محمد يونس
سؤال أمس كان  ..((ولكن كيف تم هذا ؟.)) ..
بعد انتهاء الحرب سألوا واحدة من المتحمسات للنازى هذا السؤال فردت (( لقد تم كل شىء بسرعة وعلى خطوات بحيث تسربت هذه الأفكار الى دمائنا ببطء يوما بعد يوم .. وكانت الانتصارات القومية تجعلنا لا نرى الواقع التعس الذى نعيشه وتصبح كل أعمال العنف التى تحيطنا ثمنا مناسبا لعودة الكرامة)) .

أجاب آخر (( أى حرية تلك التى فقدناها .. حرية الجوع.. لقد كنا سبعة مليون من العاطلين.. عندما تعطينى الخبز حتى ولو كان قليلا فانه أفضل من الجوع)) .

أجاب ضابط ((لقد حقق هتلر أهدافا قومية بإرجاع النمسا والاستيلاء على تشيكوسلوفاكيا واحتلال الراين بدون أن يطلق طلقة واحدة .. لقد أعاد لى الدبابة والطائرة والغواصة بدون أن يهدر نقطة دم واحدة )).

أجاب آخر ((أليست فكرة رائعة أن أشعر رغم جوعى بأننى من جنس راق .. بعد كل الذل الذى عانيناه من معاهدة فرساى .. ألا يستحق هذا التغاضى عن بضعة آلاف من اليهود والشيوعيين والسياسيين القدامى الذين أفسدوا الحياة السياسية وجلبوا لنا الضعف والمهانة والمسكنة .))

لقد استطاع هتلر بإطلاق فكر شوفونى مريض عن القومية الألمانية وباستغلال خور وضعف حكومات إنجلترا وفرنسا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا .. تحقيق انتصارات تعتمد على مهارات الكذب والدجل ( البلف ) تشبه مغامرات لاعبى البوكر .. وبإطلاق أبواق الدعاية المركزة وبإرهاب أصوات المعارضة وبديماجوجية خطابية .. أن يسرق حلم الحرية والديموقراطية من شعب جائع محطم يعيش أزمة اقتصادية و أزمة ثقة بالنفس ... ولقد كانت أسلحته فى ذلك .. المناورة ..المباغتة .. والكذب .

واستطاع خطوة .. خطوة أن يستولى على الحكومة وأجهزة الدولة والإعلام والسيطرة ويحركها كلها بمهارة فى سبيل تحقيق حلمه ..
وعلينا ألا نستهين بذلك فالشعب الألمانى المثقف المتحضر استطاع هتلر فى النهاية أن يقنعه بأنه مبعوث العناية الإلهية ومحقق رغبتها فى اللحظة – وهذا الغريب – التى لم يكن يحترم فيها دينا أو كنيسة أو ثقافة أو تقاليد.

لقد أحكم هتلر قبضته على الشعب الألمانى من خلال عدد من الأجهزة والنظم ... فلنستعرضها
1  - حزب ( وطنى – اشتراكى ) وحيد يمتلك الساحة على رأسه زعيم ملهم .
2  - نمط ثقافى شوفونى موجه دستوره كتاب ( كفاحى ) .
3  - نظام بوليسى قوى متغلغل له أدواته القمعية وقاعدته من معتقلات وسجون
4  - مؤسسات تشريعية ونيابية وقضائية صورية هى دمى فى يد النظام .
5  - جهاز إعلامي له قدرة عالية على الخداع والانتشار ينقل وجهة نظر وحيدة
6  - جهاز دولة مركزى بيروقراطى يسيطر على كافة الأنشطة الاقتصادية وحياة الناس .
7  - جيش له امتيازات خاصة ومعتنى بتدريبه وتسليحه معتاد على الطاعة .
8  - تحالف قوى الإنتاج الإقطاعية والرأسمالية مع العمال والفلاحين بقيادة البيروقراطية المتحكمة فيهم جميعا.

  إنها السمات المشتركة لغالبية أنظمة الحكم الفاشستية لم يخترعها هتلر ولكنه طورها من أمثلة تاريخية سابقة و أعطاها ملامحها الحديثة التى وصلت إلينا بها .

1  - الحزب ( الوطنى الاشتراكى ) النازى
عندما استدعى رئيس الجمهورية الألمانية العجوز هندنبرج فى 30 يناير 1933 الهر أدولف هتلر ليعينه مستشارا لألمانيا ( رئيس وزراء ) كان بذلك ينهى تلك المرحلة الطويلة من نضال الحزب للوصول الى السلطة .

حقا لم يكن هذا الحدث يمثل الانتصار الكامل للحزب فلقد كان يشاركه الحكم آخرون .. ولكن سرعان ما استطاع هتلر بالتآمر أن يجعل هذه اللحظة هى لحظة الانتصار النهائى له ولحزبه .

ففى 17 فبراير حرق مجنون هولندى – كما ادعى هتلر – مبنى الرايشستاخ وتولت ميليشيات جيش العاصفة بعد ذلك اعتقال جميع العناصر المناوئة أو اغتيالهم بحجة انه تدبير شيوعى .. ورغم انه قد ظهر بعد ذلك أن أعضاء من الحزب بقيادة وتخطيط جورنج الرجل الثانى هم الذين حرقوا المبنى إلا أن ذلك لم يمنع استمرار سيطرة النازى على الحكم وتصفية الحياة السياسية فى البلد وحل جميع الأحزاب وحظر نشاطها والاستيلاء على مقارها وميزانيتها ومطاردة زعمائها حتى لم يبق فى النهاية الا الحزب الوطنى الاشتراكى .

وكان الحزب منظما بطريقة تشبه الجيش له جهاز حزبى دقيق ومعقد وعلى رأسه هتلر (( الزعيم الأعلى للحزب والقائد الأعلى لجيش العاصفة ورئيس منظمة العمال الألمان الاشتراكية الوطنية)) .

وبعد الزعيم الأعلى نجد مجلس مديرى الرايخ على اتصال مباشر به يليهم القائد الإقليمى لكل مقاطعة ( محافظة ) والذى يتم تعيينه بشكل مباشر ثم تنقسم المقاطعات الى حلقات يرأس كل حلقة قائد ثم تنقسم هذه الحلقات الى وحدات أصغر تدعى فئات محلية تنضم كل فئة الى خلايا الشوارع أو الأبنية أو القرى .
وكانت هناك دوائر مركزية للشئون الخارجية والنقابات العمالية والصحافة وتسمى1 PO  ومهمتها الأساسية مهاجمة القوى السياسية الأخرى و أعمال التخريب ومراكز أخرى تسمى

2 PO  للزراعة والعدل والاقتصاد الوطنى والداخلية والعمل والثقافة والهندسة ومهمتها تنظيم هذه الأنشطة والسيطرة عليها .

أما الإعلام والدعاية فدائرته مستقلة قائمة بذاتها .. كذلك هناك منظمات نسائية وللشباب والأطفال .

ولقد أولى الحزب اهتماما خاصا بالشباب فكون لهم منظمة شبيبة هتلر للفتيان من 15 – 18 عام كانت مهمتها الاهتمام بثقافتهم والإشراف على مدارسهم وصحافتهم ودعايتهم ورياضة الدفاع عن النفس .

وكان للفتيات أيضا اتحاد الفتيات الألمانيات وللنساء منظمة النساء الوطنيات الاشتراكيات .

كذلك كانت هناك اتحادات الطلاب والمعلمين والموظفين والأطباء والمحامين والقضاة  .. ورابطة الثقافة النازية التى تضم المثقفين والفنانين .

وعلى الطرف الآخر كان هناك الجناح العسكرى للحزب ممثلا فى جيش العاصفة وهو قوة تضم مئات الألوف من الرجال .

فى البداية كانت مهمتهم حراسة اجتماعات الحزب وتخريب اجتماعات الأحزاب المعارضة .. ثم تحول ليصبح الوسيلة الأساسية لنشر الإرهاب النازى .

لقد كانت فرق العاصفة بملابسهم البنية إذ كان أعضاؤها يرتدون قمصانا بنية لهم أيضا مكتب سياسى خاص فى الحزب يسمى مكتب الجيش الشعبى .

هذا هو التنظيم أما إدارته فلقد كانت ديكتاتورية فالزعيم الأوحد يصدر التعليمات لمجموعة من الزعماء الأصغر الذين يتولون نقلها للقيادات التالية .. وكانت هذه التعليمات مقدسة ولا تقبل أى مناقشة أو تعديل فيما يسمى بالتوجيهات الحزبية وكلاهما أى التنظيم والإدارة تجسيدا لفكر الزعيم الذى حدده فى كتابه ( كفاحى ) بالشكل الآتى : -

((عندما تختفى جميع السلطات لا يكون فى وسع أحد إلا إذا كان منبثقا من الشعب أن يعيد تركيز السلطة .. وكلما كانت جذوره أعمق فطريا فى القاعدة الشعبية كان أكثر صلاحا لفهم معاملتها نفسيا وزادت ثقة العمال به واكتسب عددا ضخما من الأنصار بين صفوف الشعب من ذوى الحماسة والحيوية .. وقد لا يشترك هذا الرجل مع الجماهير فى أية خصلة من خصالها اذ يكون – مثل كل العظماء – متفردا ذو شخصية مستقلة بذاتها ولكن عندما يتطلب الأمر لا ينكمش أمام سفك الدماء وكثيرا ما تقرر القضايا العظيمة بالدم والحديد وهو على استعداد ليدوس أقرب أصدقائه ليتمكن من الوصول لهدفه واذا اقتضت الحالة ففى وسعه أن يخطو على الشعب بحذاء الجندى القاذف للقنابل اليدوية)) .

وهكذا حدد هتلر صفات الزعيم والحزب ولقد بقى مخلصا لهذا الوصف وحتى الساعات الأخيرة من حياته  .

لقد بدأ بتصفية " روهم " فى مذبحة 30/6/34 وانتهى بتجريد هملر وجورنج من كل مناصبهم فى أبريل 45 . لقد كان يعنى ما يقول .. رغم أن الجميع لم يصدقوا أن من الممكن أن يتحقق هذا فى الواقع..( نكمل حديثنا باكر )