ميلاد حنا
«بهدلوني وحرقوا البيت ودخلوا جابونى من جوه ورموني قدام البيت وخلعوني هدومي»، كلمات كلما تذكرناها نشعر بالفاجعة والوجع لمصابها السيدة سعاد ثابت والمعروفة إعلاميا بـ«سيدة الكرم» بمركزأبوقرقاص، والتي تعرضت للتعرية والتعذيب هي وأسرتها سنة 2016 بسبب إشاعة استطاع منها المتطرفين خلق فتنة بين مسلمين ومسيحيين القرية، ومنذ أيام أيدت محكمة النقض حكم محكمة جنايات المنيا، ببراءة المتهمين الثلاثة في قضيتها بعد أن كان محكوم عليهم بالسجن 10 سنوات، ورغم كلمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي : «إن ما حدث لا يليق أن يحصل في مصر، أي حد هايغلط هايتحاسب» واعتذر للسيدة سعاد قائلا « أرجو أن السيدة المصرية متاخدش على خاطرها، محدش يقدر يفرق بين المصريين وبعضهم، والقانون يأخذ مجراه على أي عدد، كلنا نتحاسب، اللى يغلط يتحاسب» ولكن في النهاية ..القضية انقضت كمثلها في الكثير من القضايا الطائفية بانتصار المتطرف على المجني عليه

قضية «سيدة الكرم» ليست تعرية وتعذيب لها فقط على مدار 6 سنوات مدة المحاكمة للجناة وإنما تعرية لمصر كلها أمام العالم، وسط تواطئ من بعض الجهات في صعيد مصر مع المتهمين بتزوير محضر الإعتداء ، إضافة الى ظلم الشهود الذين قاموا بتغييرشهادتهم أمام القضاء لتبرئة المتهمين وسجن أحد أبنائها.

قضية أخرى لتغلغل التطرف وهي قصة الطفل شنودة الذي وجده زوجين مسيحيين عند باب كنيسة وعمره أيام، وقررا تبنيه بعد استشارة المعنيين في الكنيسة، إذ لم يرزقا بأطفال، وأطلق الزوجان على الطفل اسم شنودة ، وعاش بينهما لأربع سنوات، قبل أن تتقدم بنت أخت الزوج بشكوى إلى النيابة العامة للطعن في نسب الطفل إلى الأسرة الحاضنة، حتي تثبت النيابة عدم النسب وتقرر إيداعه في دار أيتام بوصفه «فاقدا للأهلية» وتغيير اسمه لاعتبار الابن مسلم طالما لم يولد من أبوين مسيحيين ولم يفكر أي شخص في روح القانون ولا الإنسانية ولا الأم التي كانت تبكي في كل مكان ولا الابن الذي سوف يكبر ناقم على الدولة وعلى الذي فعلته، وحاليا حكمت محكمة القضاء الإدارى بعدم الاختصاص ليعود الملف للمرحلة صفر بانتصار الفكر المتطرف.

ومن «شنودة» لـ«بارومي» تشابه كبير، وهي قصة منذ سنوات ولكنها طرحت بقوة العام الماضي على لجنة العفو الرئاسى، ولكنها لم تلقى أي استجابة حتى الآن، وهي قضية الشاب جرجس بارومى الذي اتهم باغتصاب فتاة وعليها تتابعت الأحداث من حريق و التعدى على بيوت الأقباط فى ديسمبر ٢٠٠٩ حتى حادثة مطرانية نجع حمادى فى ٧ يناير ٢٠١٠، وصدرالحكم على جرجس ب 15 عاما، رغم تقدم الأم بشهادات إثبات عقم ابنها وشهادة الشاب نفسه «أنا مظلوم معملتش حاجة … قولهم يكشفوا عليا» إلا إن في النهاية جرجس محبوس يشرب كأس الظلم لأخر قطرة حتى عام ٢٠٢٥، وشخصيا سألت أحد المسؤولين لماذا لا يعفى عن جرجس ضمن الشباب الذي يصدر لهم اعفاءات وخاصة انه مظلوم، فكان رده صادم الصراحة، قائلا:« نعرف انه مظلوم ولكن الأجواء في الصعيد وخاصة في قريته ملتهبة ولو أفرج الآن عنه سوف تحدث فتنة أكبر من التي قامت ولتأمينه ولتأمين الجميع الأفضل أن يبقى في الحبس»، وكأنه يؤكد على إن اليد العليا في الأرض للتطرف وأفكاره وليس للقانون وتشريعاته.

مع الاسف ..كثرت الأحداث واستمرت فى ظل انتشار التطرف فى مجتمعنا وتغلغله، راميا بظلاله على الاجراءات الامنية، دافعا رجال الامن بالقبض على الطرفين ظالم ومظلوم ، مدفوعون بالضغط على المظلوم لقبول التنازل عن حقه في مقابل خروج من له من السجون الذي ضمت بين جدرانها  محكومين في قضايا  ذمة ازدراء الأديان، من هنا ينشأ  ويترعر التوتر الطائفي بما أننا سمحنا بذلك.

لابد من الاعتراف بإن إفساد قضايا الأحداث الطائفية نتيجة اختراق الفكر المتطرف لأنفسنا وأسرنا وكل الجهات، ولم تكن هناك دولة للقانون ونحن نظل حتى الآن نعتمد على جلسات الصلح العرفية والتراضي على حساب الآخر. كما إذا استمرت جلسات حوار الأديان الشكلية بحضور الطرفين وخروج الصورة بشكل والواقع له شكل أخر، وهنا سوف يكون العنف والدماء هي لغة الحوار في ظل انتشار التطرف وتغلغله في مجتمعنا مع عدم وجود ردع واضح وصريح لمن يرتكب جريمة أو يحرض على تفرقة أو تمييز.