صلاح الغزالي حرب
أولًا.. عدم احترام القانون:
بغير احترام القانون لن تقوم لمصر قائمة.. وللأسف الشديد، فقد أصبح ذلك هو القاعدة فى الكثير من الأمور الحياتية، وهذا فى رأيى كارثة أخلاقية واجتماعية تنتقل إلى الأجيال الجديدة كالمسلمات، وهو ما ينبغى أن نتصدى له بقوة إذا كنا نحلم بالجمهورية الجديدة.. والأمثلة كثيرة:

1) الشارع المصرى.. ما يحدث فيه يعكس بوضوح مدى عدم الاكتراث بالقانون من سرعات مخالفة، وعلامات مميزة يضعها البعض على سيارته متوهمًا أنها تُعفيه من سلطة القانون، وكسر الإشارات، وتخطِّى الغير، وإطلاق أصوات الكلاكسات بغير هدف إلا إحداث الضوضاء وإثارة مَن حوله، وتركيب الزجاج الغامق، وعدم استخدام حزام الأمان، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، وغيرها من التصرفات المخالفة التى يعج بها الشارع المصرى.. ناهيك عن عبور المواطن للشارع، فى أى وقت، ومن أى مكان، (وهذه مشكلة مستعصية تقع مسؤوليتها فى أغلب الحالات على مهندسى المرور والإدارة المحلية، الذين من واجبهم توفير منازل ومصاعد وأماكن لعبور المشاة كما هو الحال فى كل الدنيا)، وقد أرسل إلىَّ الصديق العزيز د. أسامة حمدى، الأستاذ بجامعة هارفارد، رسالة غاضبة بعنوان: (أسوأ دعاية للسياحة فى مصر)، يقول فيها: (أخذت بعض أصدقائى من الأمريكان فى جولة بالسيارة فى شوارع وميادين القاهرة، فى زيارتى الأخيرة لمصر لمشاهدة بعض الأماكن السياحية، وليتنى ما فعلت، فلكم أن تتصوروا كم الفزع فى عيونهم وهم يرون أن حياتهم فى خطر، فحولهم تتراقص السيارات مسرعة، وتقطع عليهم الطريق بلا إنذار، فشعروا أنهم قد يلقون حتفهم من هذه القيادة الرعناء، وسألونى: هل توجد لديكم سيارات باترول (patrol) مرور لإيقاف هؤلاء؟، ولماذا لا يلتزمون بحاراتهم، ومَن علّمهم ورخّص لهم القيادة؟!، وسألونى بمرارة وحزن وضيق: كيف بالله عليكم تريدون دخلًا من السياحة إذا أحس السائح أنه غير آمن فى طريقه؟!.. وأنا أسأل: هل سنكتفى بسَنّ القوانين من داخل الغرف المكيفة؟. إن عقوبة رعونة القيادة فى الخارج غرامة ألف دولار والحبس 90 يومًا، وربما سحب ترخيص القيادة نهائيًّا، وهنا نجد المسؤولين يلقون باللوم على الشعب، والشعب بدوره يلقى باللوم على المسؤولين. وللأسف، لم تفلح جميع مبرراتى مع زوار مصر ولا ما قلته عن جمال مصر وعظمتها.. بجد أنا حزين ومتألم ومُحرَج جدًّا)، وانتهت الرسالة.. ولا تعليق.

2) عدم تنفيذ أحكام القضاء.. وهذا ظلم بيِّن يعانى منه الآلاف فى بلادنا من الذين ينتظرون الحصول على حقوقهم، كما أن هناك آلافًا أخرى اختفوا بعد إعلان الحكم عليهم فى قضايا كثيرة، فضاعت أيضًا حقوق الآخرين، وقد ذكرت الصحف مؤخرًا خبرًا سعيدًا بتنفيذ 2 مليون حكم قضائى (!) فى خلال شهر واحد، هو أغسطس الماضى، وهذا الرقم يشير إلى حقيقتين، الأولى أن أعداد الهاربين بالملايين، وهو ظلم لو تعلمون عظيم، والثانية أن هناك صحوة مشكورة ومُقدَّرة من وزارة الداخلية نتمنى لها أن تستمر، فليس أسوأ على الإنسان من الإحساس بالظلم وعدم مقدرته على الحصول على حقه فى وجود القانون، ومن المؤسف فعلًا أن تنفيذ الأحكام الأخيرة شمل كما جاء فى الصحف جميع الفئات من رجال أعمال وتجار وأصحاب شركات ووظائف مرموقة وغيرهم.. والمطلوب بشدة أن تستمر هذه الصحوة لإعادة الحق إلى أصحابه والاحترام والهيبة إلى القانون.

3) الحبس الاحتياطى.. سبق أن طالبت بإجراء تغيير تشريعى فى القوانين المنظمة لقواعد الحبس الاحتياطى، الذى أصبح يمثل عقوبة غير مُقنَّنة على المواطن، وذلك بالمخالفة للدستور فى المادة (65)، التى تنص على أن حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، وكذا المادة (55)، التى تنص على أن كل مَن يُقبض عليه أو يُحبس أو تُقيد حريته يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك إنسانيًّا وصحيًّا.. وعلى أرض الواقع هناك الكثيرون الذين تجاوزت مدة حبسهم احتياطيًّا ما نص عليه القانون، فى الوقت الذى أمر فيه رئيس الدولة بإنهاء هذا الوضع، الذى نتمنى أن يكون سريعًا احترامًا للقانون.

4) التهرب من الضرائب.. وهو من الأفعال التى جرّمها المجتمع والقانون على مر العصور، واعتبرها إحدى جرائم الإخلال بالشرف، وقد صرح رئيس مصلحة الضرائب، فى مارس الماضى، بأن المصلحة قد كشفت عن 17 ألف حالة تهرب ضريبى من خلال تحليل البيانات فى منظومة الفاتورة الإلكترونية فقط.. وللأسف الشديد، فإن هناك أنواعًا وأشكالًا كثيرة من التهرب الضريبى، ومن أهمها الاقتصاد غير الرسمى، الذى يسهم فى الإنتاج المحلى حسب التقديرات الحكومية بما يعادل نحو 40% من ناتج الاقتصاد الرسمى، كما يستولى على نحو 50% من قوة العمل، ولكنه يتسبب فى ضعف إيرادات الدولة الضريبية، حيث يحرم الدولة من حصيلة تُقدر بحوالى 400 مليار جنيه، كما أنه بيئة خصبة لانتشار منظومة القيم السلبية، التى تؤثر على النسيج المجتمعى.. وقد تخطّت نسبة التهرب الضريبى فى مصر حدود 55%، فى الوقت الذى تعتمد فيه الحكومة على الضرائب فى تدبير ما يقرب من 80% من إيرادات الموازنة العامة.. ومن ناحية أخرى، هناك أعداد كبيرة من أصحاب الملايين فى معظم قطاعات المجتمع، الذى تعانى فيه الأغلبية شظف الحياة، مما يحفزنى على المطالبة بفرض ضريبة لفترة محددة تسمى ضريبة المليون مساهمة واجبة لعبور الأزمة التى نمر بها فى هذا الوقت الصعب.

ثانيًا.. مصر'> نادى عيون مصر:
فوجئت بالإعلان عن مصر'> نادى عيون مصر من إحدى الكنائس المصرية تحت رعاية الأنبا رافائيل، وأن فريقه لكرة القدم سوف يخوض مباريات الدورى العام بالدرجة الرابعة، وللأسف، فقد التقى وزير الشباب والرياضة معهم لمناقشة إجراءات إشهار النادى بمحافظة البحيرة، ثم عادت الوزارة وأعلنت رفضها تأسيس نادٍ على أساس طائفى!. وفى حديث تليفزيونى، قال الأنبا رافائيل إن النادى يمثل نوعًا من أنواع الاندماج بين المسيحيين والمسلمين ليتعرفوا على بعضهم البعض وليصبح النادى نموذجًا لنادٍ رياضى لا يفرق بين الغنى والفقير أو أى من نواحى التفرقة!، ورغم غضبى وقلقى الشديد من هذا الحدث، وتفهمى لنوايا الأنبا رافائيل الطيبة، فإننى أشكره على إثارته مسألة التفرقة الطائفية غير المعلنة فى عهد الرئيس السيسى، الذى أكد بكل قوة أكثر من مرة أنه لن يسمح بأى شكل من أشكال التمييز بين أبناء الوطن الواحد، وخاصة فيما يخص الدين.. لذلك أطالب بكل قوة بالآتى:

1) رفض الترخيص للنادى المقترح ولأى نادٍ يقوم على أساس دينى، وتفعيل الدستور المصرى بإلغاء الأحزاب الدينية وكل أشكال التفرقة.

2) مراجعة شاملة ودقيقة لكل أطقم التدريب والإدارة فى كل أندية مصر ومراكز الشباب فى كل المحافظات، واستبعاد كل مَن يعتنق أو يتعاطف مع الفكر السلفى أو الإخوانى- وهم بالفعل متواجدون- للأسف الشديد، وكذلك الحال مع كل البرامج الرياضية والعاملين فيها.

3) التوقف عن كل مظاهر التفرقة الدينية الرياضية، ومنها الدورات الرمضانية، التى ترعاها الجماعات السلفية والإخوانية.

4) على كل شاب أو ولى أمر يشعر بأن هناك تمييزًا دينيًّا فى أى من المراكز والنوادى الرياضية أن يتقدم بشكوى إلى وزارة الشباب والرياضة للتحقق والتحقيق والإعلان عن النتيجة علانية وفى أسرع وقت.

علينا أن نعترف بأن التيار الإخوانى والسلفى لا يزال ينفث سمومه فى أرجاء المحروسة تحت غطاء الدين، والدين منهم براء، وعلينا أن نعترف بتقصيرنا فى التصدى لهم، وقد يكون ما حدث فرصة سانحة لرفع الغطاء عن كل أنواع التمييز الدينى، ويكفينا ما نحن فيه من أزمات تستلزم وحدة الصف، فهل نحن فاعلون؟.
نقلا عن المصرى اليوم