عادل نعمان

(شرائع الله صالحة لكل زمان ومكان، ولا يشرعها إلا لخير، وهو أعلم بصالح العباد).. نعم أوافقك القول: إذا ما كان تفسيرك وفهمك يتوافق مع مراد الله، وأن ما تدركه من الحكم وما وصل إليه يقينك هو المقصد والمراد الإلهى، ثم ماذا لو تعارض الحكم أو النص مع المصلحة؟ وأيهما يسبق الآخر الالتزام بالنص أو الالتزام بمصلحة وسلامة المجتمع؟ وكنا قد تناولنا، من هذه الزاوية، ميراث المرأة والطلاق والقوامة وضرب المرأة من قبل، وأجد أن التبنى موضوع يحتاج إلى مناقشة بعد قضية «الطفل شنودة».

 
والتبنى كان معمولا به قبل الإسلام وفى صدره أيضا - والتبنى كان للذكور فقط، ولم نسمع قط عن تبنٍ للإناث وقد كان لعلة، ويؤكد هذا على خصوصية الحكم - وكان ينسب «الابن بالتبنى» إلى «الأب المتبنى» حتى لو كان معلوم الأب- فيكون كالابن الشرعى، ويأخذ اسمه وحقوقه كاملة من الرعاية ويشارك فى الميراث كالأبناء من الصلب، والأهم «وهو بيت القصيد» أن زوجة الابن بالتبنى تحرم على المتبنى بعد طلاقها تماما كزوجة ابنه الشرعى، حتى جاء زواج النبى من زينب بنت جحش، زوجة زيد بن حارثة، وكان يدعى زيد بن محمد، وحرم التبنى «كما يزعمون» نتيجة هذا الزواج، واستندوا فى هذا إلى الآيات «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله»، وكذلك «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم».
 
اقرأ المزيد..
وحقيقة الأمر أن الآيات لم تحرم التبنى صراحة كما حرمت مثلا «حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير» وهو ليس بتحريم بل تنبيه أو تحذير ألا يعطى المتبنى اسمه أو لقبه إلى الابن بالتبنى إن كان معلوم الأب، وربما يكون حفظا لحقوق الأطراف الثلاثة، الابن بالتبنى والمتبنى وأولاده الأصليون، وقد كان محرما فى الجاهلية، حتى لا تختلط الأنساب، فلا يجوز أن يكون «المتبنى» هو الجد والأب فى آن واحد «جد أولاد ابنه بالتبنى وأولاده من زوجته إن طلقها وتزوجها» وهو أمر لم يكن مقبولا مجتمعيا، ولذلك فإن «ادعوهم لآبائهم» هو الحل إن كان الأب الأصلى معروفا «وكفى» إلا أن السؤال الأكثر إلحاحا وحرجا: هل هو تشريع لحدث وواقعة محددة؟ والتشريع مرهون بالمقبول اجتماعيا فى حينه، فلا تشريع أو نص نزل كان غريبا عن حياة الناس وعاداتهم، وهو أمر لابد أن ننتبه إليه «التشريع نزل وفقا لعادات الناس وسلوكياتهم، بل معظم ما كان قائما نزل تنزيلا ونصا قرآنيا يتلى» وهذا بيت القصيد «فلو نزلت الرسالة فى مجتمع آخر لكان التشريع متوافقا ومتلازما مع عادات وسلوكيات الناس فى هذا المجتمع الآخر، غير ما نزل وشرع»..
 
ولقد اعتمد الفقهاء أسباب هذا المنع أو التحريم، منها مشاركة الابن من الصلب فى الميراث وهذا ليس حقا له، والثانى تجنب الخلوة مع نساء «المتبنى» ورؤية ما لا يجب رؤيته منهن، إلى هنا «تاهت ولقيناها» وللرد على هذا.
 
واقرأ أيضاً..
فلا مانع أن ينسب الطفل إلى أبيه الأصلى، فإن لم يكن معلوما، ينسب إلى لقب أسرة المتبنى، ويمكن أن ينظم القانون مسألة الميراث بما يحفظ حقوق الورثة الشرعيين، ويضمن معيشة كريمة للمتبنى بالوصية، ونملأ هذا الفراغ العاطفى لأسرة فقدت نعمة الولد، أما الخلوة ورؤية ما لا يجب رؤيته فهذا هاجس ووسواس ووهم لا يصح أن نبنى عليه قاعدة حرمان من يتوق لنعمة الأمومة والأبوة لمن حرموا منها، فضلا عن ضياع الطفولة البريئة تحت أجنحة الليل القاسى والنهار الكاشف لستر خلق الله، أو كارثة دور الأيتام التى فقدت دورها التربوى الأصيل، وعجزت عن تربيتهم، وبالمقارنة بين نتاج دور الأيتام وآثارها وما تدفعه إلى عالم الجريمة والمخدرات والتحرش وبين هذا الهاجس لتوارى هذا الهاجس خجلا وكسوفا من هول ما نراه فى شوارعنا نتاج هذه التربية السيئة، الظالم أهلها، فضلا عن أن الأم هى التى ربت وسهرت وعانت وليس الأم التى ولدت وكذلك الأب والإخوة والأخوات وهو ليس محل شك أو تخوف.
 
ملاحظتان داخل السياق: الأولى أن أطفال المسلمين المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا تتبناهم أسر إيطالية ليست مسلمة دون ضمانة لاستمرارهم على دينهم، الثانية: أن معظم دول العالم تبحث للأطفال «مجهولى النسب» عن أسر بديلة بمقابل مادى يساهم فى تكاليف الأسرة بعيدا عن دور الأيتام والرعاية الاجتماعية ومفاسدها، الأهم عندها هو تربية ونشأة هذا الطفل تربية سليمة دون هواجس أو أوهام، افتحوا أبواب التبنى تحت مظلة القانون، وابحثوا عن الأسر البديلة فهو أسلم وأأمن، والأهم تجنب الفساد.
 
أما عن ديانة الابن بالتبنى «بمناسبة الطفل شنودة» إن كان معلوم الأب فعلى دين أبيه «الذى ورثه» وتعالوا معا إلى ما قاله أبوحنيفة «إذا وجد الطفل فى كنيسة أو بيعة أو قرية من قرى أهل الذمة فهو ذمى»، وأعتذر عن لفظ ذمى «منقول»، أما دين الفطرة وما يستندون إليه، فقد ساقه الفقهاء جبرا وقسرا حين كانت لهم الغلبة والمنعة والسيف وليس تشريعا إلهيا.. أعيدوا شنودة إلى أسرته، فهذا أصلح له وللمجتمع. «الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم