عادل نعمان

 الكثير من إخواننا المتأسلمين لا يمتلكون مهارات الحوار، أو حازوا أدواته وعناصره ومفرداته، ولا يؤمنون بالرأى'>مواجهة الرأى بالرأى أو الحجة بالحجة، أو المجادلة بالتى هى أحسن، وهى مواهب وملكات تحتاج إلى خبرات وإيمان وثقة ربما يقتربون يومًا منها، إلا أنهم بارعون فى التعالى والتكبر وكأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة الفاضلة ليس غيرهم، وقد توهموا أن الخالق قد اختصهم بها وحدهم دون خلق الله لا ينازعهم فيها منازع أو شريك، وهم وحدهم أصحاب الدين والقائمين عليه والفاهمين لأسراره وخباياه، وهم القادرون على فك رموزه وطلاسمه. وهم أسرع خلق الله فى كيل التهم فرادى وجماعات للمخالفين، من هدم أركان الدين، وخلخلة العقيدة عن البسطاء من العوام، وتشويه المفاهيم الدينية، والخروج عن إجماع العلماء، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وصولًا إلى أمهات التهم وهى ازدراء الدين، وحتى يعم الاحتكار ويشمل كل العقول، فقد زعموا أن الدين موقوف عليهم فقط، هم علماؤه وليس غيرهم، وحقهم ولا حق لغيرهم، ولا يتحدث فيه سواهم، وعلى الرعية والعامة السمع والطاعة.

 
ومشكلة الإسلامويين أنهم أحادى الفكر، أو فكر الاتجاه الواحد، والحقيقة أن الحياة متعددة الاتجاهات، والأحداث مرهونة بعصرها وظروفها، وكذلك الأحكام والشرائع، فما كان صالحًا فى الماضى ليس بالضرورة أن يكون صالحًا الآن أو غدًا، والأحكام بطبيعتها ليست مطلقة، بل تتغير من واقعة إلى أخرى ومن زمن لآخر، ومن الأفضل اعتبار الأحكام الخاصة بمعايش الناس وعلاقاتهم الاجتماعية والمعاملات الإنسانية فيما بينهم، كالزواج والطلاق والميراث والقوامة وشهادة المرأة والحدود وغيرها جميعها ليست تشريعا أبديًا، بل صور اجتماعية لحال وحدث وظرف محدد تنتهى بزوال الحدث والظرف والحال، واحتياج الناس والمجتمع إلى تغييرها واستبدالها، وإلا يصبح النص أو الحكم متناقضا مع الواقع ومتخاصما معه إذا اختلف عما كان سابقًا أو تبدل الظرف الاجتماعى، وأصبح كل منهما فى وادٍ لا يتقابلان ولا يلتقيان، ولن يجد الناس حرجًا أو بدًا من التحايل على الحكم والمراوغة للهروب منه أو الابتعاد عنه وعدم تنفيذه، وهذا التهرب وهذا الإفلات منه بصورة أو بأخرى يجعل الحكم فى حال العدم ويضعه موضع النسيان، ونتذكر جميعًا مدى التزام الآباء فى الماضى بعدم التصرف فى ميراثهم حال حياتهم مخافة مخالفة شرع الله، إلا أن الأمر قد اختلف الآن، وبدأ الكثير من الآباء فى توزيع التركة بأى صورة من الصور على البنات، خشية مشاركة الأعمام وأولادهم لحقوقهن، بل وصل الأمر الآن إلى توزيع الميراث بالتساوى بين الذكر والأنثى من الأولاد، إما بالبيع الصورى، أو الهبة أو غيرهما، تحقيقًا لمبدأ العدالة، فهم جميعًا أولاده وحبه، أليس هذا دليل قاطع على أن الحكم على تفسيره القديم لا يحقق القصد أو الهدف كما كان سابقًا، وأصبح الناس فى حاجة إلى تأويل وتفسير جديد، وهو أن هذه الأحكام زمانية وسارت مع الشكل الاجتماعى ردحًا من الدهر حتى تبدلت وتغيرت الصورة، فاستوجب الأمر فهمًا جديدًا صالحًا لزمانه وأحواله.
 
وما كانت أحوال وظروف مكة أو المدينة مكانى البعثة هى أحوال وظروف الناس فى بلاد أخرى، كالصين وبلاد فارس ومصر وبلاد المغرب، فمنها بلاد كانت المرأة ترث كالرجل، وقوامتها من قوامة الرجل، وتقود الدول والجيوش، وتحرر العقود والالتزامات وتعامل معاملة الرجال فى كل أمور الحياة، ولم يكن من الطبيعى أو المعقول أن الأحداث والوقائع التى حدثت فى مكة أو المدينة واستدعت تدخلًا من النبى وحلًا إلهيًا لها وحكمًا وتنزيلًا من عند الله أن تتكرر بذاتها فى بلدان أخرى، حتى تكون الأحكام عامة وأزلية، إلا أن الأحداث والوقائع لا تتكرر على نحو واحد، أو على ذات الشكل والرسمة والألوان حتى نقرر أن النص ثابت هنا كما يجب أن يكون ثابتًا هناك.
 
وآفة المسلمين أنهم أغلقوا باب الاجتهاد منذ زمن، فتحجرت الضمائر، وتكلست العقول، وتجرأ رجال الدين على مصائر العباد، وسلبوا الناس نعمة التفكير، ليس هذا هو الباب الذى أغلقوه فقط، بل باب آخر أوصدوه وأطبقوا عليه وسدوه عن كل الأبواب، وهو باب النقد، حرموه وكفروه ومنعوه وصادروه، بل وقتلوا وصلبوا وحرقوا وقطعوا أطراف من انتقد بتهمة الكفر والازدراء والزندقة، فأطبق الجهل من كل جانب، وتخلفت الأمة من كل اتجاه، وضاقت الصدور بما تحمل من آراء وأفكار، وأصبح الناس كالقطيع فى مسارات المشايخ والفقهاء على عيونهم غشاوة صم بكم عمى لا يعقلون، بل وزاد الأمر سوءًا أن أصبح هذا النهج هو نهج الحكام، فهم أيضًا على دين شيوخهم، وتساندوا وتكاتفوا فضلت الأمة وتخلفت وتأخرت.
 
لسنا معاول هدم، بل نبنى على قواعد علمية، وأساس عقلى متين، كل ما يخالف العقل والعلم نصححه، وكل ما ينفع الناس ويحقق مصالحهم واحتياجاتهم نتحرك معه ونقف فى صفه، وهى إرادة الله لعباده ومشيئته واختياره، وإن كان ضد إرادته ما كان وما ظهر وما بان، وما كان للناس عليه من سبيل «الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم