اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار نياحة قداسة البابا متاؤس الأول الـ ٨٧ (٥ طوبة) ١٣ يناير ٢٠٢٣
في مثل هذا اليوم تذكار نياحة البابا القديس متاؤس الأول الـ ٨٧. قداسه البابا متى المسكين وكان هذا البابا القديس الطاهر من بلدة صغيرة تسمى بنى روح التابعة لولاية الأشمونين قديمًا -مركز ملوي حاليًا في صعيد مصر- وتربى في مكتب البلدة حيث حفظ المزامير والمردات وتعلّم القراءة والكتابة - وقد عهد إليه والده منذ طفولته بالقيام بمهام رعي الغنم في بيته وإن الله المظهر عجائبه في قديسيه أظهر في هذا الطفل منذ حداثته أعمالًا عجيبة في الرعاية، فعندما كان يقف ليلعب مع الأطفال كان يضع يده على رأس كل واحد من الأطفال ويقول "أكسيوس أكسيوس أكسيوس" ثلاث مرات وكان يرسم جماعة منهم قسوس وآخرين شمامسة حتى كانت والدته المباركة تعجب لذلك وتشير إلى الجمع قائلة: إن ابني هذا لابد أن يصير بطريركًا: متنبئة بذلك بإلهام إلهي. وصار يمارس هذه الأعمال في صغر سنه إلى أن بلغ عمره أربع عشرة سنة حينئذ ترك بيت أبيه ومضى إلى أحد أديرة الصعيد [دير أبي فانا في سنة 1350 م وبقى فيه حتى 1354 م وعمل راعي غنم كعادته وكان لا يلبس على جسده ثوبًا بل كان يكتفي بعباءة وحبل على حقوية وكان -مع تحقيره لنفسه في ملبسه وإنكار ذاته بهذه الصورة- ذا شجاعة نادرة وقوة شديدة حتى إنه من عظم شجاعته كان الرعاة الذين يكبرونه سنًا إذا رصدتهم الضباع في الليل للسطو على أغنامهم ولا يقدرون على مقاومتها يمتحنوا هذا الأب في شجاعته فيبعثونه إلى تلك الضياع، فكان إذا دنا منها وصرخ فيها تفر منه وتجري هاربة فكان الرعاة يندهشون من عظم شجاعته وسرعة إقدامه

ورُسم قسًا وهو ابن ثماني عشرة سنة. فلما ذاع خبر الرسامة ووصل إلى مسامع أبيه الروحي القمص أبرآم الفاني (من دير أبي فانا) قام في الحال وقابل الأسقف معترضًا على تصرفه قائلًا: كيف جسرت يا أبانا وكرست صبيًا شابًا راعيًا للغنم قسًا وهو ابن ثماني عشرة سنة؟ فأقنعه الأسقف بأن الشاب يستحق أن يكون بطريركًا لما كان يعلمه عن أحوال هذا القس الذي كان في مدة أقامته عند الأسقف يصوم في زمن الصيف يومين يومين وفي زمن الشتاء ثلاثة ثلاثة.

ولما نظر القس متى ما وقع من النزاع بسببه مضى إلى جبل القديس أنطونيوس (حوالي سنة 1254 م.) واختفى في الدير ولم يُظْهِر لأحد أنه كاهن. وكان في خدمته في الكنيسة يعمل كشماس بسيط حيث لم يشأ أن يعلم أحدًا أنه قسيس كاهن ولكن إرادة الله هي فوق كل إرادة إذ حدثت معجزة بسبب تنكره هذا ففي أثناء الخدمة في البيعة خرجت يد من الهيكل وأعطته البخور ثلاث دُفعات عند قراءة الإنجيل ثم غابت عنه فلما نظرها بعض شيوخ الرهبان القديسين ومنهم الأب القديس مرقس الأنطوني وتحققوا قالوا إنه لابد أن يصير هذا بطريركا فلما سمع هذا الكلام منهم حزن جدًا وقام وخرج من الدير وذهب إلى مدينة أورشليم وسرعان ما اشتهرت قداسته فرجع مرة أخرى إلى دير الأنبا أنطونيوس.

وكانت قد صدرت أوامر الوالي بمصر بمعاقبة الرهبان بالأديرة فلما جاء الجنود قبضوا على الأب متى وضربوا الأب مرقس الأنطوني عوضًا عنه، ثم أراد القائد أن يأخذهم إلى مصر وفي الطريق اشتد بهم العطش ورفض القائد إعطاءهم ماءً فصلى الطوباوي مرقس ورفع وجهه إلى السماء، فانفتحت وهطلت الأمطار ، وامتلأت الأودية، وشربوا جميعهم، ومن كثرة الأمطار أصبح السير مستحيلًا فنزلوا يستريحون فإذا برسول من عند الوالي يوافيهم بخبر خلاصهم وعودتهم إلى الدير فتعجب القائد وندم على عقابهم ولم يمكث الأب متى بالدير إلا قليلًا ثم أخذ أذنًا من الأب الطوباوي مرقس الأنطوني ومضى إلى دير المحرق حوالي سنة 1366 م. وكان له فيه أعمال مباركة، كانت سبب خير للدير إلى إن اختير بطريركًا سنة 1378 م.

ولما انتقل البابا غبريال الرابع البطريرك (٨٦) في 28 أبريل سنة 1378 م الموافق 3 بشنس سنة 1094 ش وأصبح الكرسي بعده خاليًا نحو ثلاثة أشهر فقام جماعة من الشعب يبحثون عمن يصلح للبطريركية من الرهبان لترشيحه إلى أن استقر رأيهم على سؤال القس متى أن يصير بطريركًا عليهم فرفض واختفى عن الأعين ونزل في مركب للإبحار إلى الجهات القبلية إلا أن الطبيعة عاكسته بإرادة الله وأثناء البحث عنه أتى طفل بإلهام إلهي وكان صغير السن فدلهم عليه قائلًا: إنه مختبئ في باطن المركب. فأسرع الشعب إليه وأخرجوه. ولم علم أنه لا خلاص من أيديهم حينئذ سألهم بإلحاح أن يشاور آباءه الشيوخ في جبل القديس أنطونيوس الذين أشاروا عليه ألاَّ يهرب مما رسم الرب له، بل يستعد ويقبل الخدمة كبطريرك.

وبعد ذلك أمسك به الشعب وأعضاء المجمع المقدس ليرسموه بطريركًا في اليوم الأول من شهر مسرى سنة 1094 ش الموافق 25 يوليه سنة 1378م في مدينة الاسكندرية مقر كرسيه باسم البابا متاؤس الكبير البطريرك (٨٧) وكمَّلوا جلوسه بطريركًا في اليوم السادس عشر من شهر مسرى لمحبته في ذلك اليوم الذي هو يوم تذكار سيدتنا العذراء والتي كان يحبها ويحتمي بها ويلجأ إليها في كل حين.

وكان البابا متاؤس فضلًا عما اتصف به من فائق الرحمة في إعانة المساكين والرهبان والراهبات، لا يتعاظم قط ولا يتكبر، لأنه حاز مع الرحمة فضيلة الاتضاع. وكان إذا دعته الضرورة يعمل مع الفعلة والعمال معاجن الطين وينزح مراحيض البيعة -التي كان هو فيها مع العلمانيين- وكان يحمل القلال من (التراسين) وكان يقوم أيضًا ليلًا ويتبع سير الحمير التي كانت تحمل الغلال وكان مع هذا كله لم ينحط قدره ولم تذهب عنه هيبته بل ازداد مجدًا ووقارًا في أعين الناس. ووّجه اهتمامه منذ أن اعتلى الكرسي إلى الصلاة بدون فتور، فصار عندما يسمع دقات الجرس الذي ركَّبه ينهض للصلاة في أوقاتها مع استمرار في ممارسة فضيلة الصوم.

بالإضافة إلى المواهب التي أعطاها له الله من إخراج الشياطين وشفاء الأمراض المستعصية فقد منحه الله موهبة إقامة الموتى ومما يذكر أن إنسانًا كان يعمل فاعلًا في عمارة قديمة في بيعة السيدة العذراء بحارة زويله فسقط هذا الفاعل أثناء العمل من فوق السقالة على الأرض وكان حاملًا حجرًا ثقيلًا فلما وقع نزل على جسده ذلك الحجر وطبق أضلاعه فمات، وقصد رفقاؤه أن يتركوه مكانه ويهربوا، فلما سمع البابا بهذا الحادث -حيث كان يقيم وقتئذ في هذه البيعة- لم يمكَّن رفقاء الفاعل من الهرب، وقام عليهم قائلًا: اسكتوا ولا تقولوا إن الفاعل قد مات لأنه لم يمت وأنا أضمن لكم من مراحم السيد المسيح أنه حي فحمله أربعة ووضعوه كأمر البابا أمام صورة السيدة العذراء مريم صاحبة البيعة ثم غطاه بوزرته نحو ثلاث ساعات من النهار إلى التاسعة، وطلب قليلًا من الماء الساخن وصلى عليه وغسل به أعضاء العامل فكان كلما غسل عضوًا من أعضاء هذا العامل يتحرك لساعته إلى أن قام حيًا بشفاعة صاحبة الشفاعات والدة الإله فلما نظر رفقاء العامل والحاضرون ما حدث مجدوا الله. وكان إذا وضع وزرته على أحد المرضى ويذهب ليسأل السيدة العذراء له ويعود ويكشف عنه الوزرة يجده قد شفى من مرضه تمامًا. وهكذا كان يصنع الرب على يد البابا القديس، المعجزات والعجائب كقوله: "أكرزوا قائلين إنه قد اقترب ملكوت السموات. اشفوا مرضى أقيموا موتى اخرجوا شياطين. مجانًا أخذتم مجانًا أعطو" (مت 10: 7-9).

وتنيح البابا متاؤس الأول نياحة القديسين الأبرار، وقبل وفاته دعا تلاميذه وأولاده الروحيين وأبناءه المختارين وأعلمهم بقرب ساعة انتقاله ثم أرسلهم في تلك الساعة وأحضروا له جميع ما يحتاج إليه لتكفينه ثم أوصاهم أن يتركوه ملفوفًا في أكفانه الصوف ولا يخرجوه عن تقليد الرهبان قط فيدفنوه كراهب بسيط متواضع القلب، وأكد عليهم أن لا يدفنوه إلا بين أولاده الراقدين داخل الخندق (كنيسة الأنبا رويس الأثرية حاليًا) ثم بعدما أوصاهم بهذا باركهم وودعهم ثم أمرهم أن يغطوه بوزرته ويتركوه وحده. وهكذا في الساعة التي غطوه فيها أسلم الروح في الهجعة الأولى من ليلة الاثنين الخامس من شهر طوبة سنة 1125 ش الموافق 31 ديسمبر سنة 1408 م وكان عمره يومئذ حوالي سبعين سنة قضى منها ثلاثين سنه وخمس شهور على الكرسي المرقسي.

وكان الاحتفال بجنازته عظيمًا حيث حضره جمع غفير من كل الطوائف. وبعدما دفنوه أظهر الله منه للمؤمنين آيات وعجائب كثيرة كانت بعد انتقاله أكثر مما كانت في حياته
بركه صلاته تكون معنا آمين..
ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين..