ماجد سوس
الحديث عن ملف الأحوال الشخصية في كنيستنا القبطية قد يبدو شائكاً، صعب الاقتراب منه، ربما يعود هذا لعدة أسباب من بينها إما الخوف من كسر وصية المسيح الذي حصرها البعض في سبب وحيد للطلاق، وإما خوفا من ازدياد حالات الطلاق التي قد تؤدي في نظر البعض إلى تفكيك الأسرة المسيحية وتمزيق جسد المسيح.
 
منذ أن اختار روح الله القدوس قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني بطريركا على الكرسي المرقسي السكندري، وضع أمام نصب عينيه البحث عن حل لحالات التمزق الأسري التي فاق عددها عشرات الآلاف وأكثر. الأب الذي وجد الكثير من أولاده وبناته وهم في مقتبل العمر في انهيار نفسي أدى ببعضهم إلى ترك الطائفة،وحين سد هذا الطريق أمامهم، ترك بعضهم المسيح للتخلص من الرباط الأسري المفكك.
ازداد الأمر سوءاً مع قصة سيدة المنيا الشهيرة التي كان زوجها يضربهاويهينها ويقسو عليها وحين كانت تشتكي إلى الكنيسة كان الأب الكاهن يطلب منها أن تحتمل وتعتبره صليبها حتى اعتدى عليها يوما بقسوة فقتلته ثم بعد عدة شهور حكم عليها بالإعدام وقد نفذ الحكم.
 
قداسة البابا الذي بدأ من يومه الأول الاهتمام الشديد بهذا الملف وبعد أن كان المجلس الإكليريكي يرأسه شخص واحد فقط من الآباء الأساقفة، قام بتقسيم المجلس لأول مرة في تاريخ الكنيسة إلى ستة مناطق إقليمية وجعل مدة رئاسة الأساقفة فيها ثلاثة سنوات فقط وأضاف إلى كل مجلس محامياً وطبيبة يتم أيضا تغيرهم كل ثلاثة سنوات ليضمن الشفافية والعدالة والتنوع والاستفادة من خبرات الآباء والمحامين والأطباء لخدمة أبناء الكنيسة.
 
الزواج يا آبائي وإخوتي هو عقد قران وأي عقد في هذه الدنيا يُبني على واجبات والتزامات ومن يكسر بنود العقد يخضع لقانون العقد وقد يبطل العقد في هذه الحالة وهناك بطلان مطلق وبطلان نسبي. البطلان المطلق هو أي شرط مبني على مخالفة النظام العام والآداب كأن يتزوج الشخص بمحارمه مثلاً أو البطلان النسبي في حالات الغش والتدليس والخيانة وتغيير الديانة.
 
في البداية نود أن نؤكد على أن الله وكنيسته لا يشجعون إطلاقاً على الطلاق ولا الانفصال ولا يحبونه ولا يشجعون عليه فالأصل الذي تعمل عليه الكنيسة هو تشجيع أولادها على التأني في الاختيار والتمسك بتعاليم المسيح،وعمل أقصى الجهد لصون الحياة الزوجية،ومحاولة الصلح بين الطرفين، ولكن ماذا لو؟
 
ماذا لو لم كسر أحد الطرفين بنود عهد الزواج.على الفور ستجد إجابة فورية متسرعة، لن نكسر وصية المسيح حتى نريح الناس، المسيح قال أن الطلاق لعلة الزنا فقط.هل هذا صحيح.
 
بالطبع لن نكسر وصية المسيح ولكن دعونا نتعرف على ما قاله الرب يسوع، فكلمة “طلاق” هىفى اليونانيةἀποστάσιον.وهي لم ترد فى العهد الجديد كله إلا ثلاث مرات:فى متى 5: 31 «وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقوفى متى 19 : 7 7قَالُوا لَهُ: " فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟ "وفى مرقس 10 : 4 4فَقَالُوا: "مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ."أما في ردود المسيح على أسئلة محاوريه كما فى متى 19 ومرقس 10 كان يناقش الهجر أو الرفض ولم يستخدم كلمة طلاق بل استخدم كلمة  ἀπολύωνومعناها الدقيق هو الهجر وقد جاءت هذه الكلمة فى العهد الجديد 68 مره ويكون كلام المسيح هنا هو كل من هجر امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني والسبب أنه يهجرها دون أن يعطيها كتاب طلاق.ولكن، حتى لو تمسكنا بأن قصد الرب، كما في ترجمة الكتاب الذي في يدينا، هو الطلاق في حالة الزنا. فماذا لو؟
 
ماذا لو ترك أحدهم المسيحية، هنا على الفور ستتحرر من التمسك بفكرة السبب الواحد وهو الزنا وتقول بالطبع يتم التطليق فوراً،واتفق معاك تماماً، أن هذا يعتبر كسراً صارخاً لشرط العقد وهو اتفاق الديانة. لكن ماذا لو. 
 
ماذا لو اعتدى الزوج على زوجته بالضرب والسباب باستمرار، أفليس هذا هو كسر لعقد الزواج المبني على آيات الكتاب: أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها".(أف 5 : 25 ) "أيها الرجال، أحبوا نساءكم، ولا تكونوا قساة عليهن"(كو 3 : 19)."كذلكم أيها الرجال، كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف، معطين إياهن كرامة، كالوارثات أيضا معكم نعمة الحياة، لكيلا تعاق صلواتكم". (١بط3:7) إذافحب الرجل لزوجته عهد مقدس تعهد به الزوج أمام مذبح الرب. وماذا لو.
 
ماذا لولم تخضع الزوجة لزوجها وبدأت تخرج وتسهر وتسافر دون إذنه وتحقر من شأنه ولا تحترمه وأصبح هناك استحالة للعشرة أفليس هذا هو كسر لبنود العقد والعهد وآيات الكتاب أيضاً:"أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد،ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح، كذلك النساء لرجالهن في كل شيء".(أفس 5 : 2 – 24 ( . ماذا لو.
 
ومن يتمسك بوصية واحدة فقط لماذا لم ير وصية المسيح للكنيسة أن "كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء." (مت 18: 18). فهل تترك الكنيسة أولادها في مرار وعذاب دون أن تلتفت لتنهداتهم. هل هذا هو نهج ربنا يسوع الذي رسمه واضحا جليا في كلماته الذهبية: "«السبت إنما جعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت." (مر 2: 27). ورفقه بالحيوان: «من منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالا في يوم السبت؟»" (لو 14: 5). ألا يترفق بالإنسان.
 
لضيق المساحة أختم كلماتي للمتخوفين من فتح باب الطلاق على مصراعيه إن الكنيسة الواعية المستنيرة المقادة بروح الله شكلت مجالس إكليريكية، كما أسلفنا، ستبحث كل حالة بتأني حتى تتأكد أن أسباب كسر العقد أسبابا حقيقية تستوجب الطلاق أو تستوجب الزواج مرة الأخرى فالكنيسة بعد إقرار القانون من الدولة تصير جهة تزويج لا تطليق.