كتب - محرر الاقباط متحدون 
 
هل لجأت يوماً الى المهندس البديل وأنت تبني بيتاً وقلت له أريدك أن تبنيه بدون أسمنت أو حديد أو خشب ،وابتعد تماماً عن صداع قواعد الهندسة والبناء والنسب والأبعاد والأحمال ..الخ ؟ .
 
هل ذهبت يوماً للمحامي البديل وأخبرته بأنك تريد رفع قضية أمام جهة غير المحاكم ؟ في الملاهي مثلاً!! هل استخدمت الفيزياء البديلة أو الكيمياء البديلة أو علم الجيولوجيا البديل ؟ هل علماء ناسا قرروا استخدام التنجيم وقراءة الطالع وفتح الكوتشينة وقراءة الفنجان كعلم فلك بديل تمسكاً بالتراث وهم يطلقون أبوللو للقمر ؟!! بالطبع لا .
 
 السؤال المحير والعجيب والمدهش ،لماذا الطب هو العلم الوحيد المستباح الذي تطلبون له بديلاً ؟ وتتأففون من أساليبه وطرقه وآلياته ،ويظل كل منكم يتحسر على الزمن الماضي ، زمن شربة الشيخ علي والكي والفصد والحجامة والبشعة والرقية الشرعية وخلطة البردقوش وعصير حبة البركة..الخ ،وكأنها هي المعجزات التي عالجكتم من الأمراض وأنقذتكم من الأسقام ، ألم تسألوا أنفسكم يا من تلطمون الخدود وتشقون الجيوب حزناً على الطب البديل ،من الذي أنقذكم من وباء فيروس سي ،هل هو الطب البديل أم السوفالدي؟ من الذي أنقذ أطفالكم من مصير شلل الأطفال المؤلم ،هل هو لقاح شلل الأطفال أم الطب البديل ؟.
 
 من الذي جعل الأطفال المرضى بالسكر من النوع الأول يستكملون حياتهم ولا يموتون في عمر الزهور ،هل هو الطبيب الكندي أم الطبيب البديل ؟!!هل عندما تداهم أحدكم ذبحة صدرية ،هل يلجأ للحجامة أم للقسطرة؟ هل عندما اجتاحت الكورونا العالم لجأوا الى الطب البديل أم استخدموا لقاحات معامل فايزر وأسترازنيكا ؟.
 
 ألف سؤال وسؤال يجعل من المتمسكين بوهم الطب البديل أصحاب بيزنس يتحصنون بخرافة ويدافعون عن ضلالات ، الطب طب واحد ، ومنهجه الحديث الذي يتبعه العالم كله هو الطب القائم على الدليل ، لم يعد الأمر "جهجهون" وعشوائية وفوضى ، لم يعد الطب مجرد طبيب سارح في الملكوت يستيقظ صباحاً ليعلن على العالم من سريره أنه قد اخترع دواء أو علاجاً لمرض كذا ، بل أصبح هناك مراحل وترتيبات لتجربة دواء واعلانه ، صارت هناك مؤتمرات علمية لابد أن تقدم فيها الورقة البحثية وتدور مناقشات حولها ، صارت هناك مجلات علمية محكمة تقرأ البحث وتفنده بعيون مختلفة من بلاد مختلفة ويقتلونه بحثاً وتفنيداً ونقداً ، هذا هو الطب ومنهجه الحديث الذي جعل متوسط الأعمار يزيد ونسب وفيات الأطفال تقل وألاف الأمراض تعالج بمجرد مضاد حيوي أو حقنة هورمون أو منظار جراحي ، لم يعد مسموحاً بأن تجرب على بني آدم وتشرط له ظهره بالموس وتخدعه بأنك تزيل الدم الفاسد ، وليس هناك أكثر فساداً من أفكارك المزيفة التي تخدع بها المريض ،لأنك تعرف جيداً أنه لايوجد في الطب مصطلح اسمه الدم الفاسد ، وماتفعله حضرتك ليس له الا اسم واحد في القانون وهو احداث جرح عمدي في مريض بدون ضرورة طبية أو أساس علمي ،لم يعد مقبولاً أن يتناول المريض أعشاباً في انتظار السحر المجهول ، وتعطله عن تناول علاجه الصحيح في توقيته الصحيح ، لم يعد مقبولاً أن تمارس الدجل الطبي تحت أي لافتة ،دينية كانت أو اجتماعية أو سياسية ، المدهش هي الشيزوفرينيا التي نعيشها ، كليات طب لاتدرس هذه الأوهام لأنها بالفعل أوهام ، وشارع يكتب على الحوائط أرقام تليفونات الحجامين وتجار برطمانات الكركمين والبردقوش ومسحوق الهدهد اليتيم، وقنوات تليفزيونية تروج لهم !! بل ووصل الأمر أن يفتح خريج كلية زراعة عيادة تحت اسم الطب البديل ، وأن يدير مدرس ألعاب مركزاً أو وكراً للطب البديل ،وأن يدعي من لم يمر على كلية طب من أصله أنه حاصل على دكتوراه الطب البديل من جامعة الاسكيمو!! وأن تكتب روشتات وتصرف من صيدليات وعليها توقيع فلان رائد الطب البديل أو علان أسطورة الحجامين بهارفارد !!.
 
كم من الجرائم ترتكب باسم هذا الطب الوهمي البديل ،مطلوب وقفة تصدي وتحدي وبتر حاسم لتلك الظاهرة التي تقتل العقل المصري وتتاجر في ألام المرضى المصريين وتستغل قلة الوعي في تمرير وتنفيذ أبشع الجرائم.