بقلم /ماجد كامل

مقدمة :-
لدير السيدة العذراء بجبل اسيوط والشهير باسم "دير درنكة" مكانة هامة ومتميزة في قلوب المصريين جميعا مسلمين واقباطا ؛ وذلك لما تمثله السيدة العذراء من قدسية ومكانة في قلوبناجميعا فهي التي قال عنها الكتاب المقدس "جميع الاجيال تطوبني " وجاء عنها في القراّن ان الله اصطفاها وطهرها علي كل نساء العالمين ؛ وتتجلي هذه الكرامة في مواسم واعياد السيدة العذراء خصوصا في احتفالات صوم العذراء خلال  الفترة من "7 اغسطس – 22 اغسطس" حيت يتوافد الالوف من البشر علي الدير ملتمسين البركات ؛ ولقد ذكر المقريزي في كتابه "القول الابريزي للعلامة المقريزي" تحت كلمة "اديرة ادرنكة " (اعلم ان ناحية ادرنكة ؛وهي من قري النصاري الاصعايدة ؛ونصارها اهل علم في دينهم وتفاسيرهم في اللسان القبطي ؛ ولهم فيها اديرة كثيرة في خارج البلاد من قبليها) ؛ و"الادرنكة" هو النطق القديم  لاسم قرية الدرنكة وتقع في قرية قرب اسيوط ويشتهر اهلها بزراعة الكتان ؛ والكمون ؛ والينسون ؛وهناك تقليد شفاهي قديم متداول بين الاقباط ان  العائلة المقدسة قد اختبأت وقتا ما في مغارة بجبل اسيوط هربا من اضطهاد هيرودس وهي المغارة التي اقيم عليها بعد ذلك دير العذراء الشهير بدير الدرنكة .

اولا :- تاريخ ووصف الدير :-
 يذكر عنه الانبا صموئيل اسقف شبين القناطر الراحل في كتابه "دليل الكنائس والاديرة في مصر "  انه يقع علي مسافة 8 كم جنوب غرب اسيوط علي طريق الغنايم . وتوجد به مغارة قديمة كانت اصلا محجر فرعوني قديم وقد زارتها العائلة المقدسة واختبأت فيها . وبجوار المغارة كان يوجد كنيسة اثرية للثلاثة الفتية القديسين لم يتبق منها سوي الحجاب المطعم بالعاج . وشمال المباني الاثرية وعلي مسافة 300 متر توجد مغارة مقسمة الي ثلاثة اقسام ويوجد بها المباني الاثرية وهي غالبا كانت المغارة التي عاش فيها القديس يوحنا التبياسي مؤسس الرهبنة في هذه المنطقة في القرن الخامس الميلادي " راجع الكتاب المذكور صــ 170 " ؛ ولقد عرف هذا الدير ايضا باسم "دير الانبا ساويرس" وذلك لان احد رهبان هذا الدير قد صار بطريركا وقيل عنه انه قرب وفاته قد اخبر رهبان الدير ان كتلة عظيمة من الجبل "جبل اسيوط" سوف تسقط علي الدير ولكن لن تؤذيها . فلما حدث ذلك وسقطت الكتلة الحجرية الضخمة علم الرهبان بوفاة الاب البطريرك الانبا ساويرس   فاطلقوا اسمه علي هذا الدير "لمزيد من التفصيل راجع  تاريخ الاقباط المعروف بالقول الابريزي للعلامة المقريزي دراسة وتحقيق د/ عبد المجيد دياب صــ 168 وكذلك ايضا كتاب "تاريخ الرهبنة والديرية في مصر واثارها الانسانية علي العالم ؛ تأليف د /رؤوف حبيب صـــ 157 " .

ولقد ذكره الراهب القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي الصغير  ( 1848- 1935)  فقرة واحدة عنه في كتابه الهام " تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين " حيث قال فيه في الكنيسة رقم ( 30 ) تحت عنوان " دير العذراء بجبل ادرنكة " " بمديرية أسيوط . وفيه الآن كنيسة باسم العذراء. ذكر في سجل الكنائس في كرسي أسيوط  " ( المرجع السابق ؛ صفحة 142 ) .

كما كتب عنه المتنيح الأنبا غريغوريوس في كتابه عن دير المحرق في الفصل الخاص "العائلة المقدسة في جبل قسقام " حيث قال " وهذا بالطبع لا يمنع أن تكون العائلة المقدسة ؛بعد أن تلقت في جبل قسقام أمر الملاك بالرجوع إلي فلسطين قد سلكت في عودتها طريقا  قد انحرف بها إلي الجنوب قليلا حتي جبل أسيوط ؛فهناك تقليد شفاهي يروي أنها أختتبأت وقتا ما في مغارة بجبل أسيوط ؛وهي المشهورة الآن بجبل أسيوط ؛ فالمعروف أن العائلة المقدسة كانت هاربة ومطاردة ولم تكن ظروفها ميسرة حتي تسلك في سيرها طريقا ثابتا مستقيما " ( لمزيد من التفاصيل راجع  الكتاب السابق ذكره ؛ صفحة 87 ) .

ومن المراجع الحديثة  التي كتبت عن دير السيدة العذرء بدرنكة ؛ نذكر كتاب الدكتور جودت جبرة "الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم " والذي صدر عن المركز القومي للترجمة تحت رقم 1844 . حيث كتب عنها تحت عنوان " دير العذراء بجبل أسيوط الغربي الشهير بدرنكة " فقال "يوجد تقليدا شفويا يؤكد أن العائلة المقدسة اضطرت إلي الارتحال مسافة خمسين كيلو متر جنوبا حتي مدينة ليكوبوليس( أسيوط حاليا ) حيث كان يوجد أقربق ميناء رئيسي ؛وعثرت العائلة علي مغارة تقع جنوب غرب المدينة ؛فاقامت فيها قبل أن تجد مركبا يقلها شمال البلاد .وتحولت هذه المغارة التي كانت في الأصل محجرا فرعونيا ؛ إلي كنيسة تحمل أسم القديسة مريم . وفي خمسينات القرن  الماضي  ؛ شرع الأنبا ميخائيل مطران أسيوط الراحل .في تجديد الدير وبناء أماكن لاستضافة الزوار ؛ وسرعان ما أصبح الاحتفال السنوي بعيد القديسة العذراء بديرها بجبل أسيوط من أكبر المزارات السياحية الدينية في مصر .ويذكر الزوار أنه منذ عام 1968 م رؤية ظهورات للعذراء أو رصد أضواء غير عادية بالمكان .وتفسر هذه الأضواء أنها علامات علي أن العائلة المقدسة باركت هذه البقعة . ويزور مئات الالاف من الأشخاص الدير علي مدي الأسبوعين خلال شهر أغسطس ؛ينتهيان بالموكب الأحتفالي ل"العذراء مريم" في ليلة 21 أغسطس الموافق عشية عيد إصعاد جسد السيدة العذراء . ويشبه الدير من بعيد خلية نحل كبيرة ملتصقة  بالجبل . وحتي يستطيع الدير استضافة الأعداد الهائلة من الزوار؛ تم بناء  مئات الغرف بالمباني الموجودة عند سفح الجبل " . ( لمزيد من التفاصيل راجع المرجع السابق ذكره ؛ صفحتي 258 و259 ) .

أيضا  من ضمن  المراجع الحديثة الهامة التي كتبت عن دير درنكة ؛ كتاب " رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر " للدكتور اسحق إبراهيم عجبان عميد معهد الدراسات القبطية ؛ حيث كتب عن دير "درنكة فقال عنه " لم يرد اسم درنكة في مسار رحلة العائلة المقدسة في الميامر القديمة . ولكنها ذكرت في بعض الكتب والمقالات . ومنها مقال لمثلث الرحمات البابا شنودة الثالث بمجلة الهلال يناير 1986 .  ..... وقرية درنكة أسمها القديم أدرنكة بجبل أسيوط الغربي ؛قد ذكرها أبو المكارم  ..... ويوجد بها حاليا دير السيدة العذراء بجبل أسيوط (درنكة ) . ويضم كنيسة المغارة وهي مغارة كبيرة واجهتها 160 مترا وعمقها 60 مترا ؛ وقد كانت اسيوط وقتذاك مرسي للسفن والمراكب وربما أتجهت العائلة المقدسة إليها حتي تستقل المركب التي تعود بهم إلي الشمال ؛ ويقيم  الدير احتفالاته الدينية ابتداءا من اليوم السابع من أغسطس وحتي الحادي العشرين منه من كل عام ( راجع الفقرة بالكامل في المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات من 288  ؛ 289 ) .

ومن أحدث الكتب التي كتبت عن دير درنكة – في حدود معلوماتي – هو كتاب " المسيحية القبطية في ألفي عام للمؤرخ الالماني الشهير  أوتو مينناردس Otto Freidrich August Meinardus  ( 1925- 2005 ) ؛ترجمة مجدي جرجس ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم 2353 ؛ 2019 تحت عنوان "كنيسة السيدة العذراء بدير درنكة " حيث قال "تقع قرية درنكة علي سفح الجبل الممتد غرب  أسيوط  ... وتقع الكنيسة في حضن الجبل في مقابلة المغارات الواسعة التي كانت مسكونة بالنساك ؛ أو بالمسيحين الفارين الهاربين من الاضطهاد ؛وما زالت هناك بقايا القرية والكنيسة القديمة ؛ وتستخدم هذه المغارات لإقامة زوار مولد العذراء الذي يقام سنويا في الفترة من 7 -22 أغسطس ؛ احتفالا بذكري زيارة العائلة المقدسة لاسيوط  . وتذكر التقاليد الشفوية المحلية أن العائلة المقدسة قد أقامت بأحدي هذه المغارات ؛ وقد أقيمت مبان جديدة عديدة لاستيعاب الزائرين للدير أثناء المولد ؛ وتذكر التقارير حدوث ظهورات عديدة للسيدة العذراء خلال المولد السنوي " ( المرجع  السابق ذكره ؛صفحة 249 ) .

وفي تقرير مفصل مقدم من الباحثة الدكتورة كريستنا عادل فتحي بعنوان " الجهود المصرية لإحياء مسار العائلة المقدسة "  حيث قامت الدولة بتطوير مسار رحلة العائلة المقدسة الي عدة مراحل ؛ وكانت المرحلة الأولي تضم أديرة جبل الطير ودرنكة والمحرق بمحافظتي المنيا وأسيوط " . كما نظمت نقابة المرشدين السياحين جولة ثقافية في محافظة أسيوط لمدة ثلاثة أيام ؛حيث استقبلهم نيافة الحبر الجليل الأنبا يؤأنس أسقف أسيوط في الدير ؛كما استقبلهم السيد جمال نور الدين محافظ أسيوط  . كما نظمت الهيئة الاقليمة لتنشيط السياحة بأسيوط جولة سياحية لسفير الهند في القاهرة والوفد المرافق له جولة سياحبة في أسيوط للتعرف علي معالمها ؛ وزار خلالها  دير العذراء درنكة ؛ودير المحرق بالقوصية .

أما عن قصة تجديد مدخل الدير ؛فهي كما يروي موقع "ملاك الصعيد الأنبا ميخائيل مطران أسيوط  " أن مدخل الدير كان غير مسفلت ؛فطلب المتنيح الأنبا ميخائيل مطران أسيوط  ( 1921- 2014 )          ) من مهندس يدعي "شنودة " أن يقوم برصف المدخل ؛ فأعترض المهندس وقال له الطريق طويلة والمعدات تبوظ وتتكسر ؛ فرد عليه الأنبا ميخائيل " طيب براحتك " وفي الليل بينما كان المهندس شنودة نائما ؛شاهد رؤيا فتاة جميلة تحمل طفلا وتحاول أن تصعد  إلي الدير عن طريق المدخل الغير مسفلت ؛ وفي كل مرة تسقط بالطفل قبل الوصول لنهاية الطريق ؛فنظرت الفتاة إلي المهندس وقال له " علشان يلد عليك يا شنودة " بمعني علشان تنبسط يا شنودة . وتكررت هذه الرؤيا أكثر من مرة ؛ فقام شنودة وتوجه إلي الأنبا ميخائيل ؛وقال له " أنا موافق نرصف الطريق يا سيدنا " فرد عليه الأنبا ميخائيل " يعني كان لازم العدرا تقولك علشان توافق ؟ " فقال له شنودة " أنا تحت أمرك يا سيدنا وفداك المعدات كلها وفدا العدرا " فرد عليه الأنبا ميخائيل  "ما تخافش ما فيش حاجة ها تتكسر ارصف من فوق لتحت " وفعلا رصف الدير من فوق لتحت مسافة كبيرة وارتفاع عالي ولم تتكسر أي معدات " ( راجع القصة بالكامل علي الموقع المذكور بتاريخ 2 ديسمبر 2014 ) .

ثانيا :- من مظاهر الاحتفالات الشعبية بدير الدرنكة :-
كما سبق وذكرنا في المقدمة . تقام احتفالات ضخمة في الدير يشارك فيها الالوف من المسلمين والاقباط خلال فترة صوم السيدة العذراء من 7  - 22 اغسطس من كل عام وتصل الاحتفالات الي الذروة في الليلة الختامية للعيد حيث يسهر المصلون حتي الصباح الباكر مرددين المدائح والتماجيد للسيدة العذراء علي انغام الطبول والدفوف والناقوس ؛ ولقد حفظ لنا الفولوكلور القبطي الكثير من هذه المدائح نذكر منها :-
علي دير العدرا وديني                   اوفي ندري والرب راعيني
امدح فيكي يام النور                     مهما يكون قلبي مكسور
امدح فيكي يا ام يسوع                  ياشفيعة كل الجموع
ومكانك علي جبل مرفوع              علي دير العدرا وديني
نزورك مع الاصحاب                  يامذكورة في كل كتاب
تخضع لك كل الاوثان                علي دير العدرا وديني
ومن التقاليد الشعبية المأثورة عن هذه الاحتفالات ما يتردد و ما يقال عن ظهور انوار مبهرة اعلي المنارة في الدير تمثل طيف السيدة العذراء فيصرخ المصلون:-
 نورك بان                      علي الصلبان
ويرددون في مديحة اخري ويقولون
انا مبسوط انا مبسوط                    دي العدرا بتظهر في اسيوط
وتتجلي في هذه الاحتفالات اروع مظاهر الوحدة الوطنية بين عنصري الامة ؛ ولقد سجلت احدي المدائح الشعبية هذه الوحدة في قولها :-
يحيا الوطن يحيا الوطن                         يحيا الوطن وله استقلال
عاش المسلمون والاقباط                         عاشوا جميعا في الوطن  

ولقد  شهد الدير هذا العام حدثا كبيرا هو افتتاح المغارة الأثرية به بعد تجديدها مع مراعاة الاحتفاظ بطابعها الأثري؛ ففي صباح يوم الأحد الموافق 1 اغسطس 2021 ؛  قام نيافة الأنبا يؤانس بافتتاح المغارة الأثرية بعد تجديده تجديدا شاملا ؛ وشارك في حضور حفل الافتتاح  والافتتاح كل من أصحاب النيافة ( الأنبا يؤانس أسقف أسيوط – الأنبا ويصا مطران البلينا – الأنبا مرقس مطران شبرا الخيمة – الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي – الأنبا أغابيوس أسقف دير مواس ودلجا – الأنبا توماس أسقف القوصية ومير – الأنبا غبريال أسقف بني سويف – الأنبا أسطفانوس أسقف طما – الأنبا بيجول رئيس دير المحرق – الأنبا أرسانيوس أسقف الوادي الجديد – الأنبا ثاؤفيلس أسقف منفلوط – الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السيدة العذراء بجبل  أخميم – الانبا فيلوباتير أسقف أبو قرقاص وتوابعها – الأنبا فام أسقف شرق المنيا ) . ( راجع :- مينا غالي  :- بالصور ... مغارة دير درنكة بعد تجديدها وافتتاحها علي يد مطارنة وأساقفة الكنيسة ؛ موقع مصراوي ؛ الاثنين 2 اغسطس 2021 ) .

ولقد قام الانبا يؤانس بتكييف المغارة الأثرية تكييفا مركزيا ؛ كما قام بعمل سيراميك للأرضية  . والجدير بالذكر أن قداسة البابا المعظم تاوضروس الثاني وجه رسالة تهنئة  بهذه المناسبة جاء فيها (بركة كبيرة وعمل جيد لأن حرارة الجو في الصعيد تحتاج  إلي تركيب هذا التكييف .... تعيش وتعمر سيدنا وأيضا تحقق حلم الانبا ميخائيل المطران الجليل المتنيح فكان ذلك حلما له بركة العدرا تباركم وأمنياتي لكل شعب أسيوط ) .