( 1905- 1994 )

إعداد / ماجد كامل
يعتبر الأب جورج شحاتة قنواتي ( 1905 – 1994 ) واحدا من أهم المفكرين المصريين الذين اثروا الفكر والثقافة في مصر والعالم العربي  في مجال  فلسفة العصور الوسطي والتراث العربي عموما  . اما عن الاب قنواتي نفسه ؛ فلقد ولد في  6 يونية 1905 بمدينة الاسكندرية ؛ وتعلم في مدارس الفرير ؛ ثم درس الصيدلة  بجامعة القديس يوسف للاباء اليسوعين ببيروت  كما درس الكيمياء بجامعة ليون بفرنسا ؛ ثم عاد الي الاسكندرية عام 1929 حيث  مارس مهنة الصيدلة والكيمياء لعدة سنوات ؛ ثم التحق بجامعة الدومنيكان ببلجيكا حيث تخصص في الفلسفة  واللاهوت ؛ حتي حصل علي درجة الدكتوراة فيهما ثم عاد إلي مصر ؛ وعمل بدير الاباء الدومنيكان بالقاهرة وأصبح مدير لمعهد الدراسات الشرقية بالدير ؛ ورئيس تحرير الدورية الخاصة بالدير ؛ كما عمل عضوا في العديد من اللجان العلمية داخل مصر وخارجها ؛ومحاضرا بالعديد من الجامعات الاوربية والعربية ؛ وترأس عدة لجان علمية منها ( لجنة الفلسفة والاجتماع بالمجلس الأعلي للثقافة – لجنة تحقيق كتاب الشفاء لابن سينا – لجنة تحقيق كتب ابن رشد ) كما أوفدته الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للبحث في مخطوطات ابن سينا وابن رشد  . كما كان عضوا في المجلس البابوي للثقافة بالفاتيكان ؛ وشارك في اجتماعات المجمع المسكوني الثاني بالفاتيكان خلال الفترة من ( 1960- 1964 ) ؛ كما كانا مسئولا عن تحقيق كل الدراسات الخاصة بالدين والفلسفة في "الموسوعة العربية الميسرة " التي أشرف عليها المؤرخ الراحل الكبير محمد شفيق غربال (     1894- 1961 )  كما أنتدب فترة لتدريس مادة تاريخ الصيدلة بجامعة الإسكندرية  ؛ ولقد أستمر الاب قنواتي في الكتابة والتأليف وإلقاء المحاضرات حتي توفي في 28 يناير 1994 عن عمر يناهز 89 عاما .

ولقد أثري العالم الكبيبر المكتبة العربية بالعديد والعديد من الكتب والمؤلفات القيمة نذكر منها في حدود ما تمكنت من التوصل  اليه :-
1- المسيحية والحضارة العربية ( ولنا عودة تفيصيلية  إليه بعد الانتهاء من عرض قائمة مؤلفاته )
2- مؤلفات ابن رشد .
3- تحقيق كتاب الشفاء لابن سينا ؛ تصدرير وراجعة إبراهيم بيومي مدكور ؛ تحقيق الأب جورج قنواتي والدكتور سعيد زايد .
4- تاريخ الصيدلة والعقاقير في العهد القديم والعصر الوسيط .
5- فلسفة الفكر الديني بين الاسلام والمسيحية له بالاشتراك مع الأب لويس غارديه ؛ ترجمه إلي اللغة العربية الشيخ الدكتور صبحي الصالح ؛والأب الدكتور فريد جبر ؛ دار العلم للملايين .
6- له العديد من المقالات والدراسات والأبحاث المختلفة منشورة في العديد من الدوريات العربية والاجنبية .
أما  عن كتاب "المسيحية والحضارة العربية " ؛ فلقد صدرت منه أكثر من طبعة ؛ منها " المؤسسة العربية للدراسات والنشر " ؛ كما أصدرت منه مكتبة الأسرة طبعة خاصة صدرت عن سلسلة "إنسانيات " عام 2014 .

ويرصد المؤلف في أحدي فصول الكتاب بعنوان " المباديء المشتركة " التي تربط بين المسيحية والإسلام ؛والتي ساعدت علي التعايش السلمي ؛ ذكر منها :-

"الاعتقاد بإله واحد خالق السموات والأرض ؛حي قيوم محب للبشر ؛ذو الغفران والرحمة ؛ الحميد المجيد ؛يحيي الأموات ويرضي الأنفس ؛مكانة الإنسان العالية في كل من المسيحية والإسلام .....  ألخ .

ولقد كان أول من كتب باللغة العربية هو ساويرس بن المقفع ؛ وأشهر كتبه كتاب "تاريخ البطاركة " وقد ترجمه العالم الفرنسي رينودو إلي اللغة اللاتينية فأصبح المصدر الأساسي لتاريخ الكنيسة القبطية في القرون الوسطي ؛ ولقد أمضي ساويرس ثماني سنوات في البحث عن تاريخه في الأديرة ؛ ولقد أستعان في ترجمة المصادر اليونانية بالشماس ميخائيل بن بدير الدمنهوري .

وأول من أكمل عمل ساويرس هو ميخائيل مطران تنيس ؛ ثم قام الشماس موهوب بن منصور بن مفرح بجمع أفكار ساويرس المشتتة ؛ ووضع مقدمة جديدة ؛ وأدخل حياة مرقس غير الموجودة ؛ كما هذب بعض التعابير من جهة الأسلوب ليعطيها رونقا وإيضاحا ؛فأصبح هذا النص المهذب هو النص العمدة لتاريخ بطاركة الإسكندرية. كما أصبح هو المصدر الأساسي لتاريخ الكنيسة المصرية والحبشية والنوبة ؛ وكثير من التفاصيل التي وردت فيه تخص تاريخ مصر السياسي . كما وضع ساويرس بن المقفع  عدة كتب أخري ذكر أسمائها شمس الرياسة أبو البركات بن كبر ؛ وصلت الي حوالي 25 كتابا .

أما عن أبو كبر نفسه ؛ فهو كما يقول عنه الأب قنواتي ؛ كان يعمل كاتبا لركن الدين بيبرس المنصوري ؛وساعده في تأليف كتابه عن تاريخ الإسلام الذي ينتهي سنة 1324م ؛ ثم صار كاهنا علي كنيسة المعلقة بمصر القديمة ؛ وكانت هي المقر الرسمي للكرسي البابوي في ذلك الوقت ؛ وأشهر كتبه هو كتاب " مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة " هو موسوعة لاهوتية ضخمة حرص فيها علي توضيح المعلومات الأساسية الخاصة بالعقيدة والكتاب المقدس  وقانون الكنيسة والطقوس والعبادة  .

أما أشهر علماء القرن الثالث عشر ؛ فهي العائلة المعروفة ب"أولاد العسال " ؛ وهم ثلاثة أخوة : الأسعد والصفي والمؤتمن ؛  أشتهروا كلهم بالعلم والثقافة الواسعة . فالأسعد هو أكبر الأبناء ؛ له عدة كتب في النفس ؛ ومقدمة في النحو القبطي ؛وكتاب في نظام الأرث في الكنيسة القبطية ؛ ومختصر حساب الأبقطي ( وهو الحساب الذي علي أساسه يتم تحديد تواريخ الأعياد المسيحية في مختلف الطوائف المسيحية ).

والصفي هو الأخ الثاني ؛ بدأ نشاطه العلمي سنة 1235 وتوفي سنة 1360 ؛ ومعظم عمله أنصب في الدفاع عن العقيدة المسيحية وتوضيحها ؛ كما أهتم بتجميع وشرح القوانين الكنسية  ؛ وتدل أعماله المختلفة علي معرفته بالمصطلحات الفلسفية وقدرته علي استعمالها لتوضيح العقيدة المسيحية . وأهم كتبه هو قوانين القوانين ؛ وهو مجموع الأحكام الكنسية للأحكام الشرعية المسيحية .

أما المؤتمن ؛ فهو الأخ الثالث والأخير ؛سافر مرتين الي الشام ؛ وكان ذلك بين عامي 1237 و1238 م ؛ وكان الغرض الرئيسي لسفره هو رغبته في جمع البيانات العلمية الخاصة بأبحاثه ؛  ولكن للأسف حرقت مكتبته وضاع الكثير من ثمار انتاجه ؛ فأعاد كتابته مرة أخري بعد عودته الي مصر حوالي عام 1240 ؛وذكر الأب قنواتي حوالي 12 كتابا له .

أخيرا :- بعض الذكريات الشخصية مع العالم الكبير :-
لقد أتيحت لي فرصة التعرف الشخصي علي الأب جورج قنواتي من خلال اللقاءات المتعددة التي حضرتها له  سواء في الجمعية الفلسفية المصرية ؛ أو لجنة الفلسفة والاجتماع بالمجلس الأعلي للثقافة ؛  أو في ندوات جماعة الأخاء الديني التي كانت تعقد في كنيسة مريم سيدة السلام بجاردن سيتي ؛ وأذكر جيدا أنني عندما كان نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس حاضرا أحدي الندوات معه ( كانا كليهما عضوين فاعلين في الجمعية الفلسفية  المصرية)  ؛ وشاهدته يعانقه بحرارة أن سألته " قدسك تعرف الأنبا غريغيوروس ؟ " فرد علي وقال لي بالحرف الواحد " يوهه   ده صديق قديم جدا " كما كان يحضر بعض لقاءات أسبوع الصلاة العالمي ؛ وأذكر ذات مرة أنه كان حاضرا اللقاء الأسبوعي للمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث ؛ ولقد خصه قداسة البابا بالترحيب الشديد بالأسم . وأذكر انه عندما  ألقي محاضرة عن العلاقات التاريخية بين المسيحية والإسلام في أحدي ندوات الجمعية  الفلسفية الأفرو الأسيوية ( وكان يرأسها في تلك الفترة المفكر الكبير الدكتور مراد وهبة – أطال الله حياته ومتعه بالصحة والعافية )  . وكانت بعنوان " الثقافات حوار أم صراع ؟ "  وكان مقر الندوة فندق النيل بميدان التحرير  .  أن  طلبت منه "هل ممكن تدي نسخة من المحاضرة  للأنبا غريغوريوس ؟ " . فرد علي ممكن طبعا لكن مش معايا نسخة دلوقتي  ممكن تجيني مرة دير الآباء الدومنيكان في 11 شارع مصنع الطرابيش  وأنا سوف أعطيك نسخة توصلها للانبا غريغوريوس ؛ فقلت له " طيب أمتي ؟ " قال لي ممكن يوم الأربعاء القادم ؟ ( علي ما أذكر كنا يوم سبت ) ؛ فقلت له ممكن ؛ وبالفعل توجهت للدير حسب الموعد ووجدت النسخة جاهزة بالفعل وقال لي أستني لما أكتب عليها كلمة إهداء ؛ وبعد كتابة الكلمة سلم لي الظرف مغلقا وقال لي " قل له أبونا قنواتي بيسلم عليك وبيقول لك أنه يحب يعرف رأي نيافتكم في المحاضرة وهل  تتفق مع ما جاء فيها أم لا ؟ .وبالفعل أعطيت الظرف لنيافة الأنبا غريغوريوس الذي فرح به جدا . كما أذكر أيضا  جيدا أني ذهبت مع نيافة الأنبا غريغوريوس لحضور حفل التكريم الذي أقيم له في مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة  ؛ وكان حاضرا للحفل غبطة البطريرك المرحوم أسطفانوس  الثاني بطريك الكنيسة الكاثولوكية في تلك الفترة  ؛  وعندما توفي الأب قنواتي في 28 يناير 1994 ؛ حرصت علي حضور صلاة الجناز بنفسي ؛ وأذكر جيدا أن نيافة الأنبا غريغوريوس كان حاضر صلاة الجناز بنفسه ؛ كما حضر كل قيادات الكنيسة الكاثولوكية والمرحوم الدكتور صموئيل حبيب رئيس الطائفة الأنجيلية في ذلك الوقت ؛ وكل أساتذة الفلسفة في جميع الجامعات المصرية . ولقد ألقي عظة الجناز جناب الأب  المطران يوحنا قلتة –  نيح الله نفسه في فردوس النعيم  – .المعاون البطريركي للأقباط الكاثوليك  وقتها ؛  كما كان حاضرا مجموعة كبيرة من صفوة رجال الفكر والثقافة في مصر أذكر منهم ( المرحوم الدكتور وليم سليمان قلادة – المرحوم الدكتور سليمان نسيم – المرحوم الدكتور عاطف العراقي – المرحوم الدكتور حسن حنفي – الأستاذ الدكتور مراد وهبة   ...... الخ ) .

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1-كتب ومؤلفات جورج شحاتة قنواتي / مؤسسة هنداوي .
2-جورج قنواتي – المعرفة .
3-جورج قنواتي ... رائد الفكر ورسول الحوار .
4-هاني لبيب :- ابونا قنواتي مشوار العمر .
5-المسيحية والحضارة العربية ؛الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛ مكتبة الأسرة ؛ سلسلة إنسانيات ؛ 2014 .
6-بعض الذكريات الشخصية لكاتب هذه السطور .