د. محمد طه
عقلنا الباطن فيه سبع طبقات من المحتويات (على الأقل).. تخيلهم كأنهم سبع أدراج مقفولين..

الطبقة الأولى (الدرج الأول من فوق) فيه بعض ذكريات طفولتك.. ورغباتك الدفينة.. دوافعك وصراعاتك اللى ماتقدرش تتحمل رؤيتها ووجودها فى مستوى وعيك الظاهر.. الطبقة دى اللى اتكلم عنها سيجموند فرويد وسماها العقل الباطن الفردى Individual Unconscious

الطبقة التانية (الدرج اللى تحته على طول) فيه بعض الذكريات المشتركة بينك وبين عيلتك.. مواقف صعبة عديتوا بيها مع بعض.. أحداث مؤلمة واجهتوها سوا.. ظروف فاصلة مر بيها البيت وتركت أثر قاسى ماينفعش يفضل حاضر فى وعيك طول الوقت، فقرر عقلك يخبيه فى الدرج ده ويقفل عليه.. الطبقة دى اسمها Co-unconscious.. ووصفها باستفاضة جاكوب مورينو اللى اخترع العلاج النفسي بالسيكودراما..

الطبقة دى فيها كمان ذكريات ومحتويات مشتركة مع ناس تانية.. بعض أصحابك.. دفعتك فى الكلية.. أى حاجة مهمة وعميقة حصلت على مستوى (مجموعة) ناس (مع بعض).. بتتخزن فى الدرج ده.. عند كل واحد فيهم..

طبعاً تشبيه الادراج ده تشبيه مبسط جداً.. لأنه فى الحقيقة الأدراج دى متوصلة ببعض بشكل ما.. وفى بعض الطبقات زى الco-unconscious واللى بعده، هى متوصلة بادراج ناس تانى غيرك كمان.. وكل درج أوسع من اللى قبله شوية، لأنه بيشترك فيه عدد أكبر من الناس معاك..

المهم..
الطبقة التالتة بقى اسمها الSocial Unconscious- العقل الباطن المجتمعى.. واللى كان اول واحد اتكلم عنه عالم النفس البريطانى من أصل ألمانى Foulkes.. وتم دراسته وتطويره كتير بعد كده..

محتويات الطبقة دى هى كل الذكريات المؤثرة والفارقة اللى مر بيها مجتمعك اللى انت عايش فيه واللى انت جزء منه، واللى هو بالتالى جزء منك.. حروب، ثورات، زلالزل، انتصارات، وهكذا.. فيه كمان فى الطبقة دى الوسائل والميكانزيمات الدفاعية اللى بيستخدمها عادة أبناء (أو بالأحرى معظم أبناء) هذا المجتمع.. فيه مجتمعات بتستخدم الاسقاط أكتر.. فيه مجتمعات تستخدم الانكار أكتر.. تجنيب المشاعر أكتر.. وهكذا..

الطبقة دى فيها كمان حاجة مهمة جدا..
فيها الرسايل اللى وصلت وبتوصل من المجتمع لأفراده، ويصدقوها، وتتزرع فيهم، وتصبح جزء من وعيهم.. تتحكم فى سلوكهم، وتصرفاتهم، وأفعالهم، وردود أفعالهم، وطريقة فهمهم، وحتى طريقة استقبالهم وتفسيرهم للأمور..

الرسايل دى بتوصل بطرق عديدة جداً.. وكتير منها متوارث من جيل لجيل..

بتوصل من خلال التربية.. المدرسة.. الشارع.. الأمثال الشعبية.. النكت.. الأغانى.. الدراما.. الخطاب الدينى فى المسجد والكنيسة.. وهكذا..
كلنا وصلنا وصلنا رسايل نفسية مجتمعية عميقة عن معنى الحب.. عن معنى الشجاعة.. عن معنى التضحية.. وعن معنى الرجل والرجولة.. ومعنى المرأة والأنوثة.. عن أدوارهم.. عن حقوقهم.. عن المقبول وغير المقبول من وبخصوص كل حد فيهم..

باختصار شديد.. وعلشان ماطولش.. وعلشان نربط القصة دى بالحادث البشع الأخير..

مهم جداً جداً دلوقت.. ف هذا التوقيت الفارق.. اننا نسأل نفسنا.. ونشوف.. ونختبر.. ونحلل: يا ترى إيه الرسائل النفسية العميقة المتجذرة فى عقلنا الباطن جميعاً.. بخصوص (الأنثى)..

أنا كتبت كتير ومش هاعيد وأزيد اللى كتبته.. لكنى هادعوكم انتم انكم تفتشوا داخلكم.. وتسألوا نفسكم هذا السؤال.. وتفتحوا هذا الدرج الكبير المغلق، وتشوفوا بعنيكم اللى فيه.. وأعدكم اننكم هاتتسمروا أماكنكم من الذهول من فرط ما سترونه..

يالا اتفضلوا اكتبوا وجاوبوا على السؤال ده:
إيه الرسائل النفسية العميقة اللى وصلتنا وبتوصلنا من مجتمعنا بخصوص (الأنثى)؟
وبعدين نتكلم عن باقى الطبقات.. وباقى الأدراج..