلته، أكمل بل امتحانات نهاية العام وتم قبوله في جامعة لندن.
تجاربه الأولى الخاصة بالصوت
 
قام والد بل بدعم اهتمام ابنه بفن الإلقاء، وفي سنة 1863 اصطحبه والده مع إخوته لمشاهدة آلة ذاتية التشغيل فريدة من نوعها (وهي ما تُعرف اليوم باسم الروبوت) التي طورها السير «تشارلز ويتستون» وهي في الأصل من اختراع البارون «فولفجانج فون كيمبلين». كان «الرجل الآلي» البدائي يقوم بمحاكاة صوت الإنسان. انبهر بل بهذه الآلة واقتنى نسخة من كتاب فون كيمبلين الذي تم نشره في ألمانيا وترجمه بمَشَقّة، فقام هو وشقيقه الأكبر «ميلفيل» بتصميم رأس رجل آلي خاصا بهما. أبدى والدهما اهتمامه الشديد بهذا المشروع واستعداده لتحمل مصاريف أي مواد لازمة، وعلى سبيل التشجيع عرض عليهما «جائزة كبرى» إذا حققا نجاحا في ذلك. في حين صمّم شقيقه الحلق والحنجرة، تولى بل مسؤولية أداء مهام أصعب من ذلك بكثير ألا وهي إعادة تصميم جمجمة حقيقية للرجل الآلي. أسفرت جهودهما عن تصميم رأسا يشبه الرأس الحقيقة بشكل مذهل وكان بإمكانه «التحدث»، ولو لبضع كلمات فقط. كانا يقومان بتعديل «شفاه» الرجل الآلي بعناية وعند دفع المنفاخ للهواء من خلال القصبة الهوائية كان بالإمكان تمييز نطق لكلمة «ماما» بوضوح، الأمر الذي أذهل الجيران عندما جاءوا لرؤية اختراع بل.
 
انبهر بل بالنتائج التي توصل إليها إثر تصميمه لهذا الرجل الآلي، لذا واصل إجراء التجارب على أحد الكائنات الحية وهو كلب العائلة من سلالة (Skye Terrier) وكان يُدعى «تروفي». قام بل بتدريب الكلب على أن يتذمر باستمرار، وكان يمد يده في فم الكلب ويتلاعب بشفاه الكلب وأحباله الصوتية لإنتاج أصوات بسيطة (Ow ah oo ga ma ma) أي «آو آه أوو جا ما ما». مع قليل من الإقناع، اعتقد الزائرون أن هذا الكلب يمكنه أن يتلفظ بعبارة (How are you grandma) أي «كيف حالك يا جدتي؟». للدلالة على طبيعته المرحة، أقنعت اخترعاته المشاهدين أنهم رؤوا «كلب يتكلم». أسفرت هذه التجارب الأولية على الصوت عن قيام بل بأول عمل جدي على انتقال الصوت، وذلك باستخدام الشوكة الرنانة لاكتشاف الرنين.
أعد بل تقريرا عن عمله عندما كان عمره تسعة عشر عاما وأرسله إلى عالِم لغة يُدعى «ألكسندر جون إليس»، وهو زميل والده (تم تجسيده لاحقا في شخصية البروفيسور «هنري هيجنز» في مسرحية بجماليون). رد إليس على بل فورا مشيرا إلى أن هذه التجارب مماثلة لعمل قائم في ألمانيا في ذلك الوقت، كما قدم لبيل نسخة من عمل هرمان فون هلمهولتز بعنوان (The Sensations of Tone as a Physiological Basis for the Theory of Music) أي الإحساس بالأنغام كأساس فسيولوجي لنظرية الموسيقى.
 
بحلول عام 1874، دخل عمل بل المبدئي على التلغراف الموسيقي في مرحلة التشكيل والتقدم مما أدى إلى تحقيقه نجاحا كبيرا من خلال عمله في مختبره الجديد في بوسطن (مكان مستأجر) وكذلك في منزل أسرته بكندا. على الرغم من عمل بل في ذلك الصيف بمدينة برانتفورد، إلا أنه أجرى تجاربه على الفونوتوغراف (phonautograph) وهو جهاز يشبه القلم يستطيع رسم أشكال الموجات الصوتية على زجاج مدخن عن طريق تتبع اهتزازاتها. فكّر بل أنه ربما يكون من الممكن توليد تيارات كهربائية موجية مترددة تتوافق مع الموجات الصوتية. كما اعتقد بأن القصبة المعدنية المتعددة التي تم ضبطها لترددات مختلفة مثل القيثارة ستكون قادرة على تحويل التيارات المتموجة إلى صوت مرة أخرى. لكنه لم يمتلك نموذج عمل ليعرض جدوى هذه الأفكار.
 
اتسعت حركة الرسائل التلغرافية بشكل سريع في عام 1874، وكما ورد على لسان رئيس شركة ويسترن يونيون «ويليام أورتون» أن ذلك أصبح يُعَد بمثابة «الجهاز العصبي للتجارة». تعاقد أورتون مع المخترعين توماس إديسون وإليشا غراي لإيجاد طريقة لإرسال رسائل متعددة من خلال التلغراف عبر كل خط من خطوط التلغراف لتجنب التكلفة العالية التي يتم إنفاقها على إنشاء خطوط جديدة. عندما أشار بل إلى جاردينر هوبارد وتوماس ساندرز بأنه يعمل على طريقة لإرسال نغمات صوت متعددة عبر سلك التلغراف مستخدما أداة متعددة القصبات، بدأ هذان الرجلان الثريان بتقديم الدعم المالي لتجارب بل. تعهد محامي هوبارد «أنتوني بولوك» بالأمور التي تتعلق ببراءة الاختراع.
 
في مارس 1875 قام بل وبولوك بزيارة عالم الفيزياء المشهور جوزيف هنري الذي كان في ذلك الوقت مديرا لمؤسسة سميثسونيان، وطلبا منه إسداء النصيحة حول الجهاز الكهربائي متعدد القصبات الذي كان يأمل بل في أنه قد ينقل صوت البشر عبر التلغراف. جاء رد هنري بأن بل يمتلك «بذرة اختراع عظيم». عندما أخبره بل بعدم امتلاكه المعرفة الكافية التي تمكنه من مواصلة تجاربه، رد عليه هنري قائلا: «احصل عليها!». كان ذلك الرد تشجيعا كبيرا لبيل للاستمرار في المحاولة، على الرغم من أنه لم يكن لديه المعدات اللازمة لمواصلة تجاربه، ولا القدرة على خلق نموذج عمل لأفكاره. مع ذلك سنحت فرصة لبيل غيرت كل ذلك وهي مقابلته لـ«توماس واتسون»، وهو مصمم كهربائي وميكانيكي من ذوي الخبرة في متجر تشارلز ويليامز للآلات الكهربائية.
 
من خلال الدعم المالي من قبل ساندرز وهوبارد، قام بل بتعيين توماس واتسون مساعدا له، وبدأ الاثنان بإجراء التجارب حول إمكانية إرسال الرسائل عبر التلغراف الصوتي. في 2 يونيو 1875، استطاع واتسون عن طريق الخطأ أن يلتقط إحدى القصبات وأمسك بل بنهاية طرف السلك المستقبل واستطاع سماع النغمات التوافقية للقصبة التي من المحتمل أن تكون ضرورية لنقل الكلام. استنتج بل من ذلك أن قصبة واحدة أو عمود واحد فقط يُعَد ضروريا وليس العديد من القصبات. أدى ذلك إلى الاعتقاد بأن هاتفا يعمل بالصوت على شكل عمود قائم تتوسطه قطعة متعارضة بإمكانه نقل صوت يشبه الرنين ولكن ليس كلاما واضحا.
 
السباق إلى مكتب براءات الاختراع
كان يُعتقد أنه هو من اخترع الهاتف إلى أن اعترف مجلس الكونغرس الأمريكي رسمياً في عام 2002 أن المخترع الإيطالي أنطونيو ميوتشي هو المخترع الحقيقي للهاتف وذلك بعد مرور 113 عاماً على وفاته أي منذ عام 1889. فقد اعترف مجلس النواب الأمريكي رسمياً في سنة 2002 بتاريخ 11 يونيو بأن ميوتشي أول مخترع لفكرة الهاتف في قرار المجلس رقم 269. وهذا يعني أن ألكسندر غراهام بل فقط قام باختراع الهاتف بناءً على فكرة اختراع وجدها في نموذج من نماذج اختراعات أنطونيو ميوتشي.
في عام 1875، قام بل بتطوير جهاز التلغراف الصوتي وأعد طلبا للحصول على براءة اختراعه. اتفق على تقاسم الأرباح من الولايات المتحدة مع المستثمرين جاردينر هوبارد وتوماس ساندرز، كما طلب بل من أحد أصدقائه وهو السياسي الكندي «جورج براون» محاولة تسجيل براءة الاختراع في بريطانيا، فأصدر تعليمات لمحاميه بتقديم طلب للحصول على براءة الاختراع في الولايات المتحدة بعد أن يتلقى كلمة من بريطانيا. (كانت بريطانيا تمنح براءات الاختراع للاكتشافات التي لم يسبق تسجيلها ضمن براءات الاختراع في أي دولة أخرى).
 
في غضون ذلك، كان إليشا غراي أيضا يجري تجاربه على إرسال الرسائل عبر التلغراف الصوتي وفكر في طريقة لنقل الكلام باستخدام جهاز إرسال مائي. في 14 فبراير 1876 قدم غراي طلب إنذار لتصميم هاتف يعمل باستخدام جهاز إرسال مائي لدى مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة. وفي صباح اليوم نفسه، قدم محامي بل طلبا باسم بل إلى مكتب براءات الاختراع. أُثير جدلا واسعا حول من وصل أولا، وفي وقت لاحق اعترض غراي على أولوية براءة اختراع بل. كان بل في بوسطن بتاريخ 14 فبراير 1876 ولم يصل إلى واشنطن حتى 26 فبراير.
 
سُجِّلت براءة اختراع بل برقم 174,465 ومُنِحت له يوم 7 مارس 1876 من قبل مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة. كانت براءة اختراع بل تتعلق بـ«طريقة وجهاز لنقل الصوت أو غيره من النغمات تلغرافيا... من خلال التسبب بتموجات كهربائية تشبه في شكلها ذبذبات الهواء المرافقة للصوت أو غيره من النغمات.» عاد بل إلى بوسطن في نفس اليوم واستأنف عمله في اليوم التالي ورسم شكلا توضيحيا في مدونة مذكراته يماثل الرسم الذي جاء في طلب إنذار غراي لبراءة الاختراع.
 
في 10 مارس 1876 أي بعد ثلاثة أيام من إصدار براءة اختراعه، نجح بل في تشغيل هاتفه باستخدام جهاز إرسال سائل مشابه لتصميم غراي. تسبب الاهتزاز في طبلة الهاتف باهتزاز إبرة في المياه مما أدى إلى اختلاف المقاومة الكهربائية في الدائرة. عندها ذكر بل جملته الشهيرة «السيد واتسون - تعال إلى هنا - أريد أن أراك» في جهاز الإرسال السائل، واتسون الذي كان في نهاية الخط في غرفة مجاورة استمع إلى الكلمات بوضوح.
على الرغم من أن بل كان وما زال مُتهَما بسرقة الهاتف من غراي، إلا أن بل استخدم تصميم الإرسال المائي الخاص بغراي بعد أن مُنِح بل براءة الاختراع باعتباره فقط دليلا على مفهوم التجربة العلمية ليثبت رضاه الشخصي عن مفهوم أن «التعبير الكلامي» (كلمات بل) يمكن أن ينتقل كهربائيا. بعد مارس 1876 ركز بل على تحسين الهاتف الكهرومغناطيسي ولم يستخدم أبدا جهاز الإرسال المائي الخاص بغراي في العروض العامة أو الاستخدام التجاري.
 
أُثيرت مسألة الأولوية بالنسبة لميزة المقاومة المتغيرة في الهاتف من قبل الفاحص قبل موافقته على طلب بل لبراءة الاختراع. وقال لبيل أن ادعائه لميزة المقاومة المتغيرة تم وصفها أيضا في طلب إنذار غراي لبراءة الاختراع. أشار بل إلى أن جهاز المقاومة المتغيرة في تطبيقه السابق عبارة عن كوب من الزئبق، وليس الماء. وكان بل قد قدم طلبا عن الزئبق لدى مكتب براءات الاختراع في العام السابق في 25 فبراير 1875، أي قبل وصف الجهاز المائي لإليشا غراي بوقت طويل. بالإضافة إلى ذلك، أهمل غراي طلب الإنذار الخاص به، ولأن غراي لم يعترض على أولوية بل، وافق الفاحص على براءة اختراع بل في 3 مارس 1876. قام غراي بإعادة اختراع هاتف ذو مقاومة متغيرة، ولكن بل كان أول من كتب الفكرة وأول من اختبرها على الهاتف.
كما أدلى فاحص براءات الاختراع «زيناس فيسك ويلبر» لاحقا بشهادة رسمية كتابية أقر فيها مع حلف اليمين بأنه كان مدمنا للكحوليات وكان مدينا لمحامي بل «مارسيلو بيلي» الذي خدم معه أثناء الحرب الأهلية. وادعى أنه أطلع بيلي على طلب إنذار غراي لبراءة الاختراع. كما صرّح ويلبر (بعد وصول بل إلى واشنطن العاصمة من بوسطن) أنه عرض طلب إنذار غراي إلى بل فدفع له بل 100 دولار أمريكي. قال بل بأنهما تطرقا لمناقشة براءة الاختراع من منظورها الشامل فحسب على الرغم من أن بل أقر في أحد الخطابات التي أرسلها إلى غراي بأنه استفاد من بعض التفاصيل الفنية. وقد نفى بل في شهادة مع حلف اليمين أنه أعطى ويلبر أي أموال.
تطورات لاحقة
 
واصل بل إجراء تجاربه في برانتفورد وقام بإحضار نموذج عملي لهاتفه. في 3 أغسطس 1876 قام بل بإرسال برقية مؤقتة تبين استعداده من مكتب التلغراف في مدينة برانت، أونتاريو التي تبعد خمسة أميال (8 كم) عن برانتفورد. تجمع المشاهدون الفضوليون داخل المكتب كشهود، وقد سمعوا أصواتا خافتة في الرد. في الليلة التالية أدهش بل الضيوف فضلا عن عائلته عندما تلقى رسالة من منزله في برانتفورد الذي يبعد أربعة أميال (6 كم) عبر الأسلاك المعلقة على طول خطوط وأسوار التلغراف والموضوعة خلال نفق. هذه المرة سمع الضيوف في المنزل بوضوح قراءة وغناء أشخاص في برانتفورد. أثبتت تلك التجارب إمكانية عمل الهاتف بوضوح عبر المسافات البعيدة.
 
عرض بل وشريكيه هوبارد وساندرز بيع براءة الاختراع مباشرة إلى شركة ويسترن يونيون مقابل 100,000 دولار أمريكي. ولكن رئيس شركة ويسترن يونيون رفض ذلك قائلا أن الهاتف لا يُعَد شيئا سوى دمية. بعد ذلك بسنتين، أخبر زملاءه أنه إذا استطاع الحصول على براءة الاختراع بمبلغ 25 مليون دولار أمريكي ستعتبر حينئذٍ صفقة. بعد ذلك لم تعد شركة بل ترغب ببيع براءة الاختراع.
 
بدأ بل سلسلة من العروض العامة والمحاضرات ليقدم اختراعه الجديد للمجتمع العلمي وللجماهير من عامة الناس. بعد مرور يوم واحد فقط على محاضرته الأولى عن النموذج الأصلي للهاتف في المعرض الدولي المئوي (Centennial Exposition) الذي أقيم بفيلادلفيا عام 1876، تصدر اختراع الهاتف العناوين الرئيسية في الصحف حول العالم. قام أشخاص ذوي نفوذ بزيارة المعرض منهم إمبراطور البرازيل بيدرو الثاني، وفي وقت لاحق أُتيحت لبيل الفرصة لاستعراض اختراعه شخصيا أمام ويليام تومسون، وهو عالم اسكتلندي مشهور. كما أن الملكة فيكتوريا كانت قد طلبت عقد لقاء خاصا في أوسبورن هاوس (Osborne House) وهو منزلها بجزيرة وايت. وصفت الملكة الاستعراض بأنه «الأكثر استثنائية». كان لهذا الحماس والإعجاب الشديد الذي أحاط العروض العامة التي قدمها بل تأثيرا كبيرا من حيث القبول الدولي لجهازه الذي أحدث ثورة.
 
تم إنشاء شركة بل للهواتف سنة 1877، وبحلول عام 1886، أكثر من 150,000 شخص في الولايات المتحدة امتلكوا الهواتف. أضاف مهندسي الشركة العديد من التحسينات الأخرى على الهاتف، والذي تم اعتباره أحد أنجح المنتجات على الإطلاق. في 1879، قامت شركة بل بشراء براءات اختراع إديسون الخاصة بالميكروفون الكربوني من شركة ويسترن يونيون. بعد ذلك أصبح الهاتف عمليا أكثر للمسافات الطويلة ولم يعد من الضروري أن يقوم الشخص بالصياح في جهاز الإرسال حتى يتمكن الشخص الآخر من سماعه في جهاز الاستقبال.
 
في 25 يناير 1915، أجرى بل أول مكالمة هاتفية عبر القارة. حيث اتصل بل من مكتب شركة إيه تي آند تي (AT&T) في 15 شارع داي ستريت بمدينة نيويورك، وسمعه توماس واتسون في 333 شارع جرانت أفينيو بسان فرانسيسكو. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز:
 
«في 9 أكتوبر 1876، تحدث ألكسندر غراهام بل إلى توماس إيه واتسون هاتفيا عبر سلك امتد مسافة ثلاثة كيلومترات بين كامبردج وبوسطن. كانت تلك المكالمة السلكية الأولى على الإطلاق. وظُهر أمس (25 يناير 1915)، تحدث نفس الرجلين مع بعضها البعض هاتفيا عبر سلك امتد مسافة 3,400 كيلومتر بين نيويورك وسان فرانسيسكو. وكان الدكتور بل، مخترع الهاتف المخضرم في نيويورك، في حين كان السيد واتسون، شريكه السابق على الجانب الآخر من القارة. سمع الاثنان بعضهما البعض أكثر وضوحا مما كان عليه حديثهما لأول مرة قبل ثمانية وثلاثين عاما مضت.»
 
توفي بل من مضاعفات لمرض السكري بتاريخ 2 أغسطس 1922 في عقاره الخاص في بيين بريج، نوفا سكوشا، في سن الـ75. كان بل يعاني أيضا من فقر الدم الوبيل. في لحظاته الأخيرة بعد صراعه الطويل مع المرض، همست مابيل لزوجها قائلة: «لا تتركني.» فرد عليها بل بإشارة «لا.» ثم توفي.!!