أعدها الباحث - مجدى سعدالله
ولد أبينا القمص ثاوفيلس في مركز المنشاة سوهاج 1927 م من أسرة مسيحية تقية وأسمياه والداه كامل سدراك وهو الاخ الأكبر للمتنيح مثلث الرحمات  الانبا ابراهام مطران القدس السابق .
 
وعلى الرغم من نشأتة في بيئة ريفية بسيطة . حتي انه لم ينل أى قدر من التعليم .لكنه بفضل عائلته نشأ في نشأة روحيه في البيت والكنيسة وتعلم الالحان والمردات من صغرة فكان محبوبآ من الجميع . وارتبط بالكنيسة ارتباطآ كبيرآ .
 
ومنذ حداثة سنه كان يواظب علي الصلاة وحفظ المزامير وقراءة الكتاب المقدس .أحبه الرب من اجل ذلك صارت له دالة كبيرة مع  القديسين والسيدة العذراء  منذ صغره .
 
 كان متواضع القلب عطوفآ لا يشتهي الطعام .يعيش فى نسك وذهد دائم.كان خادمآ للكل شديد التواضع والبساطة.
كان مثل معلمنا داود النبي يرعي الاغنام ويرتل المزامير في كل حين . ويتشفع بالقديسين والشهداء . ويناجي العذراء القديسه مريم .
 
 حدثت في صباه قصه عجيبه . وكان ذلك يوم الجمعة العظيمة . فقد كلفه والده في ذلك اليوم بحراسه أجران القمح . ذهب والده للكنيسه وترك أبنه كامل يحرس القمح .
 
لم يحتمل الصبي أن يكون بعيد عن الكنيسة يوم الجمعة العظيمة . فصلي بايمان شديد وطلب من الرب أن يرسل له القديس مارجرجس ليحرس جرن القمح حتى ما يستطيع ان يذهب  الي الكنيسه فى يوم  الجمعة العظيمة .
 
وبالفعل بعد أن صلي ذهب للكنيسة لحضور صلوات الجمعه العظيمه وهناك شاهدة والدة وعاتبة لانه ترك جرن القمح  . وحضر للكنيسه.. لكن كامل طمأن والده . بخصوص انه ترك من يتولى حراسه الجرن .
 
ولما أنتهت صلوات الجمعه العظيمه . عاد الجميع لكنهم  رأوا منظرآ عجيبآ . فقد رأوا الشهيد مار جرجس بطلعة بهية راكبآ علي حصانة ويدور حول الاجران .
 
 .وفي أحد   الايام ايضآ وكان كامل عائدآ من الحقل مع غنمه ويمشي علي شريط السكه الحديد وهو يصلي ويرنم واذا بقطار امامه علي بعد خطوات منه .فصرخ يستنجد بالسيده العذراء فاذ بشئ يحمله هو والغنم الي الشريط الثاني من القطار. ونجي من الموت  هو والغنم وعاد الي بيته .
 
أحب الرهبنه فكان يصلي بلجاجه الي الرب متشفعآ بالعذراء ان يكون راهبآ.   كان والده يرفض فكره الرهبنه لكنه كان مداومآ علي طلبتة .
 
 فأرسل الرب اليه في حلم أمنا العذراء ومعها راهب شيخ وكان هذا الراهب يمد له يدة بقربانة .ولماأخبر أب اعترافه بهذا الحلم قال له ,, لقد  أختارك الرب وقبلتك العذراء في ديرها المحرق ،،
 
وبدأ في اقناع والدة الذي كان يرفض تدخل أى احد اقرباءه . لكنه وافق بعد ذلك   ان يذهب للدير للخلوة فقط ..وبعد محاولات كثيره وافق والده ان يذهب للدير المحرق للرهبنة .
 
 تم قبوله كطالب رهبنة بالدير المحرق .وبعد أختبارات وصلوات عديده زكاه اباء الدير الي رئيس الدير فرسمه راهبأ باسم الراهب ثاؤفيلس المحرقي فى الخامس من يناير سنه 1959م
 
ونظرًا  لما رآه رئيس ديره من اشتياق للعلم أرسله إلي كلية اللاهوت بحلوان للدراسة بها .لم  يبتعد ابدأ عن نسكه وعبادته . لكنه وزميل راهب آخر مرضا في ذلك الوقت بمرض الملاريا .فتشفع بالعذراء مريم فحضرت عنده ومدت يدها طالبه من الرب يسوع شفاء لمرضه الفتاك  فشفي وزميله في الحال ..
 
  عاد للدير بعد أنتهاء الدراسه بحلوان . فكان مثالا وقدوة في الرهبنه حريصآ ومدققآ في اصغر الامور.
 
بعد خمس سنوات من رهبنته سيم قسآ  .ظل بعدها مثلا يحتذي به في الخدمه والتواضع وانكار الذات . ذاع صيته إلي ان وصلت سيرته ونسكه  لمسامع قداسه البابا كيرلس السادس
 
. الذي كلفه بالخدمه في القدس فأطاع علي الفور . أخذ البركه من قداسه البابا كيرلس . وسافر الي القدس .كان يخدم بنفس الروح التي اعتاد عليها إلي أن أضطر للعودة إلي مصر بسبب حرب ١٩٦٧م ...
 
رحله عودة أبونا ثاؤفيلس المحرقي الي ديره .رحله عجيبه تعكس إلي  أى مدى  .الرب يعولنا وبالاخص أحباء الرب البسطاء المتكلين عليه ...
 
كانت ظروف العودة في غايه السوء من جميع الجوانب ..حرب دائرة وأجواء صعبه بعد نكسة ٦٧ م ...وأبونا ثاؤفيلس  ليس معة غير حقيبته الصغيره والفراجيه تخلو من أى نقود
 
مشي أبونا ثاوفيلس من القدس إلي نهر الاردن وهناك  وجد شابآ امامه يقول له (اشيل لك الشنطةياابونا )  فسمح له حتي يستطيع عبور النهر !!
 
كيف وصل الى الجهة الاخرى من النهر !!فقط الشاب وضع الشنطة بجوارة علي الضفه الاخري من النهر وعندما التفت ابونا ليقول له,, ربنا يعوضك يابني،، لم يجد أبونا اى شخص
 
وفي الاردن ذهب أبونا الى المطار ليسأل عن الحجز الى مصر.  وليس معه اى فلوس..فقال له موظف الحجز ,,(أن شابآ حضر منذ قليل وقام بالحجز لك وقال انك ستاتي لتاخذ التذكرة،،) أخذ ابونا التذكرة وركب الطائرة
 
 ولظروف ما ولمشاكل فى الطيران  هبطت الطائرة فى لبنان ...فى لبنان توجه ابونا إلى أحد الفنادق فكانت المفاجأة الثالثه..
 
قال له موظف الحجز بالفندق,, أن شابآ قد جاء وحجز غرفه لاحد الكهنه وقال أنك ستأتي بعد قليل ،، !!! صعد أبونا ومكث فترة بالغرفه لكنه أحس بالجوع....فقال فى نفسه,,(انزل المطعم يمكن الاقي حد سايب لى أكل،، )قالها بكل بساطة وتسليم .
 
.وعندما نزل إلى المطعم تقدم إليه الجرسون ليقول ,,تحب تأكل ايه ياابونا .   ( الشاب اللي هناك جالس دفع فلوس وقال انزلك الاكل ،،...)
فرفع أبونا عينه الي المكان الذى يشير اليه الجرسون..فلم يجد أحدا . والجرسون يؤكد أن هناك شابا كان يجلس في نفس هذا المكان من لحظات فقال له ابونا( ,,نزل ياابني أكل علي قد الفلوس اللي دفعهالك،)
 
وهكذا كانت رحلة عودته من القدس مليئة بكثير من بركات  ومعونة الرب له  ...عاد أبونا ثاؤفيلس من القدس ليذهب بالطبع قبل عودته الي الدير المحرق لمقابله قداسه البابا كيرلس السادس وليخبره بعودته وكيف كانت معونه الرب له في كل حين..
 
ما حدث في هذا اللقاء لا يعرفه أحد ولكن بلا أدني شك فأن البابا كيرلس السادس  كان يعرف الشاب الذى كان مرافقأ لابونا ثاؤفيلس اثناء وخلال عودته من القدس ...
 
هل كان القديس مارجرجس الذى من قبل أرسله الرب ليحرس أجران القمح  ..أم كان القديس مار مينا العجايبي الذى بصلوات البابا كيرلس أرسله الرب لمعونته فى رحله عودته من القدس .
 
بعد عودته الي الدير .عاد ليخدم بكل الامانة وكان يشرف علي عدة اعمال بالدير والاراضي التابعه له وكان يهتم اهتمامأ فائقآ بطقسة الرهبانى .وبعد حوالى سنه من عودته من القدس  تمت ترقيته قمصآ واوكلت إليه خدمه القرى المحيطه بالدير..
 
بعد نياحة اسقف ابوتيج كان يشرف على هذه الايبارشية نيافة الانبا ويصا اسقف البلينا ونظرا لقلة عدد الكهنة فى ذلك الوقت فقد طلب نيافته من المتنيح مثلث الرحمات  الانبا ساويرس اسقف دير المحرق السابق .احد  رهبان الدير للخدمة فى مدينة ابوتيج فى مدة اسبوع الالام وعيد القيامة .
 
فقام نيافته بانتداب ابونا القمص  ثاؤفيلس للخدمة هناك ثم رجع إلى الدير .. وبعد رسامة الانبا اندراوس اسقف ابوتيج ( اطال الرب حياته ) طلب نيافته ان يستمر ابونا ثاؤفيلس فى خدمة دير الانبا مقار الاثرى بمدينة ابو تيح .
 
(ومعروف ان هذا  الدير زاره  من قبل القديس الانبا مقار اثناء رجوعه من منفاه فى جزيرة فيلة وبعدها عاش فيه كثير  من الرهبان  واقيمت فيه كنيسة ثم ابتدأ المسيحيون فى  دفن موتاهم حول هذه الكنيسة .
 
لم يكن بهذا الدير قبل مجئ ابونا ثاؤفيلس  اى نشاط يذكر سوى صلاة القداس فى  يوم الأحد وكانت مبانى الدير والكنيسة متهالكة ولم يكن فيها انارة او مياه او اشجار
 
وكان الحضرون من الشعب قليلون جدا ومعظمهم من كبار السن فقام الانبا اندراوس بتكليف ابونا القمص  ثاؤفيلس بالخدمة فى هذا  الدير وذلك فى سنة 1980
 
.. وبدأ ابونا خدمة شاقة تكاد توصف بالمستحيلة ولكنه بدا الخدمة بالصلاة مستشفعا بالقديسه العذراء مريم والقديس الانبا  مقار . بدا الخدمة بكل حب وعطاء وبدأ الناس يلتفون حوله والجميع يأتون إليه من كل مكان ويلتمسون المشاركة فى إعمار الدير
 
 وبدات ملامح تغيير كبيرا تطرأ على الدير وفى اثناء كل هذا كان ابونا القمص  ثاؤفيلس المحرقى  ينكر نفسه تماما قائلا : ( العدرا وابومقار هم اللى بيعملوا كل حاجة ، وكل حاجة بتحصل بصلوات سيدنا الانبا اندراوس . إحنا غلابة ومساكين وهم اللى عليهم المسئولية ) ..
 
ومن يزور دير الأنبا مقار بأبوتيج الان يعرف مدى التغير الذى تم فى المكان من ترميم للكنيسة الاثرية والمبانى وإقامة الاسوار والطرق الممهدة وتشجير المنطقة
 
.. والأهم من ذلك هو تعمير الكنيسة بالخدمات الروحية للشعب والافتقاد والصلاة الدائمة وعلى الرغم من ان خدمته كانت فى دير يقع فى وسط المدينة ووسط العالم إلا انه لم ينسى يوما أنه راهبا مات عن العالم لكى يحيا مع المسيح .
 
كان  كل شئ يأتيه لا يقتنى منه شيئا بل يقوم بتوزيعه على المحتاجين وكان ناسكا من الطراز الاول فيقول عنه احباءه انه لم يكونوا يعلموا متى يأكل ابدا فهو دائم لا يسأل عن احتياجات الجسد حتى انه لم يكن يرتدى قلنسوة الرهبان الشهيرة بل عمة بسيطة حتى لا يعطيه اى احد التوقير اللازم للرهبان .. ..
 
اما عن صلاته فكانت اندماج مع الله فى الحديث لدرجة البكاء ، كان يعرف ان الصلاة هى  صله بيننا وبين الله ولذا كان  يهتم باقامة القداسات اليومية اهتماما بالغا لأنها كانت غذاء نفسه وشبع روحه ..
 
شفافية غريبة : كان ابونا ثاؤفيلس مشهور بشفافيته جدا لدرجة اذهلت كل ما تعامل  معه فقد كان يعرف عن اشياء فى حياة الناس لا يعرفها اى احد وينبأهم باشياء ستحدث فى المستقبل فكانت تحدث كما قالها بالضبط :
 
مرة حدثت سيول فى الاقصر وقرأ ابونا هذا الخبر فى الصحف فقال : اسيوط هيحصل فيها كدة .. وبعده بأقل من اسبوع حدثت سيول فى اسيوط .
 
ذات يوم شعر ابونا بمغص شديد فى الكلى فأحضروا له طبيب الوحدة الصحية القريبة من الدير وبالكشف عليه تبين وجود حصوة بالحالب فأعطاه الطبيب بعض المسكنات وطلب منه الذهاب للمستشفى لاستكمال الفحوص.
 
 كانت الحاله الصحيه لقدس ابونا ثاوفيلس تحتاج  إلى اجراء عملية جراحية لكنه كان يصلى ويقول  : ( العدرا هتتصرف ) .. وبالفعل تحركت الحصوة نحو اتجاه مجرى البول وخرجت وشفى ابونا تماما
وقام ابونا ليدق  جرس الدير بنفسه ..
 
وعندما جاء الطبيب فى صباح اليوم التالى قال له ابونا : اتفضل يا دكتور الحصوة اهية . مش قلتلك العدرا هتتصرف .. وكانت دهشة الطبيب عظيمة عندما رأى الحصوة وتعجب كيف خرجت وهى بهذا الحجم وطلب من ابونا أن يصلى من أجله .
 
نياحته : كان ابونا ثاؤفيلس مشتاقا جدا ليوم الانتقال وكان دائما ما يقول للأنبا اندراوس عايز اجيب صندوق موتى واحطه قدامى عشان افتكر الموت كل يوم .. وقبل نياحته بايام وكان مريضا بمستشفى سانت ماريا التابعة لدير المحرق جاءه احد ابنائه الروحيين ومعه مفتاح الكنيسه . قال له ( خلاص خلى المفتاح معاك انا خلاص ..) وفى ليلة نياحته جاءه هذا الشخص ليعطيه العلاج فقال له ابونا : ( خلاص مش هاخد البرشام تانى) ..
 
وفى صباح يوم الاربعاء 28 يناير 2004 انطلقت روحه الطاهرة من قيود هذا الجسد لتبدأ حياته فى الابدية حاملة معها أعمال عظيمة لرجل بار وهب حياته لمخلصه ولكنيسته فاستحق الاكليل السماوى المعد لأبناء الله .
 
.. وبعد ان ان انتشر خبر نياحته فى مدينة ابوتيج والبلاد المحيطة بها توافد الالاف على الكنيسة التى وضع بها جسده الطاهر وبعد الصلاة عليه والتى كانت بمنتهى الصعوبة فى ظل هذا الجمع الذى لم ترى له المدينة مثيلا من قبل .
 
بدأت رحلة عودة هذا الرجل البار إلى ديره كحسب وصيته ان يدفن فى دير المحرق فتحركت السيارة التى تقل جسده بمنتهى الصعوبة حتى وصلت إلى الدير بعد وقت طويل للغاية رغم قرب المسافة بين ابوتيج والدير المحرق
 
 وهناك استقبل الرهبان جسد الأب البار بصلوات حزينة ممزوجة بالفرح لاستقبالهم ضيفا سماويا وبعد الصلاة عليه مرة اخرى فى الدير حمل الاباء جسده الطاهر ووضعوه فى طافوس الدير .
 
وبعد فترة واثناء احتفال الدير بعيد نياحة القمص ميخائيل البحيرى تم فتح الطافوس والصندوق فوجد الاباء جسد ابونا ثاؤفيلس المحرقى .  كما هو لم يطرا عليه اى تغيير بل وتنبعث منه رائحة عطرة جميلة
 
.. كذلك شاهد الكثيرون انورا كثيرة تضئ على القبر من حين لأخر تشهد بأن الجسد الراقد فى هذا القبر هو جسد لرجل أكرم الرب فى حياته فأكرمه الرب بعد انتقاله
صلاته تكون معنا امين .
 
وفى هذه المناسبه المباركه لعيد النياح 19 لابينا مثلث الرحمات القمص ثاوفيلس المحرقى . نيافه الحبر الجليل الانبا انطونيوس مطران القدس يذهب خصيصا لزيارة الدير المحرق وزياره الكنيسه الاثريه القديمه وبعض معالم الدير الاثريه ثم يزور  الطافوس (المدفن) الذي به اجساد الاباء الرهبان . حيث اقيم قداس التذكار 19 لنياحه ابينا القمص ثاوفيلس المحرقى .بركه صلواته وشفاعته فلتشملنا جميعا .
 
اعدها وقدمها لكم/ الباحث مجدى سعدالله
المراجع : كتاب صخرة ايمان من جبل قسقام / إعداد محبى القمص ثاؤفيلس المحرقى .