أمينة خيري
رحلت الملكة إليزابيث الثانية بعد سبعة عقود من الجلوس على عرش بريطانيا. وأقيمت لها يوم أمس جنازة مهيبة كللت 11 يومًا من الإجراءات والترتيبات المحسوبة بحسابات مفرطة فى الدقة والتنظيم. وعلى هامش الحدث الكبير وما أحاطه من أحداث وردود فعل عديدة، أقول إن مراجعات عصر الملكة أمر طبيعى ومتوقع فى جميع أنحاء العالم. والمراجعات تدور على قدم وساق، سواء فى داخل بريطانيا أو فى شتى بقاع الأرض، لاسيما الدول والمجتمعات التى تأثرت أو ارتبطت أو مازالت خاضعة بشكل أو بآخر للمملكة المتحدة. مصير دول الكومنولث، تركيبة علاقات بريطانيا بالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، تاريخ بريطانيا الاستعمارى، وما شابه من مراحل دموية مازالت عالقة فى ذاكرة المجتمعات، ماسات التاج وأصلها وفصلها، مصير إبقاء العائلة الملكية بعيدًا عن السياسة.

وهو المنهج الذى حافظت عليه طيلة العقود السبعة باستثناءات نادرة، مثل تلميحات أبدتها قبل التصويت على استقلال أسكتلندا فى عام 2014، وكذلك إبان التصويت على «بريكست» أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى عامى 2016 و2019، وطبيعة علاقتها برؤساء الوزراء الذين «عينتهم صوريًا»، سواء كانت متوترة مثل مارجريت تاتشر أو طيبة مثل ونستون تشرشل، وقائمة المراجعات طويلة ومقدر لها أن تستمر وتتفجر بعد استقرار الملك تشارلز الثالث على العرش. وبالطبع ستشتعل المراجعات فى الداخل البريطانى، لاسيما وأن أجواء الموت والرحيل تفرض نفسها، وتسمو الغالبية فى بريطانيا فوق ترهات تقريع المتوفى والطعن فى سيرته حتى لو كانوا من أعتى معارضيه أو أقوى المطالبين برحيله. ملف الملكية برمته سيُطرح للنقاش مجددًا، وهو بالمناسبة ملف يعيد طرح نفسه بين الحين والآخر بين متشبثين بتلابيب الملكية ومطالبين بإنهائها وإعلان بريطانيا جمهورية. وهنا ينبغى الإشارة إلى أنه رغم كل ما يقال عن العائلة الملكية فى بريطانيا وكيف أنها تُحمّل دافع الضرائب البريطانى أموالًا طائلة (بحسب أرقام صندوق «المنحة السيادية»، الصادرة فى يونيو الماضى، كلفت العائلة الملكية البريطانية دافع الضرائب 102.4 مليون جنيه إسترلينى فى عام 2021- 2022)، إلا أن العائلة الملكية البريطانية تشكل مصدرًا رئيسيًا لفخر البريطانيين ببلدهم وهويتهم. كما أن العائلة الملكية مصدر دخل لبريطانيا. ويكفى أن قطاعًا كبيرًا من السياحة القادمة إلى بريطانيا يضع «سياحة العائلة الملكية» على رأس برنامج الزيارة. وعلى هامش وفاة الملكة إليزابيث كذلك بدا من الواضح تمامًا أن «ثقافة العادات والتقاليد» راسخة ومهيمنة، أى أن الحفاظ الصارم على تقاليد العائلة الملكية الموروثة أو «هاوس أوف وندسور» أو «بيت وندسور»، وعمرها يزيد على مائة عام، سبقتها قرون من التقاليد الملكية محمية من قبل قاعدة عريضة من البريطانيين أنفسهم، حتى وإن كانت هناك أصوات متصاعدة تطالب بإلغاء الملكية. أمس دُفنت الملكة، واليوم نقطة ومن أول السطر فى مسيرة «المملكة المتحدة».
نقلا عن المصرى اليوم