محرر الأقباط متحدون
"أحثكم على أن تغذوا في أنفسكم شغف الأب جوساني التربوي، وحبه للشباب، وحبه للحرية والمسؤولية الشخصية لكل شخص أمام مصيره، واحترامه للفرادة المميزة والتي لا تتكرر لكل رجل وكل امرأة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى أعضاء حركة شركة وتحرُّر
 
التقى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في ساحة القديس بطرس أعضاء حركة شركة وتحرُّر بمناسبة الذكرى المئويّة الأولى على ولادة مؤسسها المطران لويجي جوساني وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال كان الأب جوساني أبًا ومعلمًا، وكان خادماً لجميع المخاوف والمواقف الإنسانية التي كان يواجهها في شغفه التربوي والإرسالي. وتعترف الكنيسة بعبقريته التربوية واللاهوتية، التي تنبعث من موهبة أعطاها له الروح القدس من أجل "المنفعة العامة". وهو ليس مجرد حنين ما يقودنا للاحتفال بهذه الذكرى المئوية، وإنما الذكرى الممتنة لحضوره: ليس فقط في سيرنا الذاتية وفي قلوبنا، وإنما أيضًا في شركة القديسين، من حيث يشفع بأبنائه.أود الآن أن أذكر بعض جوانب شخصية الأب جوساني الغنيّة: موهبته، دعوته كمربي، ومحبته للكنيسة.
 
تابع البابا فرنسيس يقول رجل صاحب موهبة. كان الأب جوساني بالتأكيد رجلاً يتمتع بموهبة شخصية عظيمة، وقادرًا على جذب آلاف الشباب ولمس قلوبهم. يمكننا أن نسأل أنفسنا: من أين أتت موهبته؟ لقد أتت من شيء اختبره بشكل مباشر: عندما كان صبيًا في الخامسة عشرة من عمره، تأثَّر باكتشاف سر المسيح. لقد كان يدرك - ليس فقط بفكره بل بقلبه أيضًا - أن المسيح هو المركز المُوحِّد للواقع كله، وأنه الجواب على جميع الأسئلة البشرية، وتحقيق كل رغبة في السعادة والخير، والحب، والأبدية الحاضرة في قلب الإنسان. ودهشة وسحر هذا اللقاء الأول مع المسيح لم تتركه أبدًا. لقد كان الأب جوساني يجذب القلوب، ويقنعها، ويجعلها ترتدّ لأنه كان ينقل للآخرين ما كان يحمله في داخله بعد تلك الخبرة الأساسية له: الشغف بالإنسان والشغف بالمسيح كإتمام للإنسان. تبعه الكثير من الشباب لأن الشباب يملكون حسًّا كبيرًا. وما كان يقوله كان ينبع من ما كان يعيشه ومن قلبه لذلك كان يلهم الثقة واللطف والاهتمام.
 
أضاف الأب الأقدس يقول الجانب الثاني: الأب جوساني المربي. منذ السنوات الأولى من خدمته الكهنوتية، وإزاء الضياع والجهل الديني للعديد من الشباب، شعر الأب جوساني بالحاجة الملحة لأن ينقل إليهم اللقاء بشخص يسوع الذي كان قد اختبره هو بنفسه. كان لدى الأب لويجي قدرة فريدة على إطلاق البحث الصادق عن معنى الحياة في قلوب الشباب، وعلى إيقاظ رغبتهم في الحقيقة. كرسول حقيقي، عندما كان يرى أن هذا العطش قد اشتعل في الشباب، لم يكن يخاف أبدًا من أن يقدم لهم الإيمان المسيحي. ولكن بدون أن يفرض أي شيء أبدًا. لقد ولّد نهجه العديد من الشخصيات الحرة التي اتّبعت المسيحية بقناعة وشغف، وليس بدافع العادة، أو من منطلق التطابق، وإنما بطريقة شخصية وخلاقة. كان للأب جوساني حساسية كبيرة في احترام شخصية كل شخص وتاريخه ومزاجه ومواهبه. لم يكن يريد أشخاصًا متشابهين فيما بينهم ولم يكن يريد كذلك أن يقلده الجميع. وهؤلاء الشباب في الواقع، فيما كانوا يكبرون، أصبحوا، كل بحسب ميوله الخاصة، حضورًا مهمًا في مختلف المجالات، في الصحافة، في المدارس، في الاقتصاد، في الأعمال الخيرية وفي التعزيز الاجتماعي. هذا، أيها الأصدقاء، هو إرث روحي عظيم تركه لكم الأب جوساني. وأنا أحثكم على أن تغذوا في أنفسكم شغفه التربوي، وحبه للشباب، وحبه للحرية والمسؤولية الشخصية لكل شخص أمام مصيره، واحترامه للفرادة المميزة والتي لا تتكرر لكل رجل وكل امرأة.
 
تابع الحبر الأعظم يقول الجانب الثالث: ابن الكنيسة. كان الأب جوساني كاهنًا يحب الكنيسة كثيرًا. وحتى في أوقات الضياع والمعارضة الشديدة للمؤسسات، حافظ دائمًا بثبات على أمانته للكنيسة، التي كان يحمل لها محبة كبيرة، وفي الوقت عينه احترامًا كبيرًا، لأنه كان يؤمن أنها استمرارية المسيح في التاريخ. لقد علّم الأب جوساني أن يكون لدى المرء احترامًا وحبًا بنويًا للكنيسة، وبتوازن كبير، عرف دائمًا كيف يحافظ على الموهبة والسلطة معًا. لقد كان جوساني يقول، مستخدماً تشبيه الدرب: "إنَّ السلطة تضمن الدرب الصحيح، والموهبة تجعل الدرب جميلاً". بدون سلطة، نحن نخاطر بالضلال والسير في الاتجاه الخاطئ. لكن بدون الموهبة هناك خطر بأن تصبح المسيرة مملة، وتفقد جاذبيّتها لأناس تلك اللحظة التاريخية. بينكم أيضًا، يشغل البعض مهمّة السلطة والإدارة من أجل خدمة الآخرين وتحديد الدرب الصحيح. وهذا يتمثل، بشكل ملموس، في توجيه الحركة وتمثيلها، وتعزيز تنميتها، وتنفيذ مشاريع رسولية محددة، وضمان الأمانة للموهبة، وحماية أعضاء الحركة، وتعزيز مسيرتهم المسيحية وتنشئتهم الإنسانية والروحية. لكن إلى جانب خدمة السلطة، من الجوهري أن تبقى الموهبة حية في جميع أعضاء الأخوية، لكي تحافظ الحياة المسيحية دائمًا على سحر اللقاء الأول. هذا ما "يجعل الدرب جميلاً". وهكذا تساهم الحركات الكنسية، بمواهبها، في إظهار الطابع الجذاب وحداثة المسيحية. ويعود الأمر لسلطة الكنيسة في أن تشير بحكمة وفطنة إلى المسار الذي يجب على الحركات أن تسلكه، لكي تبقى أمينة لنفسها وللرسالة التي أوكلها لها الله.
 
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الأعزاء، أحبوا الكنيسة على الدوام. أحبّوا وحافظوا على وحدة جماعتكم. لا تسمحوا بأن تُجرح أخويتكم بالانقسامات والمعارضات التي تلعب لعبة الشرير. حتى اللحظات الصعبة يمكنها أن تكون لحظات نعمة وولادة جديدة. لنشكر الرب معًا على عطيّة الأب جوساني. ولنطلب الروح القدس وشفاعة العذراء مريم، لكي تواصلوا جميعًا، متحدين وفرحين، على الدرب الذي أظهره لكم بالحرية والإبداع والشجاعة. أبارككم من صميم قلبي. ورجاء لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.