أمينة خيري
الفروق بين الدول، وبمعنى أدق بين الشعوب، وبعضها البعض كثيرة. هناك دول تأتى فى القمة، وأخرى فى الذيل، وثالثة بين بينين، وتفترض نظريات التطور والارتقاء أن يكون السعى دائمًا نحو القمة وليس فى اتجاه القاع. والبقاء فى القاع لا يحتاج الكثير من العمل أو الجهد، والمؤكد أنه لا يحتاج الكثير من التفكير. الغى قدرة أو رغبة شخص ما على التفكير، واقنعه أنه تم تعيين آخرين يقومون عنه بهذا الدور وستجد شخصًا خاملًا هاملًا متكاسلًا متراخيًا متواكلًا. ولمزيد من التقريب، تخيل معى عزيزى القارئ شخصًا أجبروه فى المدرسة على عدم توجيه أسئلة خارج المنهج، ومنعوه من التفكير فى سؤال الامتحان خارج إطار «الإجابة النموذجية»، وحين بدأ يسأل أسئلة خاصة بالله والخلق والمعتقد والنوع ونشأة الكون والشرق والغرب وغيرها من الأسئلة التى تبدأ بـ«لماذا» أو «كيف» شجبوه وأنبوه وأخبروه بأن عليه أن يسمع من المرجعية التى تم تحديدها فى هذا الشأن والاكتفاء بقول «آمين».

وإن عاودته «ضلالات» لماذا وكيف، التى تعنى أن المخ يعمل والرغبة فى الفهم والتعقل موجودة، حذروه من أن هذه «الضلالات» شيطان رجيم، فبات يحمل معه أينما ذهب شعورًا مريعًا بالذنب لأنه يفكر. هل جربت مرة عزيزى القارئ أن تدخل فى نقاش عقيم سخيف كتلك النقاشات التى تدور وتزدهر حولنا فى كل مكان، وتسأل أحد الجهوريين ممن يحملون قنابل وصف هذه بالفسق وذاك بالديوث وهؤلاء بالقوم الذين سيتم حرقهم فى نار جهنم على عكس قومه الذين سينعمون بالجنة والحور وأشاهى الطعام والشراب سؤالًا يحتاج قدرًا ولو ضئيلًا من إعمال العقل، وليس مجرد الصراخ بأن السائل كافر ومارق وعاص إلى آخر معزوفة الأوركسترا الفيلهارمونى؟، هل حصلت على إجابة ذات معنى يومًا؟!، لا أظن. هؤلاء ينطبق عليهم العبارة الدارجة «حافظ مش فاهم». هذا الشخص الذى حُرِم من حق السؤال ومن نعمة التفكير ومن متعة التعقل، هل سينظر إلى عمله باعتباره رسالة، وإلى حياته باعتبارها ذات معنى للمجتمع وللعالم، وإلى تفاصيل معيشته الصغيرة والكبيرة على اعتبار أن كلًا منها لم يأت اعتباطًا أو لأن «هذا ما ألفينا عليه آباءنا»؟!. لا أظن.

أغلب الظن أن إحدى أكبر مشكلاتنا أن جزءًا من ثقافتنا التى اتشحت بجلباب تدين السبعينيات تقوم على فكرة «آهى عيشة وخلاص». ولأنها «عيشة وخلاص»، ولأن كل الطموح والأحلام والغايات والأهداف تم ترحيلها إلى الآخرة، وليتها طموح يتعلق بقيمة أو كيان، بل أغلبها تم تصويره من قبل مسؤولى التفكير بالنيابة عنا على أنه طموح مادى فقط لا غير. وإنسان بدون طموح يحققه عبر عمل أو قيمة يضيفها أو فكرة جديدة أو ابتكار مفيد هو إنسان مسكين لا حول له إلا التكاثر، ولا قوة له إلا فى العدد، وكلاهما مهم، لكن قائمة الأمور المهمة طويلة.
نقلا عن المصرى اليوم