فتحية الدخاخني
تخلت عنه والدته البيولوجية يوم مولده، وحرمته القوانين من أم احتضنته ومنحته البيت والحب والرعاية أربع سنوات.. إنه الطفل شنودة الذى لم يرتكب ذنبا فى الحياة، لكنه واجه منذ فتح عينيه على الدنيا أبشع صور قسوتها.. طفل فوجئ بموظفين ينتزعونه من حضن الأسرة الوحيدة التى عرفها، ليوضع خلف أسوار دار أيتام، ويتغير اسمه بين يوم وليلة من شنودة إلى يوسف، تحت دعوى أن «فاقد الأهلية مسلم بالفطرة».

شنودة فاروق فوزى بولس، حسب رواية والديه بالتبنى، عثر عليه رضيعا فى حمام كنيسة، وبعد سؤال كاهن الكنيسة سمح للزوجين آمال وفاروق، بتربيته، ليشعر الزوجان أن الله أرسل لهما هدية من السماء بعد أن حرما من الإنجاب خلال 29 عاما، فاستخرجا بحسن نية شهادة ميلاد للطفل باسم شنودة، حتى لا يواجه تنمرًا أو أذى فى حياته جراء عدم معرفة نسبه، وعاش الطفل فى كنف أبوين محبين، أربع سنوات، لكن السعادة لم تستمر، ودمرتها أطماع الميراث التى دفعت أحد أقارب الزوج للإبلاغ عن الواقعة، وطبعا أثبتت التحقيقات عدم نسب شنودة لوالديه آمال وفاروق. لم تنته القصة هنا، بل على العكس كانت هذه بداية المأساة، لينتزع شنودة من حضن والدته، رغم بكائه، وتوسلاتها ويوضع فى دار أيتام.

المبررات التى تم سوقها لانتزاع شنودة من أسرته، ارتبطت حسب الأسرة بقانون يتحدث عن أن «فاقد الأهلية مسلم بالفطرة»، ورغم أننى لم أجد خلال بحثى هذا النص القانونى، غير أن البعض ربطه بالدستور الذى ينص فى مادته الثانية على أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة، وفى تقرير للصحفى نادر شكرى نقل تصريحات عن عضو مجلس النواب الدكتور إيهاب رمزى قال فيها إن «إيداع الطفل فى دار أيتام وتغيير اسمه لا يستند إلى أى نص قانونى أو تشريعى، بل يستند للمزاج الدينى للمسؤولين». ولو صح هذا الكلام فإنه كارثة أكبر من وجود القانون فى حد ذاته.

وفقا لنظام الأسر البديلة الذى بدأت وزارة التضامن تطبيقه عام 1959، فإن من بين شروط إلحاق الأطفال مجهولى النسب بأسرة بديلة أن تكون ديانة الأسرة هى ذات ديانة الطفل، ربما يكون هذا الشرط واضحا فى أطفال فقدوا أسرتهم، بعد سنوات من النشأة عرفوا فيها ديانتهم، لكن لا أعلم كيف يتم تحديد ديانة رضيع عثر عليه فى الشارع مثلا.

وبعيدا عن الجدل القانونى، بشأن التبنى الذى يحظره قانون الطفل رقم 12 لعام 1996، وتبيحه لائحة 38 لتنظيم الأحوال الشخصية للمسيحيين الأرثوذكس، أتساءل، أيهما أفضل لشنودة أن ينشأ فى حضن أسرة تحبه وترعاه، أم يقضى حياته داخل دار أيتام؟، وهنا أطالب المسؤولين فى وزارة التضامن وفى أعلى أجهزة الدولة بإعمال مبدأ مصلحة الطفل فوق كل الاعتبارات الأخرى. ولنجعل قصة شنودة بداية لمناقشة تعديلات تشريعية أوسع، وربما محاولة «تغيير المزاج العام».
نقلا عن المصرى اليوم