إعداد وتقديم : بيتر عاطف

 المواجهات العسكرية بين مصر وتركيا ليس امر جديد وظهر في السنوات الأخيرة فقط لكنه كان صراع ممتد لمئات السنين السابقة 

سنوضح في هذه الحلقة تاريخ اخر مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا او الدولة العثمانية كما كانت تعرف قديماً

و شهدت تلك المواجهة العسكرية هزيمة كبيرة في الجيوش العثمانية 
وتمكن الجيش المصري من سحق الجيش العثماني في جميع المعارك التي خاضها الطرفين 
 
في عام 1831 كان حاكم مصر هو محمد علي باشا 
وكانت مصر خاضعة لسيطرة الدولة العثمانية 
وعانى محمد علي من الدولة العثمانية والسلطان العثماني الذي يتبع سياسات ضد مصالح الدول التابعة له 
وتعوق تلك السياسات خطط محمد على بالنهوض بمصر وتكوين دولة حديثة وقوية 
فكانت بداية الخلافات بين محمد على والسلطان العثماني عندما طلب محمد علي من السلطان ان يمنحه بلاد الشام لتكون تحت حكمه مع مصر 
ولكن السلطان العثماني رفض ذلك الطلب 
وقرر محمد علي ان يحتل الشام ويضمها لحكمه بالقوة العسكرية 
وارسل محمد علي الجيش المصري الذي كان تحت قيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي الى الشام
وكان الجنود الذي اعتمد عليهم محمد علي في هذه الحرب هم جنود مصريين 
ووصل الجيش المصري الذي بقيادة إبراهيم باشا الى مدينة " عكا " التي تتميز بأسوارها المنيعة والقوية 
والتي لم يتمكن نابليون بونابرت والجيش الفرنسي من تخطي تلك الاسوار القوية واحتلال مدينة عكا 
كل التوقعات كانت تدل ان مدينة عكا ستكون هي الحاجز الذي سيمنع حملة إبراهيم باشا من التقدم في بلاد الشام وطرد العثمانيين منها 
ولكن عكا واسوارها المنيعة لم يصمدوا اما الجيش المصري والبراعة العسكرية لإبراهيم باشا 
واستطاعوا دخول مدينة عكا التي لم يستطيع نابليون وجوشه من دخولها 
تمكن الجيش المصري من دخول مدينة عكا وهزيمة الجيش العثماني وأسر الوالي العثماني الذي بها 
وكان سكان الشام غير راضين عن حكم العثمانيين وقاموا بالعديد من الثورات ضدهم 
فادرك محمد علي هذا وامر إبراهيم باشا بإعطاء اومر للجنود بعدم التعدي على أي من سكان مدينة عكا وعد السرقة والنهب من المواطنين 
واستقبل سكان الشام الجيش المصري بالترحاب والهتاف 
لانهم واجهوا لأول مرة جنود يدخلون مدنهم بدون التعدي عليهم او سرقة ونهم لممتلكاتهم 
ورأوا ان إبراهيم باشا والجيش المصري أتوا لكي يخلصوهم من ظلم العثمانيين 
واكتسب إبراهيم باشا شعبية كبيرة في بلاد الشام بسبب ذلك 
وارسلت الدولة العثمانية جيش من عاصمتها الاستانة الى الشام بقيادة " السيرعسكر حسين باشا " ليتصدى للجيش المصري 
وكان الجيش العثماني يبلغ عدده 4 اضعاف الجيش المصري 
وكانت الأوامر التي وجهت لقائد الجيش العثماني ان لا يتوقف الا في القاهرة وبعد ان يأسر محمد علي 
وارسل إبراهيم باشا خطاباً لحسين باشا ليحذره من المواجهة لكن أجاب حسين باشا بكل غرور قائلا : ان حصانه يشعر بالعطش ويريد ان يشرب من النيل 
والتقى الجيشان في حمص 
واعد إبراهيم باشا خطة عبقرية لتلك المعركة 
واستطاع مهاجمة الجيش العثماني واستغلال نقاط الضعف فيه 
وانتهت المعركة بسرعة بانتصار الجيش المصري وهزيمة الجيش العثماني 
واضطر السير عسكر حسين باشا ان ينسحب بـ45 الف جندي وهم الذين نجوا من المعركة "لممر بيلين" الذي يقع على الحدود بين بلاد الشام وتركيا 
وقامت هناك معركة أخرى كانت نتيجتها هي انتصار الجيش المصري واستيلائه على الأسلحة والمعدات التي كانت مع الجيش العثماني 
وزادت المدافع التي كانت مع الجيش المصري بعد هذه المعركة من 60 مدفع الى 215 مدفع 
وعسكر إبراهيم باشا على الحدود التركية 
واتى اليه بعد الولاة العثمانيين ليعلنوا استسلامهم لإبراهيم باشا بدون قتال مثل ولاية " اوروفا وولاية دياربكر " 
وتقدم بعدها إبراهيم باشا في عمق الدولة العثمانية واحتل اهم المدن العثمانية مثل مدينة "انقرة "
واستمر الجيش المصري بالتقدم الى ان وصل الى مدينة " قونية "
والتقت القوات المصرية في قونية مع جيش عثماني ضخم بقيادة واحد من افضل قادة العثمانيين وهو " محمد رشيد باشا " الذي كان الرجل الثاني في الدولة العثمانية بعد السلطان العثماني 
ودارت معركة كبيرة في يوم 21 نوفمبر 1832 
وانتهت في اقل من 7 ساعات بانتصار القوات المصرية واسر محمد رشيد باشا وارساله الى القاهرة 
واصبح الطريق مفتوحاً امام إبراهيم باشا والجيش المصري لاحتلال الاستانة عاصمة الدولة العثمانية 
وعسكر إبراهيم باشا وجنوده على بعد حوالي 200 كيلومتر فقط من الاستانة 
وعندما وجد السلطان العثماني " محمود الثاني " انه محاصر من الجيش المصري الذي اباد معظم جيشه وأصبحت القوة الان في يد محمد علي وإبراهيم باشا 
استغاث بالدول الاوربية لتنجيه من قوة محمد علي 
لكن رفضت بريطانيا وفرنسا مساعدة السلطان العثماني 
لكن استطاع السلطان العثماني اقناع روسيا بحماية الدولة العثمانية من القوات المصرية 
مقابل مبالغ ضخمة تدفعها الدولة العثمانية الى روسيا وأيضا مقابل ان تصبح روسيا هي المتحكمة في " مضيق الدردنيل "
وجاء الاسطول الروسي الى "مضيق البسفور" 
وامن العاصمة العثمانية 
وعندما تدخلت روسيا في تلك الحرب أدى ذلك الى قلق بريطانيا وفرنسا من توسع روسيا في المنطقة لذلك عرضوا على السلطان العثماني المساعدة في الحرب لكن روسيا رفضت تدخلهم 
فذهبت بريطانيا وفرنسا الى محمد علي ليتفاوضوا معه ولإقناعه بعدم احتلال الاستانة 
فادرك محمد علي ان اذا احتل الاستانة واسقط الدولة العثمانية سيدخل في حرب مع روسيا وبريطانيا وفرنسا 
فامر محمد علي ابنه وقائد الجيش إبراهيم باشا بالانسحاب الى قونية لكي لا يزيد تخوف الدول الأوروبية منه 
ذلك الامر الذي كان إبراهيم باشا رافضاً له لأنه رأى ان يتقدم بالجيش ويحتل الاستانة لان الطريق مفتوحاً امامه وعنده المقدرة على ذلك لكنه نفذ أوامر محمد علي وانسحب الى قونية 
وبدأ محمد علي في اصدار شروطه على الدولة العثمانية لينسحب بشكل كامل من الدولة العثمانية 
وتلك الشروط هي ان يضم بلاد الشام وولاية " اضنة " للدولة المصرية وان تصبح الحدود بين الدولة المصرية والدولة العثمانية هي "جبال طوروس "
وان يحتفظ محمد على ومن بعده أبنائه بحكم الدولة المصرية بالحدود الجديدة 
وتدخلت الدول الأوروبية لإقناع السلطان العثماني بقبول مطالب محمد علي 
وتم توقيع " اتفاقية كوتاهيه " في 4 مايو 1833 والتي تم فيها قبول مطالب محمد علي 
وانسحبت القوات المصرية من تركيا وتتمركز في الشام 
وأصبحت حدود الدولة المصرية عند جبال طوروس 
وبمجرد توقيع الاتفاقية بدأ السلطان العثماني في جمع القوات من كل المناطق التي تحت سيطرة الدولة العثمانية 
وقام السلطان العثماني بتأجير جنود مرتزقة من إنجلترا واسبانيا وألمانيا والنمسا 
وكون جيش قوي مكون من 230 الف جندي من ضمنهم 40 الف جندي عثماني فقط 
ويصف كثير من المؤرخين ان هذا الجيش هو اقوى جيش امتلكته الدولة العثمانية منذ مئات السنوات 
وفي عام 1839 تقدم الجيش العثماني الضخم بقيادة احد اهم القادة العسكريين في الدولة العثمانية وهو " حافظ باشا " لمواجهة الجيش المصري الذي كان بقيادة إبراهيم باشا 
وكانت الأوامر الموجهة للجيش العثماني هي عدم التوقف الا في القاهرة 
والتقى الجيشان في منطقة " نزيب " في 24 يونيو عام 1839 
وكان عدد الجيش المصري هو 50 الف جندي فقط 
وقامت معركة نزيب وفي ملحمة لم ينساها التاريخ استطاع الجيش المصري القضاء بالكامل على الجيش العثماني 
رغم ان الجيش المصري اقل في العدد والأسلحة 
وبعد هذه المعركة قام قائد اسطول الدولة العثمانية بالأبحار بالأسطول من الدولة العثمانية الى مصر واعلن استسلامه وقدم الاسطول لمحمد علي 
وعندما وصلت اخبار الهزيمة للسلطان العثماني محمود الثاني وقع على الأرض وفارق الحياة 
وهنا ادركت الدول الأوروبية ان محمد علي يشكل خطراً كبيراً عليهم 
وشبهوه بنابليون الجديد 
وقامت الدول الأوروبية وهم بريطانيا وروسيا والنمسا والمانيا وجمعوا جيوشهم وقواتهم وحاصروا السواحل المصرية وانزلوا جزء من قواتهم في الشام 
وقاموا بتحذير محمد علي من عدم احتلال الدولة العثمانية والا سيتدخلون عسكرياً ضده 
وبالرغم من قوم الجيش الخاص بمصر ومحمد علي لكنه لم يكن يستطيع الوقوف ضد الدول الأوروبية التي اجتمعت ضده 
وقامت معاهدة عرفت باسم معاهدة لندن في عام 1840 
التي كانت بنودها :
إعادة بلاد الشام والحجاز للسلطان العثماني 
اعلان خضوع محمد علي للسلطان العثماني 
وتثبيت حكم محمد علي على مصر وجعل الحكم على مصر بالوراثة بين اكبر أبناء محمد علي 
 
حقق الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا انتصارات عديدة يشهد لها التاريخ في عظمتها 
ونجد هذه العبارة محفورة على قاعدة تمثال إبراهيم باشا التي تقول 
سلاماً على إبراهيم باشا قاد جيش مصر من نصر الى نصر 
لتخلد ذكرى البطولات التي قام بها الجيش المصري في معارك كانت الأفضلية للعدو لكنه اثبت قدرته الكبيرة على تحقيق الانتصارات العظيمة 
 

مراجع المعلومات :

ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا - الجمعية الملكية للدراسات التاريخية

البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام - داود بركات

عصر محمد على - عبد الرحمن الرافعى