قصة قصيرة بعنوان
يوم اللقاء
 
فيفيان سمير 
 
استيقظت مع أول ضوء للشمس، تأخذها اللهفة للقاء من غاب منذ سنوات، لكنه وعدها أن يعود، وقد آمنت بوعده، ارتدت فستانها المزركش، الذي فصلته خصيصًا لترتديه عند عودته، عقدت ضفائرها الطويلة وهي تجرى للقائه، دون أن تلقي ولو نظرة على مرآتها، لا يهم شكلها، كان دائمًا يقول لها أنه يرى روحها التي تلبسته قبل أن يخط شاربه، وملامحها التي طُبعت في عينيه كأجمل الصبايا، ومهما تغير شكلها ستبقى له أجمل الجميلات. 
 
تركها عروس في العشرين من عمرها، لم يمر على زواجهما سوى شهر واحد، ذهب مع شباب الحي لإيطاليا، أراد أن يأتي بالمال، ليشتري لها بيت ويفتح ورشة، هو "صنايعي شاطر" وحتمًا سينجح. أخذت كومة الجوابات التي كتبتها له ولم تعرف عنوانه لترسلها، دستها في صدرها إلى جوار قلبها، فهذا هو العنوان الوحيد الذي تعرفه له، أول جواب كانت تريد أن تخبره أنها ستبقى مع والدته لن تتركها حتى يعود، الثاني أرادت أن تطمئن عليه وتعرف عنوانه، الثالث أخبرته أنه ترك بداخلها جزءا منه، سيحمل أسمه وملامحه، والرابع والخامس والعشرين والمائة، "مش مهم" المهم أنه سيعود. 
 
وصلت الميناء، انحشرت وسط أمواج البشر، تسأل عن المركب القادمة من إيطاليا، لا أحد يجيبها، المشي أرهقها، جلست على الرصيف في انتظار الإعلان عن وصول المركب التي سترد روحها إليها، غفت في جلستها، لتصحو على يد حانية تضُمها برفق وتُقبل جبينها، تتسع ابتسامتها لتملأ وجهها، تلقي بنفسها في أحضانه، تتعلق به كطفل تائه وجد أمه، تتحسس ملامحه وتغمرها الفرحة، يقوم ويمد يده لينهضها عن الرصيف، تشعر بألم يعجزها وتخونها ركبتيها، تستند لذراعه وتتشبث به، دموعه تغرقها، تجرى في الأخاديد التي حفرها الزمن في وجهها، تستند إليه وتتعكز عليه ليعيدها للبيت، تمر بالمرآة، لا تصدق، من هذه العجوز الواقفة أمامها؟ كيف تظهر في مرآتها، لا تعرف هذا الوجه المجعد المغلف بالشعر الأبيض، من هذه التي احتلت جسدها وتُطل عليها، تبدأ في الهياج والثورة كما يحدث كل يوم، يسرع أبنها بإعطائها الدواء وتهدئتها، يدثرها بالأغطية ويساعدها لتنام، روتينه اليومي، قلبه يعتصر لما يصيبها، يود أن يخلع عنها ذلك الألم الذي لا ينتهي، لكن لا حيلة له ولا جدوى من الكلام، يوصى زوجته برعايتها وينصرف لعمله. 
 
غرق القارب منذ أربعين عامًا، كانت أول وآخر مرة يخلف فيها وعده، لن يعود، تجاوزت الصدمة، أنجبت أبنها الذي ورث كل ملامح أبيه وحنيته، ظلت تخاطبه في خيالها وتحكى له تفاصيل حياتها، لم تُسلم بغيابه يومًا، لم يُغادر أسوار قلبها المغلق عليه وحده، تقنع نفسها أنه مازال مسافرًا وسيعود. وهن الجسد ومرضت الذاكرة، سقطت كل سنوات عمرها بحلوها ومرها، وأستسلم العقل للغياب، لكنه تشبث بالحقيقة الوحيدة المحفورة بكل خلية من خلاياه، الأمل الذي أبقاها على قيد الحياة، وإن كان وهمًا، ملامح وجهه ويوم اللقاء، سيعود.