نبيل المقدس 
 كثرت بشدة في السنوات الثلاثين الأخيرة مشكلة إجتماعية لو تم الفشل في حلها فسوف تقصف بالبلد إلي دمار الإخلاقيات وبناء عليه يخرج جيل من الشباب محطم نفسيا و ربما يكون ناقم علي الوطن ... هذه المشكلة هي الطلاق الرسمي الذي تشعب منه بعض الأشكال والتسميات مثل الهجر المؤقت او هجر الفراش أو الإنفصال و مسميات أخري تُسيء إلي كل من الزوج والزوجة بل أيضا إلي المجتمع بحاله . 

 
 لا شك أن عملية الطلاق عملية ضد إرادة الله بعد ما إلتحم جسدي الرجل والمرأة ببعضهما وأصبحا جسدا واحدا يصعب فكهما في بعض العقائد .. ويسهل فكهما في بعض العقاد الأخري وفي نفس الوقت هو مكروه حتي انه يقولون عنه " أبغض الحلال عند الله الطلاق " .. فنحن نعرف جيدا عواقب هذا علي الأبناء والزوجة . .
 
 لكن نجد أن الطلاق له نهاية في العواقب السيئة .. حيث بمرور الأيام والسنوات يكون كل من أطراف الصراع قد بحث عن مستقبله .. فربما تتزوج المرأة  , لكن وبصراحة غالبا  منهن يرفضن الزواج الثاني ويجندن أنفسهن في تربية ومتابعة تعليم الأبناء ولا ننكر أن هذه الأغلبية من المطلقات يقمن بتجهيز بناتهن وربما ابنائهن للزواج  .. وكذلك الزوج يكون أول من بني له مستقبلا جديدا بمجرد ان يتم الطلاق . معني هذا أن عواقب الطلاق غالبا يكون محدودا وبالأيام كل شيء يتنسي وينتهي .. وكأن شيء لم يحدث..!
 
أما عملية الإنفصال فهي ألعن من الطلاق .. وهي ما إلا تحايل من الإنسان علي الله بطريقة قذرة . عشت ورأيت هذا النوع من التفكك الأسري مع ثلاث أسر احداها مضي علي إنفصال الزوج والزوجة حوالي  20 سنة كان وقتها أعمار الإبنة 3 سنوات والأن علي وشك التخرج من الكلية والأخر كان عمره حينئذ حوالي سنة ونصف وأيضا علي مشارف الحصول علي الشهادة الجامعية .. أما الأب فقد تركهم جميعا فجأة منذ ذلك الوقت تقريباعند أهله في إحدي بلاد المهجر بعد سلسلة من القضايا التي تُسيء إلي عرضهما وسمعتهما في وسط الأقارب والأصدقاء .
 
 هذا النوع  الأول من الإنفصال العلني والمفضوح هو العن من عملية الطلاق .. فكثير من كلا طرفي النزاع يتكلم عن الأخر بأدق التفاصيل ما يحدث بينهما من أسباب الخناقات والمعارك .. ولا ينسي أحدهما أن يعلن مساويء الأخر الأخلاقية والجنسية وتصرفات وصفات أو طبيعة كل منهما .. فإحدي الطرفين يقول عن الأخر ان رائحة فمه لا تُطاق أو رائحة قدميه كريهه مما يجعله يترك الفراش " أو تترك الفراش " ومن هنا يبدأ النكد . 
 
 أما النوع الثاني من الإنفصال هو الإنفصال غير المعلن أو غير الظاهر أمام المعارف والإصدقاء .. فهو ظاهره جميل لكن داخله قبيح بل ربما ألعن .. في بداية عملي بعد التخرج تعرفت علي زميل لي في العمل , وأصبحنا لا نفترق طول اليوم إلا فقط في العمل حيث كان هو رئيس قسم الجودة وكان يسبقني بسنتين في التكليف .. أما أنا فكنت مهندس كهرباء .. وبصفتي كنت عاذب ومتغرب وقتها إخترت كازينو نقابة المهندسين في شارع رمسيس قبل أن تنتقل علي النيل بالزمالك مكانا لي بعد الإنتهاء من عملي . كان هذا الصديق بالرغم أنه متزوج وله ابنة و يسكن في حلوان تعود أن ينزل معي القاهرة ويجلس معي في هذا الكازينو مع أصدقاء الكلية العُذاب .. وكنا نتسامر جميعا حتي منتصف الليل حيث يعلن عم خليفة الجرسون انتهاء ميقات الكازينو . ثم نودع بعضنا البعض .. وفي إحدي المرات تنبهت أن هذا الزميل وكأنه عاذب مثلنا .. ترددت أن أسأله وبعد سنة تقريبا تجرأت و ادخل

حياته الشخصية , وسألته عن أسباب وجوده معنا طول اليوم .. أليس من حق الزوجة وابنك أن يتمتعا بك كأب وهذا يستلزم وجودك معهما !!!؟ قال لي عموما أنا أثق فيك بأمانتك .. ولهذا سوف أصرح لك بأني منفصل تماما عن زوجتي منذ 7 سنوات .. أحنا إتفقنا أن لا نظهر أي علامة  أمام الأقرباء والمعارف عن طبيعة علاقتنا .. قلت له وأخر هذا الإنفصال ؟ قال لي " أحنا عايشين كل واحد مننا في حاله " أنا أذهب إلي حجرتي وهي تقضي وقتها مع ابننا في حجرة المعيشة .. لا أعرف عتها شيئا وهي لا تريد مني أي  شيء غير ان أضع لها مصاريف البيت مع مصاريف الإبن علي السفرة . 
 
هذا النوع من الفراق يجعل الزوج والزوجة معلقين .. كما أنه ليس له نهاية فيزداد التشوق والحرمان حتي نهاية العمر لهما. عموما و من وجهة نظري أن كلا من الطلاق والإنفصال بأنواعه متساويان في العواقب السيئه التي نعرفها جميعا . 
 
أخيرا وبإختصار شديد نأتي إلي الخصام بين الزوجين .. والذي لا يدوم اكثر من أيام معدودة .. هذا النوع من الخصام موجود في جميع الأسر وفي جميع دول العالم .. ويقولون عنه " أنه الشطة الذي يسخن الحب ويجدد الحياة الأسرية أول بأول .. يأتي الزوج مبتسما إلي زوجته قائلا : " يا لا بينا ننزل وسط البلد لكي نأخذ فكرة عن ما هو جديد " .. تطير الزوجة من الفرحة وتقبله قائلة " فعلا انا بحبك أوي .. انت احلي واشيك زوج في العالم " وأمام إحدي محلات الأحذية الحريمي " تنجذب نحو حذاء أصفر وبسرعة قالت لزوجها الحبيب " أنا نفسي في الشوز ده " . وبسرعة وبدون تفكير يقول زوجها " إنتي عارفة انا ما أحبش اللون الأصفر .. إنتي قاصدة تعكنني علي " . وتتحول الضحكات والسعادة إلي سكون وغم .. وفي العربية عند رجوعهما يخيم السكون وهي جالسة تنظر من وراء الشباك ولا تحاول أن تنظر إليه .. وهو في نفس الوقت تظهر العصبية عليه في طريقة السواقة .. حتي يصلا إلي المنزل . ويناما بدون اي مشاعر ولا حتي تصبح علي خير . 
 
كلها يومين وينتهني هذا الفاصل من الخصام .. ثم يضحكان معا قائلين " مش عشان خاطر شوز أصفر نتحرم من بعض يا حبيبي ...من هنا يتجدد الحب , وتطول أيامهما بالسعادة والهناء !! 
 
فعلا أعظمهن الخصام الإيجابي الذي يجدد ولا يدمر.