بقلم الباحث/ نجاح بولس

الطفل شنودة ضحية منظومة فساد أخلاقية وإدارية وقانونية في المجتمع لم يسبق لها مثيل في أي مجتمعات أخرى، طفل ساقه القدر مٌسير لا مٌخير ليرتشف كأس مرً أعده مجرمون أخرون دون ذنب له، فمن مجرمة حملت به من مجرم أخر وتخلت عنه قبل أن يبصر النور، ومستغل إشتكى عليه ليحرمه من دفئ عائلة تحننت عليه طمعاً في الميراث، إلى مجرم خطفه من حضن أمه بالإكراه وأمام أعين المجتمع ما بين مستنكرً ومتواطئ، وهذا أعلن عن نفسه بل ويتفاخر بظلمه أمام ضحاياه وأمام المجتمع.
 
وخلف كل ذلك منظومة إدارية وقانونية وتشريعية فاسدة وعنصرية بل ومخالفة للقانون أيضاً وفقاً لمواثيق حقوق الانسان الدولية والمعايير القانونية والدستورية، فمن جهة فسادها لإرتكازها على مادة دستورية زُج بها في النسخ الدستورية لضروريات سياسية، رغم تصادمها مع باقي المواد الدستورية الأخرى المتعلقة بالحقوق والحريات ومبادئ المواطنة، ومن بينها مسألة التبني التي تندرج ضمن مواد الأحوال الشخصية وتنظمها مبادئ الشرائع الدينية للمكونات الدينية كمصدر رئيسي للتشريع حسب نص المادة الثالثة من الدستور.
 
ومن جهة عنصريتها فإستهدافها لمكون ديني في المجتمع دون الأخر أمر لا يقبل التأويل والشك، فعلى أي أساس دستوري وعلى أي من المعايير والمواثيق الدولية ينسب الطفل اللقيط لدين أو عقيدة أو عرق دون الأخر في المجتمع!، وتحت أي سند قانوني تدعي مؤسسات الدولة أن الطفل مسلم بالفطرة وكأن الدين أو العقيدة أمر وراثي أو جيني يولد به الشخص ولا يكتسبه بالمعرفة.
 
هي منظومة إدارية وقانونية متورطة أيضاً في فعل ضد القانون لوقوفها خلف مجرم أخر خاطف للأطفال بإعتباره أداة لتطبيق القانون، فعلى أي أساس تم إنتزاع الطفل من حضن عائلته دون حكم قضائي بذلك، ودون وجود شكوى من عائلة الطفل الأصلية تفيد خطفه؟ وعلى أي أساس قانوني تم تغيير أسم الطفل رسمياً وتغيير ديانته في الوثائق الرسمية قبل ثبوت ذلك بحكم قضائي، وعلى أي سند إنساني أو فائدة مجتمعية تم التضحية بمستقبل الطفل وحرمانه من رعاية عائلة تضمن له مستقبل أفضل، ليتم تشريده ويرمى به في دور رعاية يدرك المجتمع جيداً المصير المظلم لكل من بداخلها.
 
المجتمع بكل مؤسساته إنتفض للجهاد في موقعة الطفل شنودة وبين عشية وضحاها صدرت قرارات نيابية، وقامت الجهات بتنفيذها في الحال وبتنسيق سريع غير مسبوق بين الجهات والمؤسسات الرسمية الغارقة دائماً في مستنقع الخلافات والصراعات، والجميع تطوع في معركة حامية لخطف طفل من حضن ودفئ عائلته لتخوفهم على قيم المجتمع والنظام العام، وبالطبع لم يخلو الأمر من التدليس الإعلامي وقدر من النفاق المجتمعي صادر من أطراف عديدة.
على أسس دينية إنطلقت مبادرات المؤسسات الرسمية لإنتذاع الطفل من حضن عائلته، متغافلة ومتناسية جميع الأبعاد الإنسانية المتعلقة بمستقبل الطفل وتأثيره الضار على المجتمع بعد تشريده وضياع مستقبله، فأيهما أولى بإهتمام الدولة ومؤسساتها وقادتها: المواطن ومستقبله أم ديانته وعقيدته؟؟ وعلى أي من الجوانب ينبغي أن تمنح الدولة إهتمامها ورعايتها: المجتمع وتقدمه وإزدهاره ومستقبل أفراده وسلامهم النفسي أم بناء أكثرية دينية في تكوينه بغض النظر عن قوامها الأخلاقي وتأثيرها الإجتماعي والقيمي؟
 
الدولة ومؤسساتها منوطة بالمجتمع ورخائه ورفاهية أفراده وليس بعقيدتهم الدينية لان المعتقد أمر وجداني لا تتحكم فيه الدولة ولا القانون، وأي إجراءات تتخذها الدولة تستهدف رعايتها لمعتقد دون الأخر هي إجراءات فاسدة لإنطلاقها من أهداف لا تندرج ضمن إهتمامات الدولة ككيان مؤسسي، وفكرة ولادة الفرد بدين معين بالفطرة هي تطبيق فاسد ويتعدى على حقوق المواطنة لشرائح مجتمعية ضد شرائح أخرى، فالإنسان يولد إنسان بالفطرة وليس له فطرة أخرى سوى إنسانيته.
 
وبقليل من المنطق وبالرجوع إلى توقيت العثور على الطفل شنودة في الكنيسة سيتضح أن ذلك التوقيت كان في أوج نشاط الهجمات الإرهابية ضد الكنائس، وكانت الإجراءات الأمنية مشددة على الكنائس ولم يكن يسمح بدخولها سوى للمترددين عليها والمعروفين لمسئولي أمن البوابات، أو بعد التأكد من الهوية الدينية من خلال بطاقة الرقم القومي أو على الاقل من خلال الوشوم الدينية، وذلك لا يدع مجالاً للشك في نسب الطفل لعائلة قبطية مسيحية بالمولد.
مؤسسات الدولة المشغولة بتحرير الطفل شنودة من حضن عائلته عليها أولاً إدراك مسئوليتها تجاه ألاف الأطفال المشردين في شوارع المحروسة، منظومة إجرامية تديرها عصابات تستغل أطفال الشوارع حتى باتت ظاهرة تهدد بنيان الوطن وسلامه الاجتماعي، بل وإمتد تأثيرها لقطاعات هامة مثل السياحة التي تأثرت تأثيراً واضحاً بالظاهرة، وعلى المستوى الأخلاقي حدث ولا حرج عن تعاطي المخدرات وحفلات الجنس الجماعي في الميادين والحدائق العامة وفي مفترق الطرق، بين أطفال مشردين لا عائل لهم إحتضنتهم العصابات في غفلة عن مؤسسات الدولة، رغم كونهم مسلمين بالفطرة حسب تصنيف قانون الغاب الذي طبقته الدولة على الطفل شنودة.
 
ومن مؤسسات الدولة إلى القاعدة الشعبية ستلاقي الصدمة الكبرى، تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي حول أزمة الطفل شنودة تكشف عن أمراض أخلاقية وإجتماعية كارثية، أصوات وحناجر تخلت عن إنسانيتها وخاصمت كل القيم الأخلاقية لصالح أغراض تعبوية دينية، لا تستهدف منظومة القيم الدينية بقدر التحريض على تجبر الأكثرية الدينية وإستعلائها على باقي الشرائح الأخرى.
 
وأولئك المدافعون عن إجراءات الدولة لتشريد الطفل شنودة وتغيير ديانته إلى الإسلام، لا يستنكفون من مشاهد المشردين في شوارع مصر ولا يحركون ساكناً لإيواء أحدهم أو إنقاذ مستقبل آخر من الإنهيار، فما دام أحداً من المشردين لم يتخلى عن ديانته الفطرية فالشارع أولى به ولا ينشغل المجتمع به ولا بأثاره الكارثية المدمرة، وفي ظل منظومة أخلاقية مشوهة يحكمها قانون الغاب لم يعد هناك مكان لشنودة أو لغيره ممن ولدوا بفطرة إنسانية مجردة من أي إنحيازات دينية أو عرقية.