سحر الجعارة
كلما هل شهر رمضان أجدك حاضرا ، فى صوت الشيخ "محمد رفعت" ، وفرحة الصغار بمدفع الإفطار ..وأضواء الفوانيس .. أرى النور الذى يبدد ظلمة حياتى."صوت الآذان" يجذبنى إلى تلك المدينة الوديعة ، كنت أهجر العاصمة المتوحشة بحثا عن أنفاسك تعطر المكان.

إنه "الموعد الثابت" بيننا .. هناك لا توجد حواجز تحول دون رؤيتك .. صورتك محفورة على الجدران .. وصوتك يقهر الضجيج والسنين والنسيان.كم أحتاجك .. أفتقدك بشدة .. أفتش بين ملامح الرجال عن قسمات "الطيبة" علنى أجد بعضا من صفاتك.

لا زلت أنتظر دفء يدك الحانية تربت على كتفى ، تمنحنى الإحساس بأمان ضاع منذ غبت عنى، لازلت أنتظر كلمة تشجيع تؤكد أن هناك من يؤمن بقدراتى .لازلت "وحدك" الحب الكامل فى حياتى.

كلما نجحت أحلم بأننى أجرى إليك ، أختبئ بين ضلوعك .. وكلما إنكسرت طالبنى "إسمك" بالنهوض من جديد.

كم تهت بعدك، وأكتسيت بسحب الحزن التى تزيد برودة الحياة ، كم تمنيت أن يتوحد عمرى بأيامك فلا أعانى مرارة "الفقد".

هناك "فى طنطا"، كنت أعود طفلة مشاغبة ، أوصبية تتعلم حوار القلوب لتتجاوز سنوات النضج التى تفصلنا .أتسلل إلى عقلك لأنتزع إعترافا بعمل المرأة ، تصدنى برفق وتوجز خوفك على بعبارة: (الناس لها عيون .. مالهاش قلوب)!!.. كم كنت ساذجة .. الآن فقط أدركت أن الناس ترى .. لكنها لا ترحم! .

لكن المدينة تغيرت، والبناية القديمة شاخت، أصبحت عجوز وحيدة، تبحث عن صوتك .. تنتظر "لمة عائلة" تفرق شملها.حتى أنا لم أعد أجرؤ على دخول الغرفة المطلة على الشارع .. وكأنك هجرت البيت لتسكن بقلبى .. فلأستقبل "العيد" بمفردى .. لن أذهب الى "طنطا".

أنا أسيرة "اليتم"، إعتقلتنى خبرة السنين وكأنها خيوط عنكبوت مكهربة، أصبحت ذكرياتى مفخخة بالتجارب المؤلمة .. إنها رفقتى الدائمة فى كل رحلة .. حتى إلى مسقط رأسى!.لم أعد أطلق تلك الضحكة ،التى كانت تعلن نبرة الأنوثة فى صوتى، فتنهرنى وتطالبنى بالوقار .. أصبحت وقور بحكم "الدور".. كأرملة مكبلة بملابس الحداد!.لم يعد قلبى ينبض بالفرح، نبضات قلبى المضطربة مجرد آله تربطنى بحياة لست فيها.حنينى إليك يسرقنى من كل العالم تُرى متى ألتقى بك؟ .. أنت القلب الذى لم تخترقه القسوة يوما .. والعقل الذى أرشدني لطريق الإنسانية .. وأنار لي دروب الندية .

أنت الرجل الذى شكل وعيى ، وكفكف دمعى .. وحقق أحلامى المستعصية .النموذج المثالى للرجل : (الحزم دون ديكتاتورية .. والسلطة دون استبداد ..والعطاء بلا حدود .. والتسامح لآخر المدى).."الستر" بمعناه الأدبي والموضوعي.أحبك .. يا من علمتنى الحب .. حنينى إليك موصول بموجة حنين جارف .. أنتظرك كل يوم .. كل دقيقة .. ربما يصبح "وجودك" حقيقة.وكلما سجدت بين يدى الله أسمعك تدعونى لصلاة الجماعة.

أنت أقوى من الغياب .. أنت موجود فى صرخة كل وليد .. وفرحة كل عروس .. ودمعة كل من تمنى وجودك!.لم تر أحفادك يهدوننى "فانوس رمضان" .. كم يشبهونك فى الملامح والصفات!.أحبك با أبى .. أحبك لأستمر .. انت تمرى وعيدى .. وفرحى الوحيد وحزنى الأصيل .

لم تغب يوما عنا يا أبى .. أنت "الفارس" الذى أحبته أمى وإحتواها فى الدنيا ثم دعاها للآخرة.. لتطبق دائرة الوحدة على عنقى .. فلا أتنفس إلا الحسرة والوجع.لم أجد فارسا –مثلك- يصد عنى العيون الجائعة، ولازلت أفتش عن صورتك، فلا أرى فى الرجال أخلاق الفروسية ، فقط أسمع "صهيل الخيل"!!.أنا "وحيدة" جدا .. وكأنما اعتزلت الحياة .. وأغلقت على نفسى قبر خالى من الخداع والطمع!. أنا متعبة من طول الرحلة و قسوة المعارك وضجيج العاصمة وغدر الأصحاب و خذلان الأحبة .. شاخت "صغيرتك" أصبحت عاجزة حتى عن "البوح" : كل ما أملكه الآن هو "إسمك" .. ياااه كم هى مسئولية صعبة أن أحمل إسمك .
نقلا عن الوطن