الأب جون جبرائيل
«لا تقتَرِبْ إلى هُنا. اخلَعْ حِذاءكَ مِنْ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوضِعَ الّذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ» (سفر الخروج ٣: ٥)

من أكثر الأمثلة اللي بتبين الأصوليّة في فهم نصوص الكتاب المقدّس وحرفيّتها في الكنائس المصرية هو هذا العدد من سفر الخروج بشأن "اخلع حذائك".

أنا ليس عندي أي اعتراض على دخول المسيحيّين الهياكل في مصر من غير حذاء. المشكلة تكمن في حرفية فهم النصوص وبطريقة تجهل النص. والأسوأ اعتبار دخول الشخص الهيكل بالحذاء إهانة للمقدّسات وعدم احترام لله! فهل الله تعالى لديه مشكلة مع الحذاء؟

أو على وجه التحديد مع "النعل" حيث هناك ما يسمّى في الكنائس القبطيّة التلّيج، وهو حذاء من غير نعل مسموح به دخول الهيكل.

كما قلت، الموضوع في حد ذاته ساذج، ولكن دلالته كبيرة من حيث تمثيلها للأصولية والحرفية في فهم الكتاب المقدّس.

خلع الحذاء له أكثر من معنى في ثقافه شعب بني إسرائيل. فعندما يبيع شخص بيتًا مثلا يخلع نعليه ليوثّق تركه ملكيه الأرض للطرف المشتري.. معنى ذلك في حضوري في بيت غير أكون حافي القدمين كعلامه على أني لا أملك هذه الأرض، أنا في ملك شخص آخر راجع راعوث ٤: ٧. فكلام الله لموسى في هذه الحالة معناه أنت هنا في أرض مكرسة لي. ومش مشكلة قائمة بين الله وحذاء الإنسان! راجع سفر يشوع الفصل ٥ الله بيطلب من يشوع يخلع نعليه. أيضًا بعض المزامير، «عَلَى أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي» مزمور ١٠٨: ٩ فهل المعنى هنا ان الله بيحدف آدوم بالحذاء مثلا؟

في معاني تانيه طبعًا قد تكون فكره التخلي، وقد تكون فكره الحذاء مصنوع من جلد حيوان ميت ممنوع بالنسبة لقواعد الطهارة اليهودية مع إنه عشاء الفصح لازم الكل يكون لابس الحذاء!.. إلخ.

المطلوب من موسى ويشوع أنهم ينموا إلى الأبعد من التفكير في الإله من مجرد مستوى حسي ملموس. محتاجين يبدأوا في الاقتراب من الله بعقولهم وقلوبهم.

طلب منهم خلع أحذيتهم. لماذا؟ لأن التخلي عن الأحذية تعبير عن التخلي عن شعورنا بأننا نملك، نملك كل شيء نملك الحقيقة، نملك الله ذاته!  يطلب الله أن يتخلى الإنسان عن تصوراته السابقة الناقصة عن الله، وأن يبدأ مسيرة جديدة! في ملك الله، في مدرسة الله وليس في مدرسة فكره الشخصي وما توارثه!

حاجه أخيرة موضوع خلع الحذاء إلى حد كبير هو تأثر المسيحيين في مصر من الممارسات الإسلامية اللي هي مش بالضرورة متفق عليها في الإسلام ذاته. وهذا هو الرازي يعطي شروحات رائعة حول النص في "مفاتيح الغيب" تفسير سورة طه آية ١٢: متاح على الإنترنت.  

الإبرة المصدّيّة