كتب: نبيل المقدس
منذ زمن ليس بالبعيد كانت هناك عدة أساليب تحدد مهارة الطبيب ومدي وصوله إلي العلاج المظبوط والمناسب في الزيارة الأولي للمريض له .. وتصير الزيارة الثانية والتي تُسمي بإعادة الكشف ما إلا الإطمئنان علي المريض وبعض النصائح الأخري التي تفيده في فترة النقاهة ... هذه الأمور هي السماعة وجس الأيدي والنظر في عيون المريض . يأتي بعد ذلك تشخيص المرض ويكون أقرب إلي الصحيح في أغلب الحالات . أما عن الروشتة فقد كانت مملوءة من أسماء الأدوية , وكان كٌثر عددها مظهر من مظاهر كفاءة الطبيب ... ومكتوبة بحروف سرية لا أحد يقؤأها إلا الصيدلي . 
 
في ذلك الوقت عندما كنت تدخل حجرة الطبيب تستطيع أن تميزه من التومارجي الذي يعمل معه عن طريق وجود السماعة معلقة حول رقبة الطبيب .. حتي الأطفال عندما يرون السماعة يبدأون في البكاء خوفا منه .. منظر السماعة كان يعطي هيبة للطبيب وللمكان أيضا .. عندما كنت طالبا في كلية الهندسة كنتةأتعجب من الزملاء الأطباء وهم في طريقهم إلي بيوتهم بعد ما ينهوا الدراسة معلقين السماعات علي رقابهم أو في الشنطة بحيث تكون السماعة تطل بنفسها من فتحة الشنطة لكي يتباهي بها .. كما كنا نفعل نحن طلبة الهندسة بحمل المسطرة حرف تي T ويا أرض إنهدي ما عليكي إلاّ أنا .. ! 
الأن فقد الطبيب المهارة الذاتية في تشخيص المرض .. ويعتمد علي معلومات خارجية ترشده الي تشخيص المرض . بدأ الأطباء يتركون السماعات جانبا إلي أن إختفت تدريجيا من حياة الأطباء .. كما أن تشخيص المرض الذي كان يدركه بجس الأيدي علي جسد المريض اكل الزمان منه وشرب .. حتي نظرة الدكتور في عيون المريض كان يقرأ الكثير من نوع المرض الموجود .. وأضيف أن مجموعة الأسئلة التي كان يوجهها الطبيب إلي المريض تعطيه الكثير من ظروف المرض فيستطيع أن يستنبط من جميع هذه الأساليب السابقة ما هو المرض
 
لم يهدأ العلم وتقدمه بأن يبقي الحال مئات السنوات في إستخدام الأساليب القديمة .. بل نزع من الطبيب علم الموهبة والتي نماها مع دراساته وتجاربه الشخصية والخبرة التي كان يتميز بها االطبيب عن طبيب آخر , وبدأ يتوجه إلي ما قدمه العلم له ... فظهرت أساليب علمية أخري ألا وهي التحاليل والتصوير يالأشعات والرنين ووغيرها من علم التحاليل والإشعات .. إستند الطبيب علي كل هذه الأساليب الجديدة وبدأ يطلب من كل مريض التحاليل أو الإشعات التي يجب أن تكون لديه لتشخيصه . إمتلأت العيادات والمستشفيات بأجهزة التحاليل والإشعات .. كما كانت فرصة كبيرة لفتح نشاط جديد في علم الطب ألا وهي التحاليل والإشعات ... درسها الكثير من الأطباء وخريجي كليات العلوم وأصبحت بالنسبة لهم مصدر رزق أكثر ربحا من أن يمارس الطب .
 
وبالرغم بعد كل هذا التقدم في العلوم الطبية بالإضافة إلي التقدم في علوم التحاليل والإشعات بإنواعها , لا نجد أن هناك تغيير في مهارة الأطباء .. بل أكيد نجد إكتشاف أمراض أخري جديدة تٌضاف علي لستة الأمراض .. والسؤال هنا هل كانت هذه الأمراض التي تم إكتشافها بعد ظهور علوم التحاليل والإشعات أساسا موجودة ..؟؟ وماذا كان يقول الأطباء للمرضي عند وقوفهم وعجزهم عن تشخيص هذه الأمراض..؟؟ والسؤال الأخير هل يستطيع الأطباء الإستغناء حاليا عن معامل التحاليل والإشعات ؟؟؟ ماذا لو تخيلنا أن هناك توقف تام في معامل التحاليل والإشعات ؟؟ كل هذه أسئلة واردة لكن لا إجابات لها ..! فقد أصبحت معامل التحاليل والإشعات هي السماعة والأيدي والنظر في عيون المرضي ... لكن سقط أهم شيء في اساليب التشخيص ألا وهي توجيه الأسئلة للمريض .. فقد كانت هذه الأسئلة هي همزة الوصال بين الحكيم والعليل .. وبين الذي يعطي الأمل والذي ينتظر الأمل في الشفاء..! 
 
حتي طب التشريح ... أصبحت الأجهزة والتحاليل والأشعات هي المتكلمة في إثبات ظروف الجريمة ومنها يقر براءة متهم أو ادانته .. حتي أنه أُطلق علي الأطباء التشريحيين بالفراسة والذكاء بدراستهم وتجاربهم وخبرتهم والوصول إلي الحقيقة .
 
أما الأطباء النفسيين فيا رب اجعل كلامنا خفيف عليهم .... فأعظم وسيلة لهم في تشخيص المرض هي اللجوء إلي الفلاسفة والمفكرين وغيرهم من ذوي الخبرة ... هناك امراض كثيرة هي نتاج التطور في الحياة , ولا ننكر أن جميع شعوب العالم يقاسي من مرض نفسي يختلف من أخر إلي أخر في شدته والتعايش معه ..! 
 
لم يتبقي من عائلة الأطباء إلاّ فئة واحدة وهم البيطريين .. فهم لهم الحظ الكثير أنهم لم يستخدموا السماعة في العهود السابقة أو في هذه الأيام ... كل ما لديهم من سلاج بجانب العلم والدراسة هي التعايش معهم ومع أصجابها لكي يستطيع أن يشخص المرض