القمص يوحنا نصيف

جاءت هذه الآية في سِفر نشيد الأناشيد (نش2: 12)، في سياق الحديث عن التجسُّد الإلهي، ومجيء المسيح العريس الحبيب إلى أرضنا.. طافرًا على الجبال، قافزًا على التلال.. مُتخطِّيًا كلّ الحواجز الصعبة لكي يأتي لخلاصنا.. وقد مَرّ الشتاء والمطر، وزالت البرودة الروحيّة والتجمُّد الذي كان موجودًا في العهد القديم، وبدأت الزهور والحياة تنبثق من جديد..!
 
 "صوت حبيبي. هوذا آتٍ طافِرًا على الجبال، قافزًا على التلال. هوذا واقف وراء حائطنا (مُختفي في جسدنا) يتطلّع من الكوى يوَصوِص من الشبابيك... قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالَي، لأنّ الشتاء قد مضى، والمطر مَرّ وزال. الزهور ظهرَت في الأرض.. وصوت اليمامة سُمِعَ في أرضنا" (نش2: 8-12).
 لعلّنا نلاحظ في هذا الكلام مقدار السلام والدفء الذي يعمّ الأرض عندما يأتي الحبيب.. أمّا صوت اليمامة الذي سُمِعَ في أرضنا فهو يبشِّرنا بسلام الله الذي صار للبشر، بمجيء المُخَلِّص الذي صار هو سلامنا (أف2) عندما صالح الإنسان مع الله، والأرضيين مع السمائيين..
 
 ولمّا كان التجسُّد الإلهي ومجيء المُخَلِّص قد تمّ عن طريق السيِّدة العذراء، فقد صارت هي اليمامة المقدّسة التي سُمِع صوتها في عالمنا..!
أمنا العذراء هي التي قدّمَت عجينة البشريّة إلى الله لكي يتّحِد بها ويتجسّد، ويولَد في عالمنا، من أجل خلاصنا وتجديد طبيعتنا.. لقد صارت علامة فاصلة بين عهدين، أحدهما فيه البرودة والجمود والعبوديّة والظُّلمة، والآخَر مشمول بدفء الحُب والحياة والحرّيّة والنور..
 
 السيِّدة العذراء هي اليمامة التي قدّمَت لنا الله محمولاً على ذراعيها.. على جناحيها.. كما نقول في التسبحة الكنسيّة (ثيؤطوكيّة يوم السبت):
[أيتها الغير الدنسة العفيفة، القدِّيسة في كل شيء، التي قدَّمَت لنا الله محمولاً على ذراعيها، تفرح معكِ كل الخليقة، صارخة قائلة: السلام لكِ يا ممتلئة نعمة، الربّ معكِ.]
من أجل هذا تدعوها الكنيسة أيضًا في المديحة الجميلة الأصيلة، التي نقولها في التمجيد:
[السلام لكِ يا مريم، يا يمامة جليلة تصيح، لنا بسرّ مُعَظَّم، صوتها مُبهِج وفريح..]
 فهي اليمامة الهادئة التي تمّ منها سِرّ التجسُّد العظيم، وصوتها سُمِعَ في كلّ أقطار الأرض، كما يقول الإنجيل: "عظيم هو سِرّ التقوى، الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرِزَ به بين الأمم، أومِنَ به في العالم، رُفِعَ في المجد" (1تي3: 16).
 
أمّ النور هي اليمامة العاقلة النقيّة التي بشّرتنا بسلام الله ومراحمه التي انسكبت على البشر، كما نقول في ذُكصولوجيّة رفع بخور باكر:
 
 [طوباكِ أنتِ يا مريم، الحكيمة العفيفة، القُبّة الثانية، الكنز الروحي.. اليمامة النقيّة، التي نادت في أرضنا، وأيْنَعَت لنا، ثمرة الروح.. أنتِ أيضًا يا رجاءنا، اليمامة العقليّة، أتيتِ لنا بالرحمة، وحملتِهِ في بطنك.. أي يسوع، المولود من الآب، وُلِدَ لنا منكِ، وحرّر جنسنا..].
 
بمجيء السيّد المسيح إلى عالمنا مُتَجَسِّدًا من السيِّدة العذراء، ملأ الأرض من سلامه السمائي، وأعاد الحرارة لعلاقتنا مع الله، ورفعنا من حالة البؤس والمذلّة لنتمتّع بحرّيّة مجد أولاد الله.. فأشرقت البهجة من جديد في قلوبنا، وبدأت الزهور والثمار تظهر في حياتنا.. فلهذا نحن نُمَجِّد محبّته، ونُطوِّب أمّه اليمامة الطاهرة قائلين:
"صوت اليمامة سُمِع في أرضنا"
السلام لكِ يا مريم.. يا يمامة جليلة..