حمدي رزق
دعك من هذا الجو الإلكترونى المسموم. طَلّة «آمال ماهر» فى «العلمين» تبشر بنقلة نوعية فى مسيرتها الغنائية، شدَت فأبدعت، وتألقت فى حاضنة مصرية خالصة، أعادتها إلى الحياة بعد أن كادت تغيب، أو غُيِّبت بفعل فاعل، عادت إلى جمهورها. عود حميد.

المطلوب، عاجلًا، حاضنة فنية خبيرة تعيد صياغة هذا الصوت الرخيم، تتوفر عليه بحب وإخلاص: كلمات وألحانًا وظهورات محسوبة بدقة خلوًا من النزق والعبث والمراهقة الحياتية.

حنجرة «آمال ماهر» مثل قطعة ألماس نادرة، والألماس حجر شفَّاف شديد اللَّمعان ذو ألوان مبهجة، وهو أعظم الحجارة النَّفيسة على الأرض. حنجرة «آمال ماهر» نفيسة، تحتاج إلى أنامل صائغ خبير بالأحجار الكريمة، يُجليها ويرونقها فتخطف الأنظار، وتُطرب الآذان، وتلمس القلوب.

دومًا أمام ناظرى «جوقة» كوكب الشرق، السيدة «أم كلثوم»، فضلًا عن موهبتها الأصيلة، وحنجرتها النادرة، وذكائها الفطرى، وثقافتها الرفيعة، تحلقت من حولها كوكبة من الشعراء والكُتاب والملحنين، قَلَّ أن يجود الزمان بمثلهم.. وكما قال «أَبوتَمّام»، أحد أمراء البيان: «هَيهاتَ لا يَأتى الزَمانُ بِمِثلِهِ.. إِنَّ الزَمانَ بِمِثلِهِ لَبَخيلُ..».

حول ضياء كوكب الشرق، تحلقت قامات معتبرة تليق بصوت طليق، قوى، أبِىّ، عريق، عميق، تكاملت المعادلة صوتًا وكلمة ولحنًا، فحلقت «ثومة» فى السماء شدوًا.. فصارت هرمًا ترنو إليه الأبصار وتهفو إليه القلوب، وكُتب لها الخلود كهرم غنائى شامخ.

لست فى مجال مقارنة، أو مقاربة، ولكن ما توفر لكوكب الشرق، لو توفر بعضه لآمال ماهر، أو لشيرين عبدالوهاب، وتَحَلّتَا بقليل من الذكاء الكلثومى، والحشمة الكلثومية، أقول لو.. حرف متشعلق فى الجو، لكسبنا صوتين راقيين.

فقط الابتعاد بمسافة عن مواطن الخلل والزلل والاضطراب، وبالأحرى عن (شلة السوء)، وترشيد السلوك، والثقة فى النفس، والتخلص من أعباء زائدة ليس لها محل من الإعراب الفنى.

الفنان المخلص لفنه يتفنن فى إخلاصه، ويهب حياته لفنه، ويتجنب الهفوات، ويتعالى على الصغائر، ويُزيح من طريقه كل ما يُعطله عن أداء رسالته الفنية.

امتلاك الشخص للموهبة شىء عظيم يعطى الموهوب شعورًا بالفخر والتفرد بعيدًا عن الغرور. عندما يهبك الله صوتًا جميلًا فكُنْ أنت جميلًا وأهلًا لهذه الهبة الربانية، لا تُضيعها ولا تُفرط فيها، تصون النعمة بالحمد والشكر، ومضاعفة الجهد، والعناية بالتفاصيل، وعدم الانجرار إلى المزالق، وتجنب العثرات.

الطرب الأصيل جمهوره يتشوق لصوت مثل صوت آمال ماهر، موهبة واعدة وقوية ومؤثرة لو اشتغلت على نفسها جيدًا، والرعاية التى نرجوها رعاية فنية احترافية. الفن صناعة راقية، مثل صناعة المجوهرات، والصَّائِغُ مَنْ حِرْفَتُهُ الصِّياغَةُ، مَنْ يَصُوغُ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَيَصْنَعُ مِنْهُمَا الْحُلِىَّ زينة. مطلوب بوتقة تصون الصوت، وتختار، وتدقق فى اختيار الكلمات والألحان، وتذاكر مع آمال ماهر دروسها الأساسية، وتُثقفها، وتحفظها من النزق، وتمنع عنها متبضعى الأصوات، ومحتكرى المواهب، يتخذونها بضاعة لأنفسهم، ويحرمون منها جمهرة عشاق الطرب الأصيل، موهبة آمال ماهر كادت تضيع فى لجة الموج العاتى، لولا الوعى الجمعى الذى نفر إلى إنقاذها من وهاد تترى فيه.
نقلا عن المصرى اليوم