إعداد/ ماجد كامل 
كشفت المذكرات الشخصية لمرقس باشا سميكة ( 1864- 1944 )  التي صدرت عن مؤسسة سان مارك لتوثيق التراث عن الدور الكبير الذي لعبه مرقس سميكة في  الحفاظ علي الآثار القبطية ؛ والحرص علي حفظها في  مكان واحد هو " المتحف القبطي "  وكانت البذرة الأولي لهذه الفكرة أثناء جلوسه مع كل من العالمين الفريد بتلرAlfred J Butler ؛ وسومرز كلارك Somers Clark  . وكان الجلوس في منزل بتلر  في لندن في  خريف عام 1890 ؛  قام سميكة بتحذير العالمين الكبير من الذين يتبرعون للكنائس والأديرة – بحسن نية -  فيريدون استبدال المعالم الأثرية للكنائس التي لا تقدر بمال ؛ بمبان أخري علي الطراز اليوناني والإيطالي .  وعندما زار سومرز كلارك مصر في شتاء عام 1891 ؛ اصطحبه سميكة في جولة لزيارة الكنائس القديمة ؛ فصعق كلارك  من الطريقة العشوائية التي يتم بها ترميم الكنائس مع هدم الكثير من المباني الأثرية ؛  وفي ربيع عام 1891 ؛ قام اللورد كرومر بمصاحبة سميكة  لزيارة هذه الكنائس الأثرية ؛ فبهت كرومر من جمالها ؛ وفي رواية تلك القصة يقول سميكة " في شتاء عام 1891 طلب مني اللورد كرومر أن أرافقه في زيارة الحصن وكنائس مصر القديمة ؛ فأعجب بما رأي واهتم بأمر  هذه الكنائس وأجابني  حالا الي ما طلبته وهو وضعها تحت اشراف لجنة  حفظ الآثار العربية  وضم عضوان قبطيان الي هيئتها كان لي الشرف أن أكون أحدهما ؛ وقد تم شيء كثير في الثلاثين سنة الأخيرة من اعمال الترميم في الكنائس علي قواعد صحيحة بقدر ما سمحت به ميزانية اللجنة " ( صفحة 219  من المذكرات ) . 
 
ولقد نجح سميكة في إثارة اهتمام ماكس هيرتزMax Herz ( 1856- 1919 )  رئيس لجنة حفظ الآثار العربية  بإثارة اهتمامه بالآثار القبطية  حيث يقول " كنت سعيد للغاية في إثارة اهتمام هيرتز بالكنائس القبطية القديمة .  وعندما حظيت بقبولي عضوا في اللجنة ؛ تعاونت معه بكل إخلاص في إتمام المهمة الشاقة المرتبطة بترميمها "( صفحة 221 ) . 
 
ولقد قامت اللجنة بفضل جهود سميكة بأعمال ترميم هائلة للكنائس القديمة   ؛ ويثمن سميكة في مذكراته أن السيدة حرم نجيب باشا بطرس غالي ؛ التي كانت  خير معين له ؛ فلقد دفعت  من مالها الخاص تكلفة تركيب إطارات الأيقونات القيمة ووعدت بتشكيل لجنة من السيدات  تتولي الحفاظ علي ترتيب ونظافة  الكنائس .  ( صفحة 228 ) . 
 
ولقد كان يراود سميكة حلم بناء متحف جديد يضم كل الآثار القبطية  في مكان واحد ؛  ففي خلال عام 1908 ؛ قام بجمع أعدادا كبيرة متميزة  من قطع خشبية  مزخرفة   وكذلك أجزاء من أحجار منحوتة ؛ وسعي سميكة للحصول علي موافقة البابا كيرلس الخامس ( 1874- 1927  ) بابا الكنيسة  القبطية رقم 112  . إلا أن البابا رفض في البداية  ؛ ولكن سميكة لم ييأس وعاود المحاولة  مرة أخري ؛ ففي شتاء عام 1908 ذهب سميكة لزيارة البابا كيرلس الخامس  لمناقشة أمر من الأمور كعادته  بصفته نائب رئيس المجلس الملي ؛ فوجده مشغولا بمراقبة صائغ الفضة وهو يزن كمية كمية  من الفضة القديمة تمهيدا لصهرها  وإعادة سبكها  من جديد ؛ وعندما فحص سميكة هذه القطع وجدها ذات قيمة تاريخية كبيرة ؛ إذ يرجع أغلبها إلي القرنين الرابع  والخامس عشر ؛ فطلب سميكة  من البابا أن يسمح له بالبدء في بناء متحف جديد  ليحوي في داخله تلك القطع النادرة  ؛ واقترح عليه أن يبدأ مشروعه في غرفة خاصة ملحقة بالكنيسة المعلقة ؛ وأن تكون المجموعة  التي يحويها المتحف في غرفة واحدة ملحقة بالكنيسة المعلقة  ؛ وبهذه الطريقة تكون التحف ملكا للكنيسة وسيحصل البطريرك  علي المال اللازم الذي يحتاجه لاستبدال الأدوات القديمة المتهالكة بأخري جديدة ؛ فراقت الفكرة لقداسة البابا ؛ وسأل سميكة عن الموعد المقترح للحصول علي هذه الأموال ؛ فوعده بجمع المال في خلال أسبوعين علي الأكثر ؛  وقبل انتهاء الأسبوعين ؛ كان سميكة قد نجح في جمع مبلغ 300 جنيه من عائلته وأصدقائه المقربين . ( صفحة 234 ) . 
 
وفتح باب الاكتتاب للمساهمة  في بناء المتحف القبطي في خلال عام 1908 ؛ وكان علي رأس المساهمين  الأمير ( السلطان فيما بعد ) حسين كامل  ؛ وكان وقتها يشغل منصب رئيس مجلس شوري القوانين ؛ وأيضا بطرس باشا غالي رئيس  الوزراء في تلك الفترة . 
 
وضمت قائمة التبرعات ( السير إلدون جورست Eldon Gorst –  بعض أعضاء مجلس شوري القوانين مثل شعراوي باشا وعفيفي باشا نوبار باشا – أرتين باشا  ... الخ ) ومن رجال الأكليروس ( مطران الإسكندرية – رئيس دير المحرق ) .  وتم افتتاح المتحف رسميا في  14 مارس  1910 ؛ وأخذ ينمو ويتطور  علي مر السنين . وبسماح من البطريرك قام سميكة بالتجوال بين جميع الكنائس والأديرة لجمع التحف والمقتنيات ؛ وقام بالبحث في أنقاض البيوت القديمة المهجورة بحثا  عن المشغولات الخشبية والرخام والأبواب والمشربيات والفسقيات ( صفحة 238 ) . 
 
ويعطي سميكة مثالا بأنقاض الدار البطريكية  في كنيسة العذراء المغيثة  بحارة الروم التي  زودته بأفضل المشربيات في المتحف . ولقد قام سميكة بمجهود جبار لجمع التبرعات  ؛ ولقد افتخر أنه كان يتسول الأموال اللازمة لجمع الأموال ؛ وعلي سبيل الدعابة ؛ كتب في مذكراته مديحا طريفا للشحاتين قال فيه " منذ ان كنت طفلا وأنا  أكن إعجابا كبيرا للمتسولين لأني كنت أراهم أكثر حماسا في عملهم من بين جميع طبقات المجتمع المصري  . فهم ينهضون مع شروق الشمس ويستمرون في عملهم  حتي ساعة متأخرة  من الليل ولا يهتمون بالقيظ في الصيف ولا البرد القارس في الشتاء ؛ وبالرغم من ملابسهم الخفيفة المهلهلة فإنهم يتحملون بصبر كل تقلبات الطقس . واما عن الإهانات التي تمطر عليهم بسخاء ؛ فأنهم يقابلونها بالدعوة بالبركة لمن يطلقونها عليهم . فعلي سبيل المثال كثيرا ما يقابل الشحاذ بكلمة أمشي ! وإذا لم يتحرك في التو قد يتلقي لكمة علي الأذن أو ركلة . ولكنه يرد بدوره قائلا " ربنا يديك طولة العمر " – بارك الله فيك وفي عيالك ويكفيك شر المرض – ربنا يزيدك " ( صفحة 240 ) . 
 
ويذكر سميكة أسماء بعض الذين اهتموا بالتبرع بسخاء ؛ مثل داود بك تكلا من بهجورة  الذي تبرع في البداية بمبلغ 60 جنيها ؛ وبعد زيارته للمتحف بهر من جماله ؛ فقام  بالتبرع بمبلغ 10 جنيهات أخري .  وعندما تقابل معه في احدي اللقاءات ؛ أخبره بإنبهاره بما رأي وقال له " لقد تركت مع أبونا حنا تبرعا صغيرا لك " .  ثم أضاف عندما تأتي إلي بهجورة ؛ سوف أدعمك بمبلغ ضخم ؛ فرد عليه سميكة " لا شكرا ؛ لقد سئمت  من التسول ؛ فأجاب داود بك " لا أتوقع منك أن تتسول ؛ سافعل ذلك بنفسي ؛ سوف تنزل بكل ترحاب في منزلي بينما أنا   أتجول وأجمع لك المال " . 
 
أجاب  سميكة " أنني  أقوم ببناء قاعة كبيرة وخطر ببالي  أن أقترح عليك أن نطلق عليها أسم القاعة المنيرة ؛ علي أسم ابنتك العزيزة منيرة ؛ وذلك إن منحنتني مبلغ خمسائة جنيه " فتحفظ تكلا بك قليلا وقال " هذا مبلغ كبير الي حد ما ؛  إلا يمكنك تخفيضه بعض الشيء ؟ في هذه اللحظة  تدخل سليم بك حنا (مدير عام البريد في ذلك الوقت ) ؛ وكان اللقاء  في مكتبه بالبريد ؛ " ألا يمكنك بناء قاعتين ؛ واحدة باسم داود والأخري باسم ابنته منيرة  ؟ .  فرد سميكة " بكل سرور "  فرد داود بك "موافق "  والشيء الطريف في هذه الجلسة أن سميكة طلب  من داود بك أن يمهله أسبوع للتفكير ؛ فرد عليه سليم حنا " هل تعتقد أن داود بك رجل يمكنه أن يتراجع في وعده  بعد ما قطعه ؟ "فابتسم سميكة وقال انه يقصد فقط منح داود بك فرصة للتفكير ؛  فرد عليه داود بك " أنك تهينني " .  فرد عليه سميكة وطلب الاعتذار الف مرة "  وفي غضون ثلاثة  أيام لا أكثر ؛ تلقي سميكة شيكا بمبلغ  خمسائة جنيه  ( راجع نص الحور بلغة واسلوب سميكة ؛ الصفحات من 240- 242 ) . كما جاءت  مساهمة مرحة من السير بيرترام هورنزبي Sir Bertream Hornsby  محافظ البنك الأهلي المصري الذي تبرع بمبلغ حنيهين كان قد فاز بهما في مقامرة مع صديق  قبطي ؛ ثم جاء تبرع  رسمي  من البنك الأهلي بمبلغ خمسن جنيها ممهورة بتوقيع هوزنربي أيضا . 
 
ثم يروي سميكة كيف تحول المتحف من مبني تابع للكنيسة الي مؤسسة من مؤسسات الدولة  ؛  وكانت البداية طلب من الملك فؤاد بعمل زيارة للمتحف ؛ وهو في ذلك يقول " وكلما رآني جلالته يذكرني دائما برغبته في رؤية مقتنيات المتحف ؛ فأوضحت له مرة أخري أن العمل لم ينته بعد  ؛ ورد علي جلالته " يومك بسنة " وأخيرا أخبرته أني مستعد  لإجابة طلبه ؛ وتحددت الزيارة السلطانية في 21 ديسمبر 1920 م " .وبالفعل حضر السلطان فؤاد في اليوم الموعود ؛ واستقبل عظمته استقبالا حارا . وبدأ الزيارة بزيارة كنيسة المعلقة  ثم المتحف ؛ وأعرب عن سعادته بالتبرع بمبلغ 500 جنيه مرفق به رسالة مفعمة بعبارات المدح والثناء . وأكثر من ذلك دعا عظمته  جميع الحاضرين الي المساهمة في تمويل المتحف . وكان المبلغ الذي تم جمعه أكثر  من  2000 جنيه . ( صفحة 265 ) . 
 
ومنذ تلك الحظة تبني الملك فكرة ضم المتحف الي  مقتنيات الدولة ؛ وسرعان ما طلب سميكة  جعل المتحف مؤسسة من مؤسسات الدولة ؛ فطلب منه سميكة السماح بعرض الأمر علي البابا كيرلس الخامس ؛ فلما عرض سميكة الأمر علي قداسته  ؛ رفض قداسته الأمر بحجة أن أواني المتحف قد تم تكريسها ولا يمكن لأحد أن يلسمها إلا رجال الأكليروس فقط ؛  الأمر الذي أغضب  جلالة الملك جدا ؛ إلي الحد انه عندما زار ملك بلجيكا المتحف عام 1930  ؛ وجه الملك فؤاد عتابا قاسيا الي سميكة وقال له " الدولة فوق الأفراد  ؛ لماذا لم تسلم المتحف للدولة كما طلبت منك ؟  فرد عليه سميكة " ليس هناك ما هو أبعد عن فكري من عصيان أوامر جلالة الملك التي أؤمن تماما أنها في مصلحة البلاد .  وتوالت الأيام ؛ وتم تعيين لويس أوتكير Louis Hautecour مديرا عاما  للفنون الجميلة في وزارة المعارف العمومية  ؛ فأعد تقريرا تناول فيه وضع المتاحف مطالبا بوضعها جميعا تحت إشراف الدولة . وموصيا بتعيين سميكة مديرا له مدي الحياة ؛ وأخيرا وافق البابا يؤانس التاسع ( البطريرك الذي جاء بعد البابا كيرلس الخامس )  وصدر مرسوم رسمي بإعلان المتحف القبطي مؤسسة رسمية من  مؤسسات الدولة في 29 يناير 1931 . ويؤكد سميكة في مذكراته أن قرار ضم المتحف للدولة  جاء بفوائد جمة ؛ وبدأ في الاستغناء عن تبرعات الأفراد . واجتذب العديد  من الزوار منهم  معظم الحكام والعائلات الملكية في أوربا ؛  ومن الأحداث الهامة التي حدثت في تلك الفترة محاولة ضم ما يتعلق بالآثار القبطية من المتحف المصري إلي المتحف القبطي؛ فقام بعرض الأمر علي صدقي باشا الذي كان رئيسا للجنة المالية بمجلس النواب  ؛ ولقد وافق البرلمان علي فكرة النقل ؛ ولكن جاءت المعارضة من بيير  لاكو Pierre Lacau ( 1873- 1963 )  مدير  مصلحة الآثار المصرية  ؛ بحجة إظهار تطور الفن المصري عبر العصور . وبعد تقاعد لاكو عام 1936 ؛ خلفه ايتون دريتون Etienne Dritoton ( 1889- 1961 )  ؛ فتقابل سميكة معه وعرض عليه الأمر فوافق علي الفور . وأستغرق أمر النقل حوالي عامين ؛ وتم نقل حوالي عشرة آلاف قطعة . وأثناء الحرب العالمية  الثانية ؛ أصدرت الحكومة أوامرها بإعادة  تغليف جميع القطع الأثرية ؛ ونقلها إلي مكان آمن في سراديب السرابيوم في سقارة   ؛ ولقد حزن سميكة جدا  من هذا الأمر حيث  قال " لقد غمرني الحزن واجتاحتني الرغبة في البكاء لرؤية كل كفاحي هذا ينتهي بي الي هذه النتيجة . لأنني في سني هذا ؛ لا  أعرف إن كان  سيمتد بي العمر لاتمكن من رد تلك الآثار إلي مقرها الأول مرة   أخري أم لا " وللأسف لم يمهل العمر سميكة حتي يري عودة التحف إلي  مكانها وافتتاح الجناح الجديد إذ توفي في 2  أكتوبر 1944 . 
 
(  لمعرفة كل التفاصيل :- مراجعة الصفحات من  265- 272 ) . 
 
كما خاض سميكة معركة   أخري في سبيل البحث عن الآثار وإنقاذ المكتبات ؛  ؛ فكلما سمع عن قطعة  أثرية في حوزة بعض أعيان الأقباط ؛ كان يقاتل في سبيل ضمها إلي مقتنيات المتحف  . ولقد أدرك البابا كيرلس الخامس قيمة الجهد الذي يقوم به سميكة ؛ فتبرع بأثمن المخطوطات من المكتبة البطريركية  للمتحف ؛  ثم قام سميكة بزيارة الدير المحرق لإكتشاف  أي قطع  أثرية موجودة هناك ؛ وبالفعل وجد ستار منسوج مطرز عليه نص كنسي تاريخه يرجع الي عام 1756 م ؛ فطلب من رئيس الدير تسليم الستار ؛ وماطل  رئيس الدير كثيرا ؛  وتمر الأيام ويطلب رئيس الدير الأذن بهدم الأسوار الخارجية للدير لبناء أسوار  أكبر ؛ واحيل الأمر إلي لجنة حفظ الآثار العربية .  فأصر سميكة  أن يشكل لجنة لفحص السور ؛ وظن الأسقف رئيس الدير  أن سميكة يماطل من أجل عدم تسليم رئيس الدير للستار ؛ فرفع شكوي الي مقر الإدارة البريطانية ؛ التي أوفدت  كبير المهندسين بزيارة الدير  ؛ وقدم للأسقف رئيس الدير تصميما يفوق كثيبرا التصميم المقدم من مقاول رئيس الدير ؛ فاقتنع  الأسقف أن سميكة يهدف الي مصلحة الدير ؛ فقام بأرسال الستار علي الفور مع تبرع  بشيك بمبلغ 50 جنيه . 
 
وعن محاولة  الحفاظ  علي المخطوطات الموجودة بالاديرة ؛ يذكر سميكة زيارته لدير القديس ابو مقار للمرة الاولي عام 1912 ؛ بمرافقة  الأمير ولي عهد سكسنويا ؛ وهو في الأصل عالم قبطيات . وخلال هذه الزيارة لاحظ سميكة خلو الكنيسة الرئيسية من حجاب الهيكل ؛ فأخبره رئيس الدير أنه نقل من مكانه أثناء الإصلاحات ؛ فسأله سميكة عن مكانه حتي أرشده رئيس الدير إلي غرفة مظلمة وكانت الحشوات الرائعة  ملقاة في زواية مهملة ؛ فنبهه سميكة قائلا  " إذا فقدت أي من هذه الحشوات ؛ لا يمكن تعويضها لأنها تساوي وزنها ذهبا " وطلب منه استدعاء  نجار ماهر علي الفور لإعادة تركيب حامل الأيقونات في مكانه ؛ وظل رئيس الدير يماطل في تركيب الحامل لمدة خمسة عشر سنة   حتي تدخل الانبا يؤانس ( كان  قائمقام بطريركي قبل  أن يصير بطريركا في 16 ديسمبر 1928 )  ؛ وطلب من الأنبا إبراهام أسقف البلينا والمعين للإشراف علي دير أبو مقار بإعادة تركيب الحال  في الحال ( صفحة 283 من الكتاب ) . 
 
وفي خلال عام 1939 ؛ قام سميكة بالتعاون مع يسي عبد المسيح ( 1898- 1959 )  أمين مكتبة المتحف ؛  بنشر " فهارس المخطوطات القبطية والعربية الموجودة في المتحف  القبطي والدار البطريركية  وأهم كنائس القاهرة والإسكندرية وأديرة القطر المصري "  في ثلاثة مجلدات باللغتين الإنجليزية والعربية . كتب سمكية في المقدمة " هدفي من نشر هذه الفهارس باللغة الإنجليزية  بالإضافة إلي العربية هو جذب انتباه جميع علماء الآثار والباحثين لها في شتي  أنحاء العالم ؛ والأهم هو وضع حد لتلف وفقدان تلك المخطوطات بسبب الإهمال أو البيع أو الإهداء   ..... وانه من دواعي  سروري أن أسجل أن العمل علي  جمع المكتبات وتنظيفها وتنظيمها كان محل تقدير كبير من الرهبان ؛ الأمر الذي أسعدني جدا عندما علمت بمحافظتهم  علي مكتباتهم وعنايتهم بالكتب بشكل لائق " .
 
وعن أهمية المكتبة في الكنيسة القبطية كتب سميكة " مما لا شك فيه   أنه كان هناك وجود لمكتبة منذ أقدم العصور ؛ ومن المؤكد  أن البطريرك قد نقلها معه من الإسكندرية إلي بابليون في القرن العاشر ؛ وتلا ذلك نقلها  إلي كنيسة ابي سيفين وإلي كنيسة حارة زويلة  ؛ ثم   إلي كنيسة العذراء بحارة الروم ؛ وأخيرا  إلي مكانها الحالي في كنيسة مرقس في الأزبكية " .
 
ويؤكد سميكة أنه قبل حبرية البابا كيرلس الرابع ؛ كانت المكتبة البطريركية مهملة تماما ؛ ولكن تحسنت الأحوال كثيرا بعد إعتلاء البابا كيرلس الخامس .
 
ويروي سميكة في مذكراته الدور الذي لعبه العالم الإنجليزي إيفلين هوايت  في البحث في مخطوطات أديرة وادي النطرون ؛ وعندما اكتشف عددا كبير منها في دير  أبو مقار؛  وطلب نقلها الي المتحف القبطي ؛ ورفض رئيس الدير في البداية ؛ فطلب هوايت تدخل سميكة ؛ فطلب سميكة بدوره تدخل البابا كيرلس الخامس ؛ الذي بدوره أصدر  أمرا إلي رئيس الدير بتسلميها ؛ ولكنه حذره قائلا " أنا علي إستعداد  لتنفيذ هذه الأوامر  إنما يجب  أن أحذرك من اللعنة التي تصيب أي شخص يحاول نقل تلك المخطوطات من الدير " وعندما أخبر هوايت سميكة بذلك ؛ رد عليه سميكة " لا داعي للقلق بشأن هذا الأمر ؛  فنحن ننقلها بأمر من البطريرك الذي هو رأس الكنيسة " ( صفحة 288 ) . 
 
وطلب هوايت السماح له بالسفر إلي لندن لترميم وتصوير هذه المخطوطات بهدف نشرها  . وبالفعل ظهرت هذه المخطوطات في ثلاثة مجلدات رائعة نشرها متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك عام 1926 . 
 
ثم قام هوايت بتعيين فتاة انجليزية تساعده في تحرير ونشر هذه المخطوطات ؛ فوقعت هذه الفتاة في غرامه ؛ ولكنه لم يبادلها نفس الغرام ؛ فقررت الانتحار بالسم ؛ وعندما طلبت السلطات الانجليزية التحقيق مع هوايت في هذا الأمر ؛  انتحر هو أيضا بإطلاق النار علي نفسه  فتوفي في الحال ؛وترك رسالة قال فيها " لعنة الرهبان حلت علي " . 
 
وكان آخر عالم تعامل معه سميكة ؛  إيطالي يدعي أوجو مونيريت دي فيلار Ugo Monnert de Villard ( 1881 – 1954 )  فقام سميكة باستقباله في المتحف القبطي ؛  وطلب أذنا من سميكة بنشر مقال عن باب  كنيسة القديسة بربارة في احدي الدوريات العلمية ؛ وبالفعل تم نشر المقال دون الإشارة  دور سميكة نهائيا ؛ وللأسف تكرر الأمر مرة أخري عندما نشر عن  الأديرة المصرية التي قدم له سميكة كل المعلومات اللازمة ؛ أما الأمر الأكثر ألما ؛ فهو امتناع دي فيلار عن رد معروف سميكة عندما طلب مساعدته  في  الإطلاع علي أحدي المخطوطات   في  أحدي المكتبات في باريس ؛ تماطل دي فيلار عن المساعدة ؛ فكتب سميكة في مذكراته وقال  " أكثر من  آلمني هو  أنني عندما سمعت منه عن وجود مخطوطة رائعة تعود للعصور الوسطي في مكان  ما في باريس كتبها مطران دمياط القبطي بنهرين قبطي وعربي وتحتوي علي منمنات ملونة دقيقة للغاية تصور مشاهد لحياة السيد المسيح ؛ حاول عبثا الحصول منه علي أسم المكتبة التي تحتفظ بها حتي أتمكن من الإطلاع عليها في إحدي رحلاتي المستقبلية لباريس ؛ لكنه تجنب إعطائي هذه المعلومة لأنه كان يخشي أن أسبقه في نشر مقال عنها " ( صفحة 289 ) .
( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- مذكرات مرقس باشا سميكة ؛  الصفحات  279 – 289 ) .