طارق الشناوي
عرض منذ أيام الفيلم السورى (نزوح) للمخرجة والكاتبة سؤدد كنعان، سبق أن تناولت الفيلم نقديا، قبل بضعة أشهر فى مهرجان (البحر الأحمر).

المخرجة تعيش خارج الحدود، المثقف يعانى صعوبة فى التعبير عن موقفه السياسى، سواء عاش فى الداخل أو الخارج، قررت سؤدد أن تبتعد عن اتخاذ موقف مع أو ضد الثورة السورية، قدمت المعاناة التى يعيشها المواطن (مؤيد أو معارض)، والحلم بالهجرة كحل حتمى، المنطق يقول إن كل المشاركين فى الفيلم من السوريين مثل كندة علوش وسامر المصرى، ونزار العانى وهالة زين، توافق الفيلم أو كحد أدنى لم يتناقض مع قناعاتهم السياسية.

الوقوف على الحياد سياسيا هو الحل الوحيد، حتى يعرض الفيلم عربيا، وأيضا يمنح المشاركين فيه حماية من أى مساءلة أمنية داخل الوطن.

لا تنسى كلمة د. يوسف إدريس (كل الحرية فى عالمنا العربى لا تكفى كاتبا واحدا للتعبير عن رأيه) وكما أوضحها بعد ذلك الكاتب الفلسطينى غسان كنفانى (أنا أحكى عن الحرية التى لا مقابل لها، الحرية هى نفسها المقابل).

الشريط السينمائى يحمل قطعا مجازفة إبداعية وهى أن يقول كل ما يريده سياسيا، بدون إثارة أى غضب، تلك فقط كانت المغامرة الأولى، أما الثانية فهى أن يعرض بمصر.

نتذوق الأغانى اللبنانية والخليجية والسودانية والسورية بنسبة معتبرة بلهجاتها المتعددة، قطعا اللهجتان اللبنانية والسورية لهما الرصيد الأكبر نظرا لتكرار الأغانى مع انتشار الأسطوانة فى مطلع القرن العشرين، قبل البث الإذاعى، كما أن الحفلات الغنائية فى الخمسينيات و(أضواء المدينة) تحديدا التى كان يقدمها الإذاعى جلال معوض فى زمن جمال عبدالناصر، كانت تحرص أن يغنى الفنان العربى بلهجته، وهكذا عرفنا المطرب السودانى سيد خليفة (المامبو سودانى) وفهد بلان (واشرح لها) ونجاح سلام (برهوم حاكينى) وغيرها، ظل على المقابل الشريط السينمائى العربى غير متواجد فى الشارع المصرى.

أتذكر عام 1984 فى مهرجان القاهرة السينمائى الذى أقيم فى دار سينما (مترو)، بعد عرض فيلم (الحدود) بطولة وإخراج دريد لحام وشاركته رغدة، الفيلم كتبه محمد الماغوط، حملت الجماهير على الأعناق دريد لحام، وطالبت نجومنا، وكان بينهم فريد شوقى، بأن يقدموا أفلاما سياسية مثل (الحدود)، الذى حمل توجها يطالب بإسقاط الحدود بين البلاد العربية وإلغاء (تأشيرة) الدخول.

التقط أحد الموزعين الفكرة، صارت بالنسبة له صفقة، وقرر بعد نهاية المهرجان عرض الفيلم جماهيريا، معتقدا انه سيجنى الآلاف، وكان هذا الرقم (الذى تسبقه ثلاثة أصفار) دلالة على النجاح الطاغى، التجربة لم تحقق (شباك التذاكر) المرتقب، وكانت هناك قبلها وبعدها، العديد من المحاولات المتفرقة لعرض أفلام تونسية، وبعضها تمت دبلجته باللهجة المصرية. ولم تنجح التجربة جماهيريا، أحيانا تثار قضية كتابة الحوار بالعربية على الشاشة (اللهجة البيضاء) التى تبتعد عن الإغراق فى الكلمات المحلية.

وتلك نقطة شائكة جدا فى المغرب العربى تحديدا، رغم أن المهرجانات مثل (كان) تعرض كل الأفلام الناطقة بالإنجليزية بحوار مكتوب بالإنجليزية على الشاشة حتى يتيح لأكبر قطاع من الجمهور استيعابه، إلا أن هذا الحل، عربيا، كثيرا ما يقابل ليس فقط بالرفض، لكن بالتشكيك فى نوايا قائله.

لا أتصور أن مشكلة الفيلم العربى فى الشارع المصرى هى اللهجة ولكن الألفة، لم يعتد المشاهد أن يقطع تذكرة إلا للفيلمين المصرى والأمريكى، حتى الفيلم الهندى الذى كان يحقق قبل 30 عاما نجاحا جماهيريا طاغيا ينافس الفيلم الأمريكى إلا أنه حاليا لم يعد يقنع أحد بقطع التذكرة.

الجمهور لا يجد صعوبة عادة مع اللهجة السورية، يستطيع فك شفرتها ببساطة، المسلسلات السورية وأيضا التركية المدبلجة بالسورية مهدت الطريق، ويبقى أن يتعود الجمهور قطع تذكرة السينما من أجل فيلم عربى، مثلما يفعلها فى الحفلات الغنائية لكاظم وأصالة ونانسى وصابر، وغيرهم، الأمر يحتاج إلى أكثر من محاولة، وأتصور أن (نزوح) طرق الباب وعلينا أن ننتظر طرقات أخرى!!.
نقلا عن المصري اليوم