بدأت كنائس الروم الأرثوذكس، صيام عيد الميلاد المجيد، في 15 نوفمبر الماضى، فيما تحتفل بالعيد في  25 ديسمبر خلال 10 أيام، وفق التقويم الغربي، وقد بدأت الكنيسة الكاثوليكية، الصيام 9 ديسمبر الماضى وتحتفل أيضًا 25 ديسمبر، أما الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فقد بدأت الصيام فى  25 نوفمبرالماضى بينما الاحتفال بالعيد 7 يناير، بعد صيام 43 يومًا، أما الكنيسة الإنجيلية، لا يوجد صيام بها ولكنها تحتفل بعيد الميلاد يوم 6 يناير المقبل.

واختلفت الكنائس في بدء صوم الميلاد، وتاريخ الاحتفال، ويعود الاختلاف للتقويم المتبع في الكنائس، فمنهم من يتبع التقويم الغربي وآخر الشرقي، فيما تتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التقويم القبطي، ولكن مدة الصيام لا ترتبط بالتواريخ أكثر منها طقس وعقيدة لدى الكنائس.

وتاريخيا لم يبدأ الاحتفال بعيد الميلاد كعيد مستقل إلا في القرن الرابع الميلادي، فلم  تذكر القوانين الكنسية القديمة شيئا عن صيام الميلاد،  ولكنها ذكرت فقط الاحتفال بعيد الميلاد، بحسب بحث للأب يوحنا زكريا نصرالله راعي كنيسة السيدة العذراء، نشره الموقع الرسمي لكنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، وتقول الدسقولية - القوانين الكنسية - : "يا أخوتنا تحفظوا فى أيام الأعياد التى هى ميلاد الرب وكملوه في خمس وعشرين من الشهر التاسع الذى للعبرانيين وهو التاسع والعشرون من الشهر الرابع الذى للمصريين، ومن بعد هذا فليكن جليلا عندكم عيد الأبيفانيا (أى عيد الظهور) ، وتعملوه فى اليوم السادس من الشهر العاشر الذى للعبرانيين الذى هو الحادى عشر من الشهر الخامس الذى للمصريين".

كيف نشأ صوم الميلاد في الغرب؟
يقول الآب يوحنا زكريا نصرالله راعي كنيسة السيدة العذراء، فى بحث له نشره الموقع الرسمي لكنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، انتشر ما بين القرن الرابع والقرن السادس الميلادى، الحديث عن صوم يسبق الاحتفال بعيد الميلاد ، مدته أربعون يوما، ويسمى "أربعينية الميلاد" ويكون الصوم فيه ثلاثة أيام فى الأسبوع، غالبا أيام الإثنين والأربعاء والجمعة .

ويقول القس كيرلس كيرلس كاهن كنيسة الشهيد مارجرجس القبطية الأرثوذكسية، بخماروية، فيلا شبرا، في كتابه: "أصوامنا بين الماضى والحاضر": "في الحقيقة لا توجد مصادر أخرى تشير إلى ممارسة الصوم ستة أسابيع قبل عيد الميلاد، إلا عند غريغوريوس أسقف تورس ، وكان  الصوم فيها أيام الاثنين والأربعاء والجمعة فقط،  كما كانت فرنسا هي بداية وأصل هذه الأسابيع الستة التي تصام قبل عيد الميلاد والتي رتبت في القرن السادس لتتشابه مع الصوم الكبير.

أصوامنا بين الماضى والحاضر أصوامنا بين الماضى والحاضر
 
كيف نشأ صوم الميلاد في الشرق؟
أول من فرض صوم الميلاد بصفة رسمية في الشرق هو البابا خريستوذولس البطريرك الـ66  من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (1046- 1077)، فى قوانينه التى حدد بها الأصوام المفروضة، حيث قال: "كذلك صوم الميلاد المقدس من عيد مار مينا في خمسة عشر يوما من هاتور إلى تسعة وعشرين يوما من كيهك، وإن وافق عيد الميلاد الشريف يوم الأربعاء أو يوم الجمعة، فيفطروا فيه ولا يصوموا بالجملة، وكذلك عيد الغطاس المقدس فى الحادى عشر من طوبة، وإن اتفق يوم أربعاء أو يوم جمعة فيفطروا فيه أيضا ولا يصوموا، وإن وافق العاشر من طوبة الذى فيه صوم الغطاس أن يكون يوم سبت أو يوم أحد فلا يصام بالجملة بل يصوموا الجمعة الذي قبل ذلك عوض ليلة الغطاس".

ويذكر ابن العسال – من أشهر المؤرخين الأقباط في القرن الثالث عشر-  عن صوم الميلاد قائلا فى كتبه: "ومنها ما هو دون ذلك وأُجري مجرى الأربعاء والجمعة، وهو الصوم المتقدم للميلاد، وأوله أول النصف الثاني من هاتور وفصحه يوم الميلاد"، فيما يشير ابن كبر من أشهر المؤرخين والفلاسفة الأقباط في القرن الثالث عشر إلى صوم الميلاد بقوله :"وكذلك صوم الميلاد الذي أوله 16من هاتور وقيل الحادي والعشرين لتمام أربعين يوما".

أما يوحنا ابن أبي زكريا ابن السباع هو أحد أشهر المؤرخين الأقباط في القرن الثالث عشر، في كتابه "الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة" يعلل سبب الصيام بقوله: "صوم الميلاد المجيد سببه هو أن السيدة الطاهرة أم النور مريم البتول كانت في الشهر السابع ونصف من حملها الطاهر بالبشارة المملؤة خلاصا للعالم ، قد كثرت تعييراتها من يوسف النجار وغيره بكونها كانت تدعي البكورية وقد وجدت حبلى ، فكانت تتفكر دائما في التعيير ، ولذا صامت شهرأ ونصفأ باكية حزينة على ما تسمعه من التعيير لأنها أيضا لم تعلم ما ستلده ، فنحن بما أنه ليس لنا في مذهبنا واعتقادنا وكنيستنا سوى هذه الأصول وهذه الأعمدة الثلاثة التي هي السيد له المجد والسيدة الطاهرة مريم والآباء الرسل . فصام السيد فقد صمنا امتثالا لتعاليمه لنا صامت السيدة شهر ونصف (في كيهك) صمنا مثلها".

قرار بابوي بصيام الميلاد 28 يوما
أمر البابا غبريال الثامن (1587- 1603) البطريرك السابع والتسعون من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى قراراته التي سنها بخصوص تعديل الأصوام التى صدرت فى سنة 1602: "أن يُبتدئ صوم الميلاد من أول شهر كيهك ويكون فصحه عيد الميلاد"، أي تكون مدته 28يومأ فقط ، بحسب بحث  القس يوحنا زكريا نصرالله، راعى كنيسة السيدة العذراء بجزيرة  الخزندارية في طهطا ونشره الموقع الرسمي لكنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك.

فرض الصيام على الشعب فى القرن الـ 11
ويقول القمص يوحنا سلامة مؤلف سلسلة كتب "اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة": قد ذهب البعض إلى القول إن هذا الصوم كان خاصا في مبدئه بالطغمة الإكليريكية ، ولاشتهاره واستعمال أغلب المسيحيين القدماء إياه ، ورغبة في اكتساب فوائد الصوم رتبه بصفة رسمية الأنبا خرستوذولس  البطريرك 66 بالكنيسة القبطية  - القرن 11- وجعله فرضا عاما على جميع أفراد الكنيسة.

متى أصبح الصيام 43 يوما بالكنيسة الأرثوذكسية
يقول القس كيرلس كيرلس كاهن كنيسة الشهيد مارجرجس القبطية الأرثوذكسية، بخماروية، في شبرا، في كتابه: "أصوامنا بين الماضى والحاضر": “صوم الميلاد بوضعه الحالي أدخله الأنبا خرستوذولـس البطريـرك الـ 66 في القرن الحادي عشر عن الغرب حتى يتشابه في عدد أيامه مع الصوم الكبير، و أضيف إليه ثلاثة أيام الصوم لنقل جبل المقطم وأصبح 43 يوما ، ولكن خرستوذولس لم يذكرها في قوانينه ، ولم يصم أهل الصعيد للميلاد إلا من أول كيهك (28يومأ ) ، وثبته البابا غبريال الثامن على هذا الوضع .

 مدة صوم الميلاد
منذ أن عُرف هذا الصوم، واستقر الرأى على أن تكون عدد أيامه أربعين يوما حتى يماثل في عدده الأربعين المقدسة، أضافت إليها الكنيسة القبطية الثلاثة أيام التي صامها الأنبا ابرآم بن زرعه السريانى (975-978) – البطريرك “62” من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – والشعب القبطي معه قبل معجزة نقل جبل المقطم ، فصار صوم الميلاد في الكنيسة القبطية 43يومأ ، عدله البابا غبريال الثامن كما رأينا وجعله 28يومأ فقط، إلا أن الكنيسة عادت بعد وفاته إلى المدة المحددة سابقا 43 يوما ، بينما ظل في باقي الكنائس أربعين يوما فقط.