تسارعت وتيرة تراجع الجنيه المصري أمام الدولار في الآونة الأخيرة، وسط ضغوط مستمرة من ارتفاع تكاليف الواردات، على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية التي أثرت على أسعار السلع الأولية، كما أن هذا الانخفاض يأتي ضمن محاولات مصر التوافق مع متطلبات صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.

 
وبحسب البيانات الرسمية، على موقع البنك المركزي المصري، فقد انخفض سعر الجنيه في تعاملات أمس الخميس إلى مستوى 19.15 للدولار، وهو أقل مستوى للعملة المصرية منذ ديسمبر 2016، وهي السنة التي شهدت تعويم الجنيه في نوفمبر.
 
ومنذ مارس 2022، فقد الجنيه المصري نحو 22 بالمئة من قيمته أمام الدولار، بعد أن خفض البنك المركزي سعر الصرف بنحو 14 بالمئة في 21 مارس، ورفع معدل الفائدة 300 نقطة أساس، لامتصاص تداعيات الأزمة التضخمية الناتجة عن أزمة أوكرانيا.
 
وأعلنت الحكومة المصرية خلال الأيام الماضية عن حزمة مساعدات استثنائية تتضمن صرف دعم إضافي على بطاقات السلع التموينية، وكذلك ضم حوالي مليون أسرة جديدة إلى برنامج الدعم النقدي "تكافل وكرامة"، من أجل مساعدة المواطنين على تجاوز أزمة تضخم الأسعار.
 
وتوقعت الخبيرة الاقتصادية، عاليا ممدوح، أن يشهد الجنيه المصري مزيدا من الانخفاض في الأيام المقبلة.
 
وقالت لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية": "كنا نتوقع أن نشهد مستوى الـ 20 جنيها بنهاية العام.. لكن وتيرة الانخفاض العنيفة في الأيام الأخيرة تشير إلى أننا قد نصل إلى هذا المستوى بنهاية الشهر الجاري".
 
وفي سياق متصل، قالت المحللة الاقتصادية في بنك استثمار "الأهلي فاروس" المصري، إسراء أحمد، إنه في ظل الضغوط الحالية على العملة المصرية، فإنها تتوقع أن يواصل الهبوط إلى حوالي 19.7 للدولار، بنهاية العام المالي الجاري، وحوالي 20.6 بنهاية العام المالي القادم.
 
وأضافت أنه رغم هذه الضغوط على العملة المحلية، "فإن المشهد قد يتغير مع أي تحول في المجريات العالمية بما يحد من الضغط على الأسواق الناشئة كانخفاض في أسعار السلع على سبيل المثال مع تبدد المخاوف المتعلقة بالاقتصاد الصيني أو - بالطبع - انتهاء الحرب في أوكرانيا أو الوصول لحلول تحد من التوتر العالمي".
 
ضغوط خارجية قوية
قالت الخبيرة الاقتصادية، عاليا ممدوح، إن السبب الرئيسي وراء انخفاض سعر صرف الجنيه، هو "خروج 20 مليار دولار دفعة واحدة من أدوات الدين الحكومية هذا العام، وسط موجة تخارجات المستثمرين من الأسواق الناشئة بعد رفع الفائدة الأميركية، وهو الأمر الذي مثّل ضغطا كبيرا على العملة المصرية".
 
وشهدت الأسواق الناشئة، التي من بينها مصر، في الشهور الأخير خروجا كبيرا للاستثمارات المالية التي يطلق عليها "الأموال الساخنة"، بسبب قلق المستثمرين من التوترات السياسية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية، وأيضا من أجل الاستفادة بأسعار الفائدة المرتفعة في أميركا، بعد سلسلة من زيادات الفائدة التي أقرها الفيدرالي الأميركي، لمواجهة أعلى تضخم تشهده الولايات المتحدة في أكثر من 40 عاما.
 
وأظهرت بيانات من المركزي المصري، أمس، أن ميزان المدفوعات الكلي في التسعة أشهر الأولى من العام المالي الماضي (يوليو- مارس) سجل عجزا بقيمة 7.3 مليار دولار، مقابل فائض بحوالي 1.8 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.
 
وأرجع المركزي المصري هذا العجز بشكل أساسي إلى ارتفاع فاتورة الواردات نتيجة الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار الطاقة والسلع الأساسية، وتخارج الاستثمارات الأجنبية من محافظ الأوراق المالية، بحسب البيان المنشور على الموقع الرسمي للمركزي.
 
وقالت ممدوح، إن "هناك مدفوعات كثيرة سددتها مصر في النصف الأول من العام الجاري، ساهمت في الضغط على الجنيه، ويبدو حاليا أن حصيلة الدولار في البلاد لا تكفي هذه المدفوعات".
 
وأضافت أن "الزيادة الكبيرة في أسعار الواردات، وخاصة واردات الغذاء والطاقة، الذين تعتبر مصر مستوردا أساسيا لهما، ساهمت أيضا في الضغوط المفروضة على الجنيه".
 
"كنا نتوقع أن تخف هذه الضغوط على أسعار السلع الأولية خلال الشهور المقبلة، لكن يبدو أن التوترات الجيوسياسية لا تزال مستمرة، وهو ما يعني أن أسعار الواردات المصرية ستظل مرتفعة"، بحسب ما قالته ممدوح، مضيفة أنه "لحين انخفاض سعر البترول عن المستويات الحالية ستظل هناك ضغوطات على أسعار الواردات".
 
وارتفعت أسعار النفط بقوة منذ العام الماضي، بعد زيادة الاستهلاك الناتجة عن الانتعاش الاقتصادي بعد وباء كورونا، إلى جانب الضغوط الخاصة بالمعروض نتيجة القيود المفروضة على النفط الروسي واضطرابات الإنتاج في بعض الدول النفطية.
 
واتفقت إسراء أحمد، المحللة في "الأهلي فاروس" مع ما طرحته الخبيرة الاقتصادية عاليا ممدوح، وقالت إن انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار جاء "نتيجة ضغوط كبيرة ومتراكمة تعاني منها حاليا الأسواق الناشئة، ومصر ليست استثناء".
 
وأضافت أحمد في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية": "إذا تحدثنا عن مصر على وجه التحديد نرى أن الأزمة الحالية والتي فجرتها الحرب الروسية في أوكرانيا جاءت مباشرة بعد سنتين أنهك فيهما وباء كورونا ميزان المدفوعات المصري، معرضا مصادر العملة الصعبة (أهمها السياحة) لانخفاض شديد.. كما أدى تخارج استثمارات الأموال الساخنة كذلك لمزيد من الضغط، خاصة أن تلك الأموال على عدم استدامتها إلا أنها كانت تساعد في سد فجوات مؤقتة للعملة الصعبة في الأجل القصير".
 
وقالت إنه بالإضافة إلى ذلك فإن "بعض الاختلالات الهيكلية مثل كثافة المدخلات المستوردة في الصناعة المصرية واحتياج الصادرات بالأصل لمدخلات مستوردة مع ثبات سعر الصرف خلال العامين السابقين للحرب أدت إلى عودة التساؤلات حول سعر الصرف مجدداً، بالذات مع الالتزامات الخارجية الكبيرة وتزايد حجم الاقتراض الخارجي بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة".
 
قرض صندوق النقد
وقالت الخبيرة الاقتصادية عاليا ممدوح، إن الانخفاضات الأخيرة في سعر صرف الجنيه، تأتي أيضا في إطار محاولات مصر للتوافق مع متطلبات صندوق النقد الدولي، الذي يحث الدول دائما على اتباع سياسة سعر صرف مرنة.
 
وهو ما أيدته أيضا إسراء أحمد، والتي قالت إن "تسارع وتيرة انخفاض الجنيه خلال الفترة الأخيرة قد يعود إلى بعض الإشارات المتكررة من مؤسسات التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي لاحتياج سياسات التسعير في مصر لمزيد من المرونة وبالذات تلك المتعلقة بسعر الصرف".
 
وأضافت أن "صندوق النقد أشار تحديدا بشكل واضح لاحتياج سعر الصرف لمزيد من المرونة وذلك في تقييمه لآثار برنامج القرض الذي حصلت عليه مصر إبان وباء كورونا في منتصف 2020، في تقريره الذي صدر في يوليو.. وهو ما يرجح أن تسارع انخفاض الجنيه خلال الفترة الأخيرة قد يكون محاولة للالتزام بشكل أكبر بمعايير المرونة المطلوبة تحت مظلة الاتفاق مع الصندوق في وقت تحتاج فيه مصر لضخ السيولة الأجنبية خلال الأزمة الحالية، كما تحتاج لشهادة ثقة من الصندوق في وقت تتراجع فيه الثقة عالميا في الأسواق الناشئة عموما".
 
وتسعى مصر للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، لم تحدد قيمته بشكل رسمي بعد، وتطلب مصر من الصندوق أن يخفف شروطه في ظل التداعيات الاقتصادية الحالية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية.
 
وروسيا وأوكرانيا كانتا مصدرين مهمين لمصر فيما يتعلق باستيراد القمح، وكذلك بالنسبة للسياحة. وأدت الحرب الأوكرانية إلى اتجاه مصر لأسواق بديلة لشراء القمح ولكن بأسعار أغلى، وهو ما زاد تكاليف الاستيراد على الحكومة.
 
وحصلت مصر في أواخر عام 2016 على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، وفق برنامج مدته ثلاث سنوات، والذي تزامن مع تعويم الجنيه. وفي 2020 حصلت مصر من الصندوق، بموجب اتفاق استعداد ائتماني، على 5.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 2.8 مليار دولار بموجب أداة التمويل السريع، بهدف مساعدة الحكومة في معالجة تداعيات كورونا.
 
ولا تتوقع الخبيرة الاقتصادية، عاليا ممدوح، أن تحصل مصر على قرض كبير من الصندوق هذه المرة، في ظل استهلاكها لجزء كبير من حصتها، لكنها قالت إن "هذا الاتفاق مهم من أجل توجيه رسائل طمأنة بشأن الاقتصاد مستقبل الاقتصاد المصري".