ماجد سوس
هل تتذكرون هذا الشعار الذي عاشه المصريون إبان القضاء على جماعة الإخوان الإرهابية حين كان يتردد بقوة مع كل عمل إرهابي يقومون به، إنه الشعار الظلامي القائل " يا نحكمكم يا نقتلكم "، شعارٌ دمويٌ يحمل لا مجرد رفضاً للآخر فحسب، بل كرهاً إلى حد التكفير والقتل أيضاً. 
 
هذا المبدأ الشيطاني بدأ يتسرب إلى داخل المجتمع ويستقر في نفوس الضعفاء حتى بات المجتمع المسالم الحاني مجتمعا دموياً قتّالا، لا يقبل الآخر ولا يحترم الكبير ولا يراعى حرمة الغير وكأنها غابة البقاء فيها لمن يملك أظافر وأنياب. 
 
التحرش، التنمر، التبجح، التهكم، العنصرية، جرح المشاعر وقساوة القلب، كلمات لم تعد استثنائية كما كانت من قبل، بل أصبحت، بكل أسف، تعبر عن "حياة مجتمع"، معاملات يومية، باتت تميز الشارع المصري.
 
أتصدقني إن قلت لك أن قلمي تحجر وأنا أكتب كلمة "حياة مجتمع" والحقيقة أنه موت وفناء مجتمع، في أرضٍ علّمت يوماً الدنيا الحضارة وكيف تكون الحياة. 
 
 في الوقت الذي فيه مجتمع متشدد كالسعودية يتجه نحو تخفيف القيود، مجتمعنا يتجه مهرولا نحو التحجر والتشدد والعنصرية المقيتة المؤدية إلى الهاوية، أفضل من فينا لا يقبل الحوار وأسوأ من فينا يحلل دمائنا وقد يهرقها مادام يختلف معنا. 
 
بدءاً من كراهة الآخر والتشهير به وتكفيره، وهرطقته، نهاية إلى الانقضاض عليه معنوياً أو بدنياً كما رأت أعيننا ما كان يوماً كابوساً أو مشاهد في فيلم بعيد عن الواقع. بات سرطان البغضة والتعالي متغلغلاً في كل أنحاء جسم المجتمع المصري ينهش في خلاياه، يكاد أن يفتك به ولا يفرق بين جماعة دينية أم دنيوية، الجميع زاغوا وفسدوا. 
 
 انظروا لتلك النماذج التي عاصرناها في الآونة الأخيرة. ها هوذا راهبٌ قبطيٌ يقتِلً أسقفه ورئيس ديره في قدسٍ للرب، وفي إحدى قلاع الحب، وذاك متطرفٌ يذبح كاهناً قبطياً لأنه يختلف معه في المعتقد، وتلك فتاة تُذبح في وضح النهار من ذابح لا يقبل أن تتزوج من غيره، وشاب صغير يقتل زميله من أجل حب فتاة، وذلك قاضي يحكم على زوجة أن تعيش مجبرة ذليلة مع رجل ترك دينها، لأنه يرى في معتقده الأفضل، وهذا رجلٌ مسلمٌ يكفِّر من لا يعتنق آراءه وفتواه، لأنه يرى نفسه فوق العلماءِ، ورجلٌ مسيحيٌ يُهرطق من لا يتبع أفكاره ظاناً أنه المنوط به حماية الإيمان. 
 
 أحبائي، صرنا أبرارا في أعيننا، أشراراً في عيني الله. صارت وسائل التواصل الاجتماعي وسائل للتناحر الاجتماعي، اختفى الله من المشهد وظهرت تجارة الإيمان وهي تجارة رائجة. يكفي أن تضع أمام أسمك أو بعده أنك حامي للإيمان او مدافعا عنه،
يكفي أن تملأ الدنيا صياحاً وضجيجاً وترسل بياناتك تصريحاتك في كل مكان ويبدأ تابعوك إطلاق أسماء الحيوانات المفترسة عليك فأنت الأسد والنمر والنسر أو يلقبوك بأسماء رجال المجامع الأوائل فأنت أثناسيوس وكيرلس وديسقورس، وبالطبع أنت العالم والعلامة والمؤرخ، أنت ذهبي الفم ولسان العتر. 
 
صار الحديث عن مسيح الحب والاتضاع أمر نادراً، صار ضد الإيمان. صار مجرد أن تحلم بالوحدة المسيحية، مشتهى المسيح، فأنت بائعٌ للإيمان. صارت المطالبة بإعادة ترتيب البيت من الداخل أو تنظيم بعض الممارسات الروحية والطقسية أمراً ضد التسليم الآبائي. 
 
تخوين الآخر وإظهاره أقل فهما وعلماً ولاهوتاً أصبح أمرا معتاداً أن تراه كل يوم في الصحف والبرامج ووسائل التواصل الاجتماعي. أصدقاء عُمر يلغون صداقات بعضهم البعض لمجرد اختلافهم في بعض الأمور الفكرية. 
 
إلى أين المسير والمصير يا مصرنا الحبيبة لقد خلصنا الله من الإخوان ولفظناهم خارجنا لكنّا أبقينا مبدأهم الكريه: يا نحكمكم يا نقتلكم ونحن بكل أسف، بلعنا الطُعم وصرنا نحذو حذوهم وصرنا نمزق الوطن دون أن ندري أن الحب هو الطريق الوحيد لبناء مجتمع قوي في الأرض وهو مفتاح السماء، شاء من شاء وأبى من أبى.