أيمن زكى
في مثل هذا اليوم من سنة 395 م. تنيح الأب الطوباوي القديس أنبا مقاريوس الإسكندري كان هذا الأب معاصرًا للقديس أنبا مقاريوس الكبير ابو البطاركة الأساقفة وأبو  الرهبان، ولهذا أُطلِق عليه اسم مقاريوس الصغير، وهو أحد القديسين الثلاثة باسم مقاريوس (القديسين الثلاثة مقارات)  
 
 وُلد بالإسكندرية من والدين فقيرين، اشتغل خبازًا بضع سنين، وكان محبًا للناس، وكان قصير القامة ليس له لحية، وله شارب رفيع. تعمَّد في الأربعين من عمره، وبعد ذلك اتخذ قراره بترك كل شيء في العالم، وذهب إلى القديس أنطونيوس وتتلمذ له وترهب بوادي النطرون في أيام الأنبا مقاريوس الكبير. بعد ذلك توجه إلى الصحراء المجاورة للإسكندرية إلى سيليا التي كانت قفرًا موحشًا ليس فيها طريق من أي نوع ولا أي أثر لكائنات حية، وكان هذا المكان بين نتريا والإسقيط. يبعد عن نتريا حوالي 15 كيلومترًا، وبينه وبين الإسقيط حوالي 119 كيلومترًا 
 
ونظرا لتزايده في النسك صار أبا ومرشدا لجميع القلالي القريبة من الإسكندرية ولذا دعي آب جميع القلالي. وقد قام بعبادات كثيرة وتحلي بفضائل عظيمة وباشر نسكا زائدا، ومن ذلك أنه لبث مرة خمسة أيام وعقله في السماء وشغل نفسه بعد أن وقف علي حصيرته بالقديسين السابقين البطاركة والأنبياء وطغمات الملائكة والسيد المسيح والرسل ولما كملت ليلتان صارت الشياطين تخدش رجليه ثم تعمل كالثعابين تلتف حولهما. كما أظهروا نارا في القلاية وظنوا أنه يحترق، وأخر الآمر -بصبره- تلاشت النار والخيالات. وفي اليوم الخامس لم يستطع أن يضبط الفكر في اهتمامات العالم وكان ذلك لكي لا يتعظم ثم قال أني بقيت في النسك خمسين سنة ولم تكن مثل هذه الخمسة الأيام.
 
قام بإدارة مدارس طالبي العماد ثم اعتكف في سنة 335 ميلادية في صحراء وادي النطرون وهي التي كان يطلق عليها وقتئذ اسم القلالي. 
وذات مرة سار في البرية عدة أيام في طريق غير ممهدة، وكان يغرس في الطريق قطعا من البوص لتهديه في العودة ولما أراد الرجوع وجد الشيطان قد قلعها كلها ليضله، فلما عطش أرسل الله له بقرة وحشية فشرب من لبنها حتى ارتوي إلى أن عاد إلى قلايته، 
 
وأتته مرة ضبعه وبدأت تجر ثوبه فتبعها إلى مغارتها فأخرجت له أولادها الثلاثة فوجدها ذوات عاهات فتعجب من فطنة الحيوان وصلي ووضع يده عليها فعادت صحيحة وغابت الضبعه وعادت وفي فمها فروة قدمتها له وظل يفترشها حتى وفاته، وقد أتعبته أفكار الكبرياء مرة فدعوه إلى رومية ليشفي المرضي هناك - بدل أن يقاسي تعب السفر إليه فأخرج رجليه من القلاية ونام ثم قال لأفكاره: اذهبي أنت ان كنت تستطيعين " ولما أتعبته أفكاره حمل علي كتفه مقطفا من الرمل وسار به إلى البرية إلى أن تعب جسده وتركه فكر الكبرياء واستراح.
 
وكان القديس يشفي أناسًا عديدين بهم أرواح نجسة وجموعًا غفيرة لا تُحصى، وكان له قوة إخراج الشياطين بمجرد إشارة الصليب. 
وجاءه كاهن وكان وجهه مهرأ بسبب المرض الذي كان يُسمي السرطان. لم يكن يظهر فيه سوي العظم، فكان منظره بشعًا للغاية، وقد أنفق كل ماله علي الأطباء ولم يُشف.
 
فسقط الكاهن عند قدميه متوسلًا أن يصلي إليه، لكن القديس أدار وجهه عنه، وإذ رجاه الحاضرون وقالوا له: "يا أبانا كن رحيمًا علي هذا الرجل. أنظر إليه، واستجب إلى حاجته"، قال لهم: "اتركوه فإنه لا يستحق الشفاء، لأنه يذهب إلى مكان الذبيحة وهو دنس!"
 
و صار الكاهن يترجاه لمدة ثلاثة أيام وأخيرًا أشفق علي دموعه وناداه قائلًا له: "هل تعرف لماذا جلب الله عليك هذا العقاب؟" فأجابه قائلًا: "نعم يا سيدي!" قال الشيخ: "مادمت تعرف خطاياك إذن تُب فتخلص". وطلب منه الشيخ أن يترك العمل الكهنوتي حتى يخلص من العذاب الأبدي. وإذ وعده الشيخ بذلك دهن وجهه ورأسه بالزيت والرب شفاه. عندئذ استأذن وذهب قائلًا: "سأبقي من الشعب إلى أن أموت!"
 
ومضي مرة إلى دير القديس باخوميوس في زي علماني وأقام هناك مدة الأربعين المقدسة لم ينظره أحد في أثنائها آكلا أو جالسا بل كان في كل هذه المدة يضفر الخوص وهو واقف فقال الاخوة للقديس باخوميوس أخرج عنا هذا الرجل لأنه ليس له جسد فقال لهم تأنوا قليلا حتى يكشف لنا الله أمره فلما سأل الرب عنه عرفه أنه مقاريوس الإسكندري ففرحوا به فرحا عظيما وتباركوا منه ولما رأي أن فضيلته قد اشتهرت عاد إلى ديره.
 
وحدث أنه لما امتنع نزول المطر بالإسكندرية استدعاه البابا البطريرك فحين وصوله هطلت الأمطار ولم تزل تهطل حتى طلبوا منه إيقافها فصلي إلى الرب فامتنعت.
وقد نفاه الملك فالنز الأريوسي إلى إحدى الجزر مع القديس مقاريوس الكبير فقاما بهداية أهلها إلى الإيمان المسيحي وعادا إلى مقريهما وكان يعتبر أن الفضيلة التي تعرف وتذاع عديمة الجدوى وإذا سمع عن إنسان أنه يمارس فضيلة لم يمارسها هو لا يهدأ باله حتى يتقنها أكثر منه وقد أكمل حياته في سيرة روحية حتى وصل إلى شيخوخة صالحة وتنيح بسلام 
"منذ اليوم الذي صرت فيه راهبًا لم أكل خبزًا حتى الشبع، ولم أنم حتى الشبع. وكل الآباء الشجعان لم يمرضوا، لأنهم كانوا يضبطون أجسادهم بحسب القدر المحدود"
بركه صلاته تكون معنا آمين...
ولالهنا المجد دائما ابديا امين...