كتب - محرر الاقباط متحدون
وجه نيافة الانبا مكاريوس اسقف المنيا للاقباط الارثوذكس، رسالة لشعب الكنيسة بمناسبة بدء العام القبطي الجديد 1739ش، جاء بنصها :

ابدأ في كل يوم من الضروري، أن يتعلم الانسان كيف يبدأ من جديد، مهما أمضى من الوقت في الخدمة أو العمل أو الرهبنة أو التكريس أو الكهنوت. لا ينظر إلى الوراء وكم أمضى وكم أنجز، فما مضى قد مضى، وما أُنجِز قد أُنجِز.

ولا يكتفي الإنسان بما حقّقه مهما كان كبيرًا، بل عليه أن يتطلّع إلى الأمام دائمًا، مهما قرأ من كتب ومهما أبدع في مجال، ولهذا فعندما سُئِل أحد الشعراء عن أجمل قصيدة كتبها، أجاب قائلًا: "سلوني بالأحرى عن أحدث قصيدة، أمّا أجمل قصيدة فلم أكتبها بعد!"، ثم أردف أنه لو كان قد كتب أجمل قصيدة لكان معنى ذلك أنه قد انتهى ولم يعد لديه ما يضيفه؛ وهكذا الرسام والمعماري والأديب والواعظ، جميعهم يسعون بقوة لتحقيق الأفضل، يقول القديس بولس: «أسعى لعلّي أدرك...».

كل يوم ومع إشراقة صباح جديد، أنت شخص جديد. أُوتيتً عمرًا جديدًا، فاعمل وكأنك تبدأ لتوّك. لا تشفق على نفسك شفقة كاذبة بأنك تعبت كثيرًا وأنجزت الكثير قائلًا إنه قد حان الوقت لتستريح. أنت أمضيتَ عشرين سنة في الزواج، ولكن هناك من يتزوج الآن وهو في مثل سنك.

تقول إنك تعمل منذ عشر سنوات، وفي المقابل هناك من هو في مثل سنك يتسلّم عمله اليوم. وهكذا في بقية المجالات، إن كنت مجاهدًا وإن كنت طموحًا فتيقّن أنك لم تستخدم إلّا اليسير من إمكانياتك.. فابدأ من جديد، واعتبر أن كل الخبرة السابقة هي الطاقة التي ستبدأ بها. إن كان عمرك عشرين عامًا، فإنك في عامك الجديد تبدأ بخبرة عشرين عامًا، فالعشرون عامًا التي مضت لم تُخصَم من ماضيك، وإنما هي إضافة إلى حياتك الجديدة.

لقد قابلتُ كثيرين يعملون كل يوم وكأنهم يبدأون، يعملون كل يوم كمثل اليوم الذي بدأوا فيه!

تحدث معي أحد الآباء عن أنه في كل يوم يقول لنفسه: "أنا رُسمت اليوم فقط كاهنًا: فماذا عساي أن أقدم للكنيسة؟ ما هي طموحاتي وآمالي؟"، وهكذا الخادم الذي سيتسلّم فصلًا جديدًا هذا الأسبوع، تُرى ما هو الذي سيبدع فيه؟... يقول القديس أرسانيوس: ”يا ربُّ، لا تخذلني فإني ما صنعتُ قدامك شيئًا من الخيرِ، لكن هَبني من فضلِك أن أبدأ في عملِ الخيرِ“.

إن الوقت الذي تقول فيه: "أنا قد أنجزت، وأنا قد أبدعت، وأنا قد تعبت"، هو الوقت الذي تضع فيه نهاية لمسيرتك في العطاء، بينما يقول القديس بولس: «أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ، وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ» (فيلبي 3: 13).

انظروا إلى نيافة الأنبا باخوميوس (أطال الله حياته)، إنه قارب التسعين من عمره، وما زال يصلي القداسات ويقيم الكهنة ويدشن الكنائس ويعظ ويفتقد ويشارك في الفعاليات... وأتذكر كذلك مقولة المتنيح القمص مكسيموس (أحد شيوخ الكهنة المتنيحين): ”سأعمل لآخر نفس يتردّد فيّ، فكل أنفاسي هي مِلك لله أبذلها في خدمته“.

قال أحد القديسين: ”يستطيع الإنسان أن يبدأ من جديد كل يوم إن كان مجاهدًا“.