د. أمير فهمى زخارى المنيا
مثل عربي شهير وله صورة عامية هي: “يا فاحت البير ومغطيه لا بد من وقوعك فيه”. والمقصود بالمثل أن أولئك الذين يدبِّرون المكائد للآخرين لا بد وأن يأتي اليوم، آجلاً أو عاجلاً، ويقعون في نفس الفخ الذي نصبوه لغيرهم.

وهى مقولة نحفظها منذ صغرنا، وتقال فيمن يحيك المكائد لأقرب المقربين منه، إلا أنه يقع في شر أعماله، وترتد مكائده بذات الصفة لتضره. ويلاحظ أن محتوى هذا المثل موجود في عدة لغات ولكن بصيغ مختلفة منها اللغة التركية والإنجليزية والصينية، مما يدل على أن ثقافات جميع الشعوب تحث على الوفاء لأقرب الناس إلينا.

وقصه المثل هي:
هناك عدة روايات في قصة هذا المثل, إلا أن أقرب الروايات إلى الواقع هي :

يقال أن هناك أخان أحدهما تاجر كبير ، ثري ومرموق ، والآخر أعمى فقير الحال ، وكان الأخ الغني قد اعتاد أن يجلس بالقرب من باب دكانه يتسامر مع مجموعة من أصدقاءه التجار ، وكان أخاها الفقير الأعمى يمر من أمامهم كل يوم بثيابه الرثة وحالته المزرية ، يضرب الأرض بعصاه ، وعندما يلتفت التجار والناس يخجل أخاه الثري منه ومن حاله ، وقرر أن يتخلص منه في ذات يوم ، فاستدعى خدمه وطلب منهم أن يقوموا بحفر حفرة كبيرة عندما يسدل الليل ستاره ، وعندما يمر الأعمى من باب الدكان في طريقه لصلاة الفجر يقع في الحفرة ، ثم يأتي الخدم ويلقون عليه التراب ويدفنوه .

قام الخدم بحفر الحفرة ، وعندما حان وقت صلاة الفجر قام الرجل الغني وخرج من منزله ومر من أمام الدكان ناسيا أمر الحفرة ، فوقع فيها ، ولم يميزه الخدم في الظلام ، وظنوا أنه الأخ الأعمى فسارعوا وطمروا الحفرة بالتراب وفي الصباح لم يأتي الرجل الغني لفتح الدكان ، ووقف العمال والخدم في بابها ينتظرونه ، وإذا بالرجل الأعمى يأتي من بعيد يضرب الأرض بعصاه ، دهش الخدم ونظروا في وجوه بعضهم البعض ، وقال أحدهم : " حفر حفرة لأخاه فوقع فيها " ، ويقال أن هذه الجملة أصبحت مثلا عربيا يدل على أن الغدر والخيانة ، والانتقام تلقي شرورها على صاحبها .

ومثيله في الكتاب المقدس:
"مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَرًا يَرْجعُ عَلَيْهِ"
سفر الأمثال (26 :27)

تكرَّر هذا الأمر كثيرًا في قصص الكتاب المقدس، وهي قد كُتبت لتعليمنا وإنذارنا، فيجب علينا الالتفات إلى مضمونها ودروسها.

فهل ننسى قصة هامان الرديء (سفر أستير) الذي دبَّر مكيدته الشريرة لينتقم من مردخاي الرجل التقي، فدبَّر خطة مُحكَمة لصَلب مردخاي وإبادة شعبه بالكامل؟ ورغم دقة ترتيباته المذهلة، ورغم ختم قراراتها بختم المملكة الذي لا يمكن تغييره أو نقضه، إلا أن اليوم أتى سريعًا، لا ليتم قصده، بل ليُصلَب هامان نفسه على الخشبة العملاقة التي أعدَّها ليَصلِب عليها مردخاي.

ومازلنا نتذكر المكيدة التي أعدَّها الوزراء الحانقون على دانيال للتخلص منه (دانيآل٦).

فدبَّروا وخطَّطوا، وبحثوا نقاط الضعف والقوة، وخرجوا بخطتهم الشنعاء. ورغم أن المشهد بدا كما لو كانوا قد نجحوا، فأُلقي دانيال في الجب، إلا أنه لم يُصَب بضررٍ، لأن الله حفظه لتقواه.

وما إلا قليل حتى دارت الدائرة عليهم وأُلقي الكائدون في نفس الحفرة التي اقترحوها والتهمتهم الأسود على التوِّ فما عاد لهم أثرٌ.

يقول الحكيم عن الأشرار إنهم «يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ» (أمثال١: ٣١)، فالقانون ثابت أن ما يزرعه الإنسان لا بد وأن يحصده أيضًا (غلاطية٦: ٧).

كذلك يقول الحكيم «أَمَّا رَجُلُ الْمَكَايِدِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ (من الرب). لاَ يُثَبَّتُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ» (أمثال١٢: ٢-٣). فالرب الديان العادل لا بد من أن يوقع القضاء يومًا على رجل المكايد.

اسمع ما قيل أيضًا «إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا (أي الله)» (جامعة٥: ٨)، وهذا الأعلى هو صاحب القرار النهائي بعد كل عمل شر الإنسان.

لذا ليتنا نتعلم ألا نكون من هذه الفئة «ذُو الْمَكَايِدِ يُشْنَأُ (يكون مكروهًا)» (أمثال١٤: ١٧).

وإن كانت المكايد تُحاك حولنا، أو لنا، فليتنا نستمع القول: «انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ» (مزمور٣٧: ٧).

وقريبًا سيأتي ذاك الذي سيرسي العدل في الأرض.

هذا المقال الأول من سلسله مقالات سأتولى نشرها تباعا... نحكى المثل الشعبي وقصته وما يقابله في الكتاب المقدس من آيات وتأمل بسيط حوله للاستفادة منه في حياتنا ... تحياتى ..
د. أمير فهمى زخارى المنيا