حمدي رزق
مستوجب قراءة حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا برفض طعن الدكتورة «منى البرنس»، مدرس الإنجليزية بتربية السويس وتأييد فصلها لسببين.

الأول: نشرها عدة فيديوهات لنفسها ترقص فيها على صفحتها بـ «فيسبوك»، مع إصرارها على تكرار نشر مقاطع جديدة بما يحطّ من هيبة أستاذ الجامعة ومن رسالته ومسؤوليته عن نشر القيم والارتقاء بها.

والثانى: خروجها على التوصيف العلمى للمقررات الدراسية، ونشر أفكار هدامة تخالف العقائد السماوية والنظام العام.

نتوقف «هنيهة» عند السبب الأول، ونسأل: هل جرّمت المحكمة الرقص؟!

سؤال مستوجب، حتى لا نحمّل الحكم ما لا يحتمل، ولاستبيان الحقيقة خشية اختلاط الأمور فى أذهان الطيبين، فنجرّم ما لم تجرّمه المحكمة ونصبح على ما فعلنا نادمين!.

نصًا من حكم المحكمة: «إذا كان الرقص مهنة لمن يحترفه بأنواعه المتباينة، ومنها الرقص الشعبى والفنون الشعبية على تنوعها وتفردها وتمازجها، باعتباره (الرقص) من الموروثات الشعبية التى تزخر بها الثقافة العالمية.. فضلا عن تطوير الرقص الشعبى لعناصره ليصبح فيما بعد فنًا قائمًا بذاته فى تشكيله لعروض راقصة، مثل الباليه والرقص التعبيرى والدرامى وغيره، إلا أن الرقص على اختلاف أنواعه يمارس داخل صالات العرض من القائمين عليه الممتهنين له.

وكما أنه لا يجوز لمن تمتهن مهنة الرقص أن تمارس مهنة أستاذة فى الجامعة، فلا يجوز لأستاذة الجامعة أن تتخذ من الرقص شعارًا لها علانية تدعو به الناس بحجة أنه مصدر التفاؤل والأمل، ما ينال من هيبتها أمام طلابها، ويجرح شعور طالباتها، ويمس كبرياء زميلاتها رفيقات دروب العلم، باعتبارها المثل والقدوة..».

إذًا المحكمة لم تجرم الرقص، بل أفاضت فى توصيفه وبيان أنواعه، مثل الباليه والرقص التعبيرى، واعتبرته «فنا قائمًا بذاته»، وأقرته باعتباره مهنة، «الرقص مهنة لمن يحترفه»، وموروثًا ليس منكورًا «من الموروثات الشعبية التى تزخر بها الثقافة العالمية».

مطالعة الحيثيات ضرورة مستوجبة لتنزيل الحكم موضعه من الإعراب المجتمعى، المحكمة فى حيثياتها لم تجرم الرقص ولم تحتقره، ولم تنل من سمعة الراقصات، قصرت المحكمة حكمها على واقعة «دكتورة جامعية ترقص علانية على فيسبوك»!!.

يلزم التوقف «هنيهة» أمام المعادلة التى صكتها المحكمة: «وكما أنه لا يجوز لمن تمتهن مهنة الرقص أن تمارس مهنة أستاذة فى الجامعة، فلا يجوز لأستاذة الجامعة أن تتخذ من الرقص شعارًا لها علانية». الحكم إذن ينصب على واقعة رقص الدكتورة، المحكمة تخشى مغبة ذلك فى الحرم الجامعى، وعلى صورة أستاذة الجامعة فى عيون طلابها، «ما يجرح شعور طالباتها، ويمس كبرياء زميلاتها، باعتبارها المثل والقدوة».

قد نختلف فى قراءة الحكم، حسب المرجعية الثقافية، ولكن لن نختلف حول المثل والقدوة التى يمثلها أستاذ الجامعة، ومستوجب الحفاظ على سمت ووقار الأستاذ، واجتناب المشتبهات، فَمَن اتَّقَى الشُّبُهَاتِ.

هناك مهن لها مواصفة وتقاليد كالقضاء مثلا، لا يجافيها القضاة أو يخرجون عليها ألبتة (عدم الصلاحية تنتظرهم)، كذا مهنة التدريس لها قانونها الخاص والإلزامى لمن يمتهنها حفاظًا على كرامتها.

لا أبالغ.. وحتى الرقص كمهنة له آداب ويحكمه قانون، ومن تخرج عن النص تتوقف عن الرقص، وقد يسحب الترخيص.

خلاصته: إذا كانت مهنة الرقص لها قانونها الخاص والإلزامى، فمن باب أولى رعاية التقاليد الجامعية، بالمناسبة ‏Shall We Dance فيلم أمريكى مش مصرى!!.
نقلا عن المصرى اليوم