اعدها وقدمها لكم : مجدى سعدالله .
بمناسبه صوم وتوبه أهل مدينه نينوى اقدم لكم هذه المحاضرة لابينا مثلث الطوبى  والرحمات الحبر الجليل  الانبا غريغوريوس  . بعنوان (التوبة'>قصة يونان هى قصـة التوبة).

وقد أُلقيت هذه المحاضره بكنيسة السيدة العذراء والأنبا بيشوى بالكاتدرائية بالأنبا رويس بالعباسية فى صباح الأحد 30 من يناير 1977م .
بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

✝️ يقول ربنا يسوع المسيح فى ختام الأصحاح التاسع من إنجيل معلمنا يوحنا والذى تُلى علينا فى هذا الصباح ، "لو كنتم عمياناً لما كانت لكم خطيئة ولكنكم تقولون أننا نبصر فخطيئتكم باقية " (يوحنا 9: 41).

✝️ العمى الظاهر والعمى الباطن:
ربط المسيح له المجد بين العمى الظاهر، وبين ما تصنعه الخطيئة فى القلب من عمى، فَتُعمى بها البصيرة
✝️  هناك وجه شبه بين عمى العينين وعمى القلب بالخطيئة، ولكن المسيح فتح الأمل أن هناك رجاءاً ، فإذ فتح عَينّى الأعمى وصنع بهذا معجزة خلق من جديد ، أراد أن يبين أيضا أنه يمكن أن يُخلَق للإنسان عينان باطنيتان ، فتصير له البصيرة النيرة بعد أن كان قد أصابه العمى .
✝️ وربما لهذا السبب رتبت الكنيسة أن يُتلَى هذا الفصل فى أحد الرفاع للصوم المعروف بصوم يونان، والذى مدته ثلاثة أيام تنتهى بفصح يونان، ولو أن قصة أهل نينوى قصة قديمة فى العهد القديم، لكن الكنيسة رتبت أن يصام هذا الصوم من أجـل ما يحمل معه من معانى للعهد الجديد، خاصة وأن رب المجد يسوع المسيح قد أوجد هذا الربط بين قصة يونان وبين قصته هو له المجد.

✝️ وربما كان هذا هو السبب فى أن يكون صوم يونان ثلاثة أيام، للعلاقة بين هذه الأيام الثلاثة وبين وجود المسيح فى القبر ثلاثة أيام، قال المسيح: " كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا ينبغى أن يكون ابن الإنسان فى باطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (متى12 : 40)، وقال لهم أن أهل نينوى تابوا بمناداة يونان وهوذا أعظم من يونان هنا . والإشارة إلى شخصه المبارك

✝️ لأنه هو سيد يونان وإله يونان ورب يونان. وكأنه يثيرهم إلى التوبة، إن أهل نينوى تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان هنا ، الفرصة أمامكم سانحة لأن تتوبوا ولأن ترجعوا إلى الله،
✝️ لأنه إذا كان أهل نينوى مع ما بلغوا فيه من شر لكنهم لما ناداهم يونان بالتوبة، وقال لهم: بعد أربعين يوما تنقلب المدينة إذا لم تتوبوا، تابوا، ونزل ملك نينوى عن عرشه، ولبس المسوح الخشنة وسجد على الرماد،

✝️ وهكذا صنع أهل نينوى من كبيرهم إلى صغيرهم، حتى الأطفال الرضعان صاموا هذه الأيام وحتى البهائم والحيوانات منعوها من الأكل صوماً وتذللاً أمام الله، ولهذا رفع الله غضبه عن أهل نينوى وغَيّر الحكم الذى توعدهم به، وعاشت نينوى بعد ذلك ولم تنقلب كما أنذرهم يونان لأنهم تابوا.
✝️ هكذا قال المسيح إن أهل نينوى سيقومون فى يوم الحساب، فى يوم الدين ويدينون أهل هذا الجيل لأن أولئك تابوا بمناداة يونان، أما هذا الجيل الملتوى الفاسق الشرير فلم يبدى توبة، وهوذا أعظم من يونان هنا.

✝️ إذن هنا علاقة، علاقة ربط تحدث عنها المسيح له المجد بين قصة يونان وبين قصة المسيح نفسه، من حيث أن يونان كان رمزاً وإشارة لأنه قُبر فى بطن الحوت ثلاثة أيام ثم قذفه الحوت إلى الحياة مرة أخرى، وهكذا المسيح أيضا دُفن فى القبر ثلاثة أيام ولكن القبر لم يضبطه فقام فى اليوم الثالث كما قال.

✝️ إذن هذا الصوم الذى رتبته الكنيسة ليكون فرصة لتوبة الخطاة توبة شاملة، لعل الإنسان يراجع نفسه ويحاسب ذاته ويحكم على نفسه لعله يهدأ، لعله يدخل إلى مخدع قلبه ويغلق أبواب الحواس، ويدخل إلى أعماقه هذه يحاسبها ويناقشها ويحكم عليها،  
✝️ لأنه إذا حكمنا على أنفسنا فلا يُحكم علينا. قبل أن يأتى يوم الحساب العظيم الذى فيه لا تنفع شفاعة، بل وتتوقف الشفاعة لأن العدل لابد أن يأخذ مجراه وينال كل إنسان بحسب ما صنع فى الجسد خيراً كان أم شراً.

✝️  لماذا هرب يونان ؟
هذه القصة قصة أهل نينوى، قصة فيها جمال، فمع أنها مع بشر كانوا من بين الأمم ولم يكونوا من الشعب اليهودى، لم يكونوا من الشعب المختار وإنما كانوا من الوثنيين،
✝️ وهذا هو السبب فى أن يونان عندما أمره الله بأن يذهب ينادى على أهل نينوى بالتوبة هرب، هرب يونان عن غيرة، لأنه كان فى قلبه يرى أن هذا الشعب الوثنى لا يستحق الرحمة ولا يستحق أن يطيل الله أناته عليه ولا أن ينذره بالتوبة،
✝️  لماذا يرحم الله شعباً كهذا، كان يونان غيوراً وكانت غيرته شديدة وكأنه إنتقد فى قلبه سياسة الله الرحيمة على شعب كهذا، وصل إلى مرحلة  الفسق والخطيئة الفاضحة والشر المستطير
✝️ ، كأن يونان يقول فى قلبه لله لو كنت أنا بدلاً منك لكنت قد نزلت بغضبى على هذا الشعب وأهلكتهم، حتى أُتيح لشعب آخر أن يقوم مقامهم أفضل منهم، هذا هو السبب الحقيقى الذى من أجله هرب يونان.

✝️ هرب يونان من وجه الرب لأنه إعتقد أن هذا الشعب لا تليق به الرحمة وإنما يجب أن يعاقب بغضب من الله .
✝️ ولعلكم تذكرون يوماً أن المسيح له المجد أراد أن يدخل مدينة للسامريين فرفض أهلها، فاستشاط القديس يوحنا غضباً وهو الرجل الذى كان يسوع يحبه والذى اتكأ على صدره وقت العشاء،

✝️ والمعروف أنه أكثر من فاز بالمحبة بين الرسل، هذا الرسول إستشاط غضباً عندما رأى أن مدينة من السامريين رفضت أن تقبل المسيح أن يدخل إليها،
✝️ فقال: يارب أتريد أن نطلب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة؟ فأجاب رب المجد قائلاً لستما تعلمان من أى روح أنتما، إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس وإنما أتى لكى يخلص (لوقا 9: 54، 55)، "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة" (مر2: 17) .

✝️ شكراً لك يارب أنك أنت الآب، الذى تنظر إلى خليقتك نظرة الأبوة ونظرة الحنان، لا يرضيك أبداً أن يهلك الناس ، لا يرضيك أبداً أن تتدمر الخليقة، ولذلك بعد الطوفان الأول أَظهرت قوس قزح ليكون علامة عهد بينك وبين البشر، أنك لا تهلك العالم بالطوفان كما أهلكته وقتاً ما.

✝️  الدرس المستفاد:
الله تعالى رؤوف رحيم ويريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، لايشاء أن يهلك أحد بل أن يقبل الجميع إلى التوبة،
✝️ لذلك أراد الله أن يعطى درساً ليونان وأن يقدم له وسيلة إيضاح، لأنه لايريد أيضاً أن يخسر يونان فيونان تقى الله، يونان نبى لله والله يحنو عليه أيضاً،
✝️ وحتى عندما هرب منه أرسل إليه هذا الحوت ليبلعه لا ليدمره بل ليحميه، ليحميه من غضب الطبيعة، وليحميه من غرق البحر لأنه قال لهم إطرحونى فى البحر فيسكت النوء عنكم،
✝️ فطرحوه وكان يمكن أن يغرق وأن يموت، ولكن الله لم يشأ ليونان أن يموت لأنه علم ما فى قلبه وما انطوت عليه نفسه.
كان فى ظنه أن هذا الهرب نوع من الغيرة على الله وعلى الفضيلة التى إنتهكها هؤلاء القوم، فالله لم يشأ أن يخسر أهل نينوى فتوعدهم وأنذرهم ولما تابوا رفع غضبه عنهم،

✝️ يونان أيضاً الله بحنانه لم يشأ أن يدمره، لقد أخطأ يونان فى الحساب ولكن ليس معنى هذا أن الله قد رفض يونان، أعطاه الله درساً وتعلم يونان من هذا الدرس واستفاد منه،
✝️ الله أب وأبوته تملى عليه أن يتصرف مع أولاده تصرف الطبيب الذى يعالج أخطاء الناس، لا يتصرف معهم تصرف المنتقم الذى يهلك ويدمر، وهذا هو الفرق بين الراعى والأجير كما قال رب المجد.

✝️ يونان لكى يأخذ درساً أنبت الله له يقطينة، هذه اليقطينة نوع من الشجر، والله بقدرته جعل اليقطينة فى ليلة واحدة أصبحت كبيرة فاستظل يونان بها وفرح بها بعد أن خرج من الحوت، وبعد أن أنذر أهل نينوى فتابوا،
✝️ ولكن الله شاء أن هذه اليقطينة تموت أيضاً كما نبتت فى يوم واحد، هكذا هلكت فى ليلة واحدة فاغتاظ يونان، تألم يونان على هلاك اليقطينة التى إستظل بها،

✝️ فقال الرب له وهو يريد أن يعطيه الدرس المناسب، هل غضبت يا يونان على اليقطينة، هل حزنت على اليقطينة، قال نعم حزنت وغضبت إلى الموت، أى أن الغضب وصل إلى أشده لدرجة الموت، أنا أموت غيظاً وكمداً وحزناً على هذه اليقطينة،
✝️ قال له الرب . يا يونان أحزنت على يقطينة بنت ليلة كانت وبنت ليلة أُخذت !! أفلا أحزن أنا على نينوى المدينة العظيمة التى بها أكثر من إثنى عشر ألف نسمة
✝️ كيف لا أحزن؟ أنا أب، كيف أحتمل هلاك هذه النفوس التى أنا خلقتها على صورتى وعلى مثالى، ليكن أنهم من الأمم وليسوا من شعب الله المختار لكنهم أولادى، قد يكونوا عاقين متمردين، بعيدين شاردين، لكنهم أولادى وخليقتى وإسمى عليهم، كيف لا أحزن أنا.
✝️ هذا هو الدرس الذى أعطاه الله ليونان، أَغَضبت ، أَحَزنت يا يونان على يقطينة بنت ليلة كانت وبنت ليلة أُخذت، أفلا أغضب أنا، أفلا أحزن أنا، أفلا أأسف أنا على أهل نينوى المدينة العظيمة التى بها أكثر من إثنى عشر ألف إنسان !!!

✝️  هذا الدرس الذى أعطاه الله ليونان هو فى نفس الوقت درس لنا أيضاً نتعلم منه نظرة الله إلينا، نظرة الله إلى البشر، هذا هو التعليم الذى تريده الكنيسة أن ينطبع فى أذهان الشعب، علاقة الله بنا،

✝️ نحن ننادى الله أبانا الذى فى السموات، إذن هو أبونا، وكما يترآف الأب على البنين يترآف الرب على خائفيه، علاقة الله بنا ليست علاقة السيد الجبار المنتقم لأن الذى ينتقم هو عدو،
✝️ علاقة الله بنا ليست علاقة عداء، هو كأب إن حزن لكنه لا ينتقم، قد يؤدب ولكن تأديبه علاج لا إنتقام بالمعنى الذى يفهمه البشر، الله لا يغدر بنا، الله لا ينتقم منا، الله يؤدبنا، "أى إبن لا يؤدبه أبوه " (عب12 : 7)،
✝️ إذن حتى التأديبات ليست للإنتقام ولا للإفناء ولا للغدر وإنما هى علاجات تشدنا إلى التوبة وتقربنا إلى الله.

✝️  قصة يونان هى قصة التوبة:
قصة يونان وقصة أهل نينوى هى قصة التوبة، قصة الرحمة، أن الله رحيم، الله لايرضى بالخطيئة ولايحتمل الشر لأنه قدوس،
✝️ وليس هناك أحد يطمع فى أن يدخل السماء إذا كان نجساً أو شريراً، لأنه بدون القداسة لن يرى أحد الرب، ولكن هنا على الأرض فرصة الإمتحان، وفرصة التمحيص، وفرصة التنقية والتطهير حتى بعد ذلك ندخل إلى المظال الأبدية.
✝️ إذن هنا على الأرض أبونا يرحمنا إذا تُبنا، ويمهلنا لكنه لا يهملنا، يمهل لعلنا نتوب، لقد قال المسيح: أتظنون أن الثمانية عشرة الذين سقط عليهم البرج فى سلوام كانوا خطاة أكثر من كل الذين على الأرض،
✝️  كلا بل أقول لكم إن لم ترجعوا وتتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون. الفأس وضعت على أصل الشجرة فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى فى النار (لو13 : 3- 5)،
لكننا على الأرض توجد فرصة للرحمة، إذا كانت هناك توبة.

✝️.التوبة الحقيقية والتوبة الكاذبة:
إذا كانت هناك توبة فهناك رحمة وليست هناك خطيئة بلا مغفرة إلاّ التى بلا توبة. فطالما كانت هناك توبة فالله أبونا يقبل التوبة ويرحم الإنسان، ولكن ليس كل ما يظنه الإنسان توبة يُعد توبة حقيقية،
✝️ فكم من توبة كاذبة، كم من دموع لا تعد أمام الله دموع توبة، وكما يقول الرسول بولس عن عيسو الذى لم يجد للتوبة مكاناً مع أنه طلبها بدموع (عب 12: 17)، لأن الدموع التى زرفها عيسو لم تكن دموع للتوبة ولم تكن تقديراً منه للبكورية، ولا حرصاً منه عليها،
✝️ ولكن كانت دموع الغيظ من أخيه يعقوب الذى أخذ منه البكورية والبركة، حقاً أنه بكى، غير أن هذا البكاء لم يكن  بكاء توبة حقيقية، إذن إذا كانت هناك توبة وكانت هذه التوبة توبة صادقة أمام الله فهذه التوبة مقبولة،

✝️ وعناصر التوبة أولها الندم الحقيقى من القلب، وانسحاق النفس أمام الله، شعوراً من الإنسان بالأسى والألم لأنه نَجّس ذاته بالخطيئة، ولأنه أهان الله الذى خلقه على صورته وعلى مثاله. ولأنه تمرد على الله الذى أحسن إليه،
✝️ أُولى علائم التوبة هذا الندم الحقيقى والإنسحاق الذى يكون من أعماق النفس، ثم لا تُسمى التوبة توبة إلاّ إذا كان هناك عزم صادق على تجديد السيرة وعلى تغيير الحياة، وعلى أن يعطى الإنسان ظهره للخطيئة ولحياة الماضى، ويدخل فى جو جديد وسيرة جديدة، ويعتاد عادات جديدة ويُطَلّق العادات القديمة ويقاومها،
✝️ كيف تكون هناك توبة إلاّ إذا كان هناك عزم وإرادة على تغيير الحياة وتجديد السيرة ، "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هى إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" (رومية12 : 2).

✝️. التوبة مع الرجاء:
ولابد أن يكون للتوبة الصادقة رجاء فى المسيح، إنه كأب يقبل توبتنا ويرحمنا، وهذا هو السبب فى أن يهوذا لم تكن له توبة على الرغم من أنه ندم، وَرَدّ الثلاثين من الفضة وقال أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً،
✝️ فمع أنه ندم واعترف بأنه أخطأ وسَلّم دماً بريئاً، لكنه لم تكن له توبة لأنه فقد الرجاء، فقد الرجاء هو اليأس، والكنيسة تعتبر اليأس خطيئة مميتة لأن معناها إنكار لله وإنكار لصفة أبوته وإنكار لرحمته، فالتوبة الصادقة لابد أن تكون مصحوبة بالرجاء
✝️ ، وأن يكون عند الإنسان فرح لأن الله يقبله كأب ويأتى إليه كما جاء الابن الضال وقال: "أقوم وأذهب إلى أبى وأقول له يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد أن أُدعى لك إبناً اجعلنى كأحد أُجرائك" (لو 15 : 18 ،19)،

✝️ لم ييأس الإبن لأنه لو كان قد يأس لظل فى مكانه حيث يرعى الخنازير، لكن كان عنده رجاء أنه إذا رجع إلى أبيه فأبوه يقبله، وفعلاً حينما رآه أبوه جرى نحوه ووقع على عنقه وقبله وفرح به،
✝️ وقال لعبيده أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه خاتما فى يده، وحذاءً فى رجليه، واذبحوا العجل المسمن، لنأكل ونفرح لأن ابنى هذا كان خاطئاً فتاب وكان ميتاً فعاد إلى الحياة.

✝️ السماء تفرح  بخاطىء واحد يتوب، تفرح لأن مشاعر الله مشاعر الأبوة، حينما نعود إليه ونقول أخطأنا يفرح بنا، لأنه أبونا يفرح بالخير الذى نصنعه لأنه يعتبره علامة رجوعنا إلى الصورة الأصلية التى رسمها الله فينا.
✝️ وبعد ذلك العنصر الرابع من عناصر التوبة هو الإعتراف، الإعتراف العملى كما اعترف زكا وقال: ها أنا يارب أُعطى نصف أموالى للمساكين وإن كنت قد غبنت أحداً أرد له أربعة أضعاف، كان إعترافاً بخطئه

✝️ وأيضاً كان مستعداً أن يُكَفّر عن الخطأ عملياً بأن يتحمل نتيجة أخطائه ولا يهرب منها بل قَبِلَ التأديب، وأنه يعطى نصف أمواله للمساكين وإن كان قد غبن أحد يرد له أربعة أضعاف.
✝️  هذا هو مايعرف بالتأديبات الكنسية التى يفرضها الكاهن فى سر الاعتراف على إبنه فى الاعتراف، لا إنتقاماً ولا تكفيراً، وإنما علاجاً يعالج أخطاءه ولتكون هذه الأمور برهان على صدق توبة هذا الإنسان،

✝️  لأنه لو كان حقاً تاب توبة صادقة لا يهرب من نتيجة أعماله، إنما يتحمل التأديبات، ويتحملها برضى، علامة شعوره بأنه فعلاً قد أخطأ ومادام قد أخطأ ينبغى أن يغطى هذا الخطأ بأن يكون مستعداً بأن يتقبل ويتحمل نتيجة أخطائه ولا يهرب من نتيجة أفعاله.

✝️ لماذا هذه الأصوام :
حقيقة كنسية لابد أن تكون فى أذهاننا أن كنيستنا رتبت أصواماً عامة هى سبعة أصوام، ومن بينها صوم يونان. غالباً ما يكون فى أذهان الناس أن الصوم هو من أجل أن الإنسان يريد أن يخلص من ضيق مثل صوم أستير، الذى أعلنته عندما أحست أن هناك هلاك مزمع أن يحل بالشعب اليهودى،
✝️ فأستير ومعها مردخاى طلبوا من اليهود المقيمين فى السبى فى ذلك الوقت أن يصوموا، وعُرف هذا الصوم بصوم أستير للخلاص من الهلاك الذى كان مزمع أن يوقعه الملك على اليهود بمشورة هامان.
✝️ ونحن أيضا فى القرن العاشر للميلاد حدث تهديد للأقباط أيام البابا ابرآم الثانى والستين من بطاركتنا، عندما تعرض الأقباط لتجربة كبيرة جداً، وهو أن الخليفة الفاطمى وكان يسمى المعز، بناء على مشورة رديئة من وزير إسمه يعقوب بن كلس، وكان أصله يهودى واعتنق الإسلام، الذى أثار شعور الخليفة نحو الأقباط .

✝️ وقال له أنه توجد آية فى إنجيل النصارى تقول: "إن كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل إنتقل فينتقل"، فإذا كان دينهم صحيحاً فليثبتوا لنا صحة هذه الآية، وإلاّ يكونوا كذابين ومنافقين ويجب إهلاكهم وتدميرهم. ولو نجحوا ونقلوا الجبل المقطم سيعمل ذلك على إتساع المدينة،
✝️ فاستدعى الخليفة البطريرك وقال له: صحيح عندكم آية فى الإنجيل تقول لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل إنتقل فينتقل، قال له نعم، قال له إذن إنقل لنا الجبل واثبت أن دينكم صحيحاً، وإلا يكون هذا كلام غير حقيقى فتكونوا كفار ولابد أن تبادوا من الوجود،
✝️ فتعب جداً البطريرك من هذا الكلام، وقال له أعطينى مهلة، فأعطاه مهلة ثلاثة أيام، وكان البابا البطريرك فى ذلك الوقت مقره فى الكنيسة المعلقة فى مصر القديمة، فعقد البابا البطريرك صوماً وعرف الناس القريبين منه من الأساقفة ومن الكهنة ومن الشعب،
✝️ وصام البابا البطريرك وصام معه مَن علم بالتجربة المؤلمة التى يمر بها الأقباط، وظل صائماً مصلياً طوال الوقت، وفى اليوم الثالث ظهرت السيدة العذراء من إيقونتها وقالت له أبشر أيها البطريرك القديس، فإنه إستُجيبت صلواتكم واذهب إلى الخليفة وقل له أنكم مستعدين لهذا، وستجد وأنت خارج رجل دباغ، إجعل هذا الرجل معك لأنه إنسان تقى،

✝️ وأحاط الخليفة الأقباط بالجيش، على أساس أنه فى حالة فشلهم يقضى عليهم، وانتقل الجبل على ما يقول التاريخ من تل الكبش إلى الفسطاط، والفسطاط كلمة عربية معناها الخيمة، وهى الخيمة التى أقامها عمرو بن العاص وأقام بها عند فتحه لمصر وهى حالياً يسموها مصر القديمة.
✝️ لقد ارتفع الجبل وإنتقل  بزلزلة عظيمة إنهلع لها قلب الخليفة وسقط هو وجنده مغشياً عليهم، وأصيب الجبل مع الحركة ومع الإهتزاز بنوع من التقطيم، والجيولوجيون أثبتوا أن الطبقات التى تحت الجبل تختلف عن الطبقات التى فى أعلى الجبل، مما يدل على أنه فعلاً حدث هذا الارتفاع والانتقال .
✝️ وتسجيلاً لهذه الواقعة حفظت الكنيسة هذه الثلاثة أيام من القرن العاشر للميلاد، وأضافتها إلى صوم الميلاد، قبل القرن العاشر كان صوم الميلاد 40 يوم، وابتداءاً من هذا التاريخ صار صوم الميلاد 43 يوم.

✝️ فهذا نوع من أنواع التسجيل التاريخى لهذه الثلاثة أيام التى صامها البابا وصامها معه الأقباط وهى أيضا تسجيلاً تاريخياً لهذه الواقعة، ولكن اليوم عندما نصوم هذه الثلاثة أيام مضافين إلى الأربعين يوماً لا نصومهم لنفس الغرض، لكن تحول الصوم من فكرة طلب الإنقاذ من التجربة إلى فرصة تعبدية.
✝️ لذلك الأصوام العامة لم تعد اليوم طلباً للخلاص من ضيق، إنما هى فرصة تعبدية ولذلك أصبحت أصوام عامة تذهب وتجىء كل سنة، التجربة عندما تحدث فى التاريخ تحدث مرة واحدة

✝️ ، اليوم أصوامنا كلها أصوام ثابتة تذهب وتجىء كل عام، نحن اليوم لا نصوم للخلاص من ضيقة لأنها أصوام عامة، هذه الأصوام تحولت فى مفهومنا الدينى والكنسى إلى فرص تعبدية مثل الصلاة ، والصلاة أنواع ، توجد صلاة الطلب ، وصلاة الشكر، وصلاة التسبيح ، وصلاة التأمل، أنواع مختلفة من الصلاة.
✝️ والجمال فى كنيستنا أنها حقيقة كنيسة تعبدية، فالسنة مقسمة فنجد فترة صوم يأتى بعده إفطار ثم صوم ثم بعده إفطار، أؤكد لكم أن هذا الترتيب الجميل ترتيب روحانى.

✝️ لماذا ترتيب روحانى؟ هذه الفائدة التعبدية والفائدة الروحية التى يأخذها الإنسان فى روحه، مثل الصفاء النفسى، والإرتقاء الروحانى، هذا النجاح فى ترويض الجسد، والنجاح فى السيطرة على الشهوات والرغبات هذا لايصل إليه الإنسان فى بداية الصوم، ولكن عادة يأتى متأخراً،
✝️ ولهذه الحكمة نجد أصوامنا طويلة ؟ الصوم الكبير 55 يوم وسيدنا صام أربعين يوم، ثم أضافت الكنيسة أسبوع الآلام وجمعت الإثنين معاً، كان من الممكن أن تفصل بينهما،

✝️ إنما هذا الجمع ليس جمع تاريخى، لأنه هناك فترة طويلة من الوقت بين صوم المسيح الأربعين يوماً على جبل التجربة وبين فترة آلامه، لكن ترتيب الكنيسة الروحانى ربط بين الإثنين معاً، لتكون فرصة تعبدية.
✝️ ، لأن كلما كان الصوم طويل تتحقق عادة الفائدة التعبدية الروحية فى أواخر الصوم، أنا أتكلم عن الفائدة التعبدية والفائدة الروحية والصفاء النفسى والإرتقاء والسيطرة على الرغبات والشهوات وما إليها، كل هذه الأشياء تأتى نتيجة فترة طويلة، لذلك كانت الحكمة فى الأصوام الطويلة، بل فائدة هذه الأصوام وأثرها يمتد إلى فترة الافطار. على الأقل جزء من هذه الفترة.

✝️ ربنا يسوع المسيح الذى أعطانا هذه الفرصة يمنحنا برضاه قبولاً أمامه إذا ما تبنا إليه بندامة .
أيها الاخوة والأبناء فرصة هذه الأيام الثلاثة، فرصة مراجعة، وتوبة، واعتراف بالخطأ، فرصة رسمتها الكنيسة لنتناول من الأسرار المقدسة ولنغتسل فى دم المسيح، لأن دم المسيح يطهرنا من كل خطيئة.

✝️ نعمته تشملنا جميعا وله الإكرام والمجد إلى الأبد آمين،،،
✝️ وردت  هذه المحاضره فى موسوعة عظات آحاد الصوم الكبير وصوم يونان - الجزء (41)
اعدها وقدمها لكم : مجدى سعدالله .