تنفس الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن، ورئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي الصعداء، بعد التوصل إلى اتفاق في آخر لحظة بشأن رفع سقف الدين العام، ما يثير مفاجأة كونهما يقفان على طرفَي نقيض سياسيا.

 
الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن هو مرشّح الديموقراطيين للانتخابات الرئاسية المقبلة، وكان رافضا في البداية لفكرة التفاوض حول رفع سقف الدين العام، معتبرا أن على الجمهوريين المسيطرين على مجلس النواب واجب دستوري بحماية البلد من التخلّف عن سداد ديونه دون رفع سقف الدين.
 
أمّا رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي، فاعتبره بعض النقاد دمية لأكثر اليمينيين تطرفا في حزبه، خصوصا أنه يؤيد الرئيس السابق دونالد ترامب وأراد عزل بايدن، حتى لو تسبب ذلك بفوضى اقتصادية.
 
لكن بعد أشهر من التوتر المتفاقم، ارتبط اسما بايدن ومكارثي بطريقة غير متوقعة، إذ وضعا خلافاتهما جانبا لإنقاذ الاقتصاد الأميركي، ما أدى إلى تصويت أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الخميس، لصالح تعليق العمل بسقف الدين الفيدرالي بعد يوم على إقراره في مجلس النواب.
 
وحذّر خبراء اقتصاد من أن الولايات المتحدة قد لا تكون قادرة على سداد فواتيرها بحلول يوم الاثنين، ما لا يترك أي مجال للتأخر في تطبيق "قانون المسؤولية المالية" الذي يمدد سلطة الاقتراض الحكومية إلى العام 2024 مع خفض الإنفاق الفيدرالي.
 
تحدي الافتراضات 
قبل أسابيع قليلة، لم تكن التوقعات عالية أبدا بالنسبة لإمكانية توصل الزعيمين لاتفاق.
 
بالإضافة إلى أن الحقبة السياسية الحالية في الولايات المتحدة تشهد مواجهات سياسية متطرفة، كان مكارثي وافدا جديدا إلى منصب رئاسة مجلس النواب في حين أن بايدن لا يحظى بشعبية، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
 
لذلك، كان مجرد جمعهما لإجراء محادثات عقبة بحد ذاته.
 
لكن في النهاية، تحدى بايدن النقاد الذين اشتكوا من إخفاقه في التعاون من أجل إجراء مفاوضات.
 
أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار أن بايدن كان يعلم تماما متى يمنح فريقه المفاوض "المساحة والوقت" لأنه كان يتمتع بخبرة في مجلس الشيوخ امتدت على أربعة عقود قبل أن يصبح نائب باراك أوباما في البيت الأبيض.
 
وفي الكواليس، كان بايدن منشغلا دائما، لا سيّما منذ ساعات الفجر الأولى بحيث شارك مثلا في اتصال عند الساعة 4:30 صباحا في يوم أحد، بحسب مقال لشبكة "سي إن إن" أعاد مدير التواصل بالبيت الأبيض بن لابولت نشره على تويتر الخميس.
 
ورغم أن مكارثي لم يضمن تخفيض بعض النفقات التي كان يطالب بها الجمهوريون، أجبر بايدن على بعض التنازلات وتجنب - في الوقت الحالي على الأقل - احتمال التمرد من داخل صفوفه.
 
فوز فارغ؟
تحاول واشنطن النظر إلى الطرف الذي خرج من الفوضى السياسية قبل الآخر.
 
فمعسكر بايدن يمكنه التفاخر بأن الاتفاق سيسمح بالاقتراض الحكومي لمدة عامين، ما يعني أن الجدال السياسي لن يتكرر خلال فترة انتخابات 2024 الرئاسية.
 
وتمكّن بايدن أيضا من جعل الجمهوريين يتراجعون عن معظم مطالبهم الرئيسية التي كانوا قد طروحها كشرط لعدم ترك واشنطن تتخلف عن السداد.
 
أمّا معسكر مكارثي، فسجل هدفا من خلال إقحام بايدن في مفاوضات كان قد قال إنه لن يجريها على الإطلاق.
 
وواجه مكارثي أيضا أكثر أعضاء حزبه جموحا، رغم أن الغضب مما يبدو تنازلا منه لبايدن قد يؤدي إلى الدفع نحو إقالته.
 
وقالت الأستاذة في العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن سارا بيندر "كان كلاهما قادرا على حفظ ماء الوجه نظرا إلى أن أيا من الطرفين لم يحصل على كل ما يريده".
 
لكن الإنقاذ المحض من كارثة اقتصادية لا يُعدّ كافيا للاحتفال، بحسب الأستاذ في التاريخ بجامعة برينستون جوليان زيليزير.
 
وأوضح "اضطر (مكارثي) للتفاوض، لأن حليفه الوحيد لإنقاذ البلد كان الرئيس والديموقراطيون، وهذا ما حصل بالضبط. لذلك أعتقد أنه في الحقيقة لا علامة على إنجاز تشريعي وسياسي عظيم".