ابيدياكون : مجدى سعدالله 
الكاتب والباحث فى التاريخ القبطى
 
1-  مجمع نيقية  المسكوني :    
لاشك أن الايمان بألوهية السيد  المسيح هو الصخرة التى قامت عليها الكنيسة .فاذا زال ايمان المسحيين بلاهوت المسيح زالت الكنيسه وانتهى وجودها . أن بقاء الكنيسه مرتبط بإيمانها الوثيق بلاهوت المسيح ولذلك  فانه عندما نشأت البدعه الاريوسيه التى طعنت لاهوت السيد المسيح والتى حاولت ان تشكك فى أزليته فإنها بذلك ارادت أن تقوض المسيحيه من أساسها حتى لا تقوم لها بعد ذلك قائمه . ولذلك فان دفاع القديس اثناسيوس هو دفاع عن كيان المسيحيه . لان الايمان بلاهوت المسيح هو الصخرة التى يقوم عليها بنيانها . فكان دفاع القديس اثناسيوس عن لاهوت المسيح هو دفاع عن قيمه المسيح فى الكنيسه
 
أريوس  وهرطقته : 
بدأ أريوس يعلِّم هرطقته وهو بعد شماس في عهد البابا بطرس خاتم الشهداء البابا السابع عشر من عداد بطاركة الإسكندرية. وقد حاول البابا بطرس إرجاع أريوس عن معتقده الخاطئ، ولما لم يقبل حرمه البابا وحرم تعاليمه الخاطئة، وبالتالي مُنع من ممارسة الشماسية والتعليم.
 
لما علم آريوس ان القيصر مكسيميان مصصم على قتل البطريرك البابا بطرس . خاف ان يتنطح قبل ان يحله ويبقى مربوطا ويقفل فى وجهه باب الارتقاء للرتب الكهنوتية . ولذا توسل إلى بعض الاكليروس ووجوه الشعب ان يصالحوه مع البطريرك قبل موته . لقد ظنوا ان هذا الطلب رجوع منه إلى الصواب . 
 
لذا مضوا إلى القديس بطرس وسألوه أن يحل اريوس من رباطه فصرخ البطريرك بصوت عظيم ( تسألونى فى أريوس . فى هذا الزمان وفى الاتى يكون ممنوعا من مجد ابن الله سيدنا يسوع المسيح ) 
 
 كان البابا بطرس قد رأى رؤية في أثناء سجنه وإذ السيد المسيح واقف بثوب ممزق فقال له: "من الذي مزّق ثوبك يا سيدي"، قال "أريوس". ففهم البابا بطرس أنه، بناء على إعلان سماوي، حتى لو تظاهر أريوس بالتوبة سوف يكون مخادعًا، وأنه سوف يشق الكنيسة. 
 
ولذا فقد قام باستدعاء  تلميذيه أرشلاوس   والكسندروس وانفرد بهما وقال لهم : 
( الله اله السموات يعيننى على اكمال شهادتى فلن تعودا ترياننى بعد هذا اليوم فى الجسد . وأنت ياارشلاوس القس تكون بطريركا بعدى وأخوك الكسندروس بعدك ولا تقولا أنى عديم الرحمه من اجل اريوس فان فيه مكرا مخفيا . ولست أنا الذى حرمته بل السيد المسيح . لانى فى هذه الليله لما أكملت صلاتى ونمت رأيت شابا قد دخل على ووجهه يضئء  كضوء الشمس وعليه ثوب متشح إلى رجليه وهو مشقوق وقد امسك بيدة القطعه الممزقة فصرخت وقلت : ياسيدى من الذى شق ثوبك . فأجابني ( اريوس هو الذى مزق ثوبى فلا تقبله واليوم يأتيك قوم طالبين منك ارجاعه فلا تطعهم واوصى تلميذيك أرشلاوس والكسندروس بأن يمنعاه من شركتهما . 
 
لقد حذرهما البابا بطرس  من أريوس ومن محاللته مهما تظاهر بالتوبة. وبعد أن نال البابا بطرس إكليل الشهادة وتولى تلميذه أرشلاوس الكرسي المرقسى حاول أريوس أن يتظاهر بالرجوع عن معتقده الخاطئ بأسلوب ملتوي فخالت على البابا أرشيلاوس حيلة أريوس فحاللـه ورقاه إلى درجة القسّيسية بعد أن كان شماسًا مكرسًا، وبعد أن كان محرومًا بواسطة البابا بطرس خاتم الشهداء. 
 
مما جعل أحد الآباء في كنيستنا يقول أنه من مراحم الله أن أرشلاوس لم يدم على الكرسي سوى ستة أشهر فقط وإلا انتشرت الأريوسية.
وبنياحة البابا   ارشلاوس .   تبوأ زميله البابا ألكسندروس الكرسي السكندري فصار البطريرك التاسع عشر في عداد بطاركة الكرازة المرقسية. 
 
وقيل ان آريوس حاول ان يدخل اليه ليتمكن من خداعه كما خدع سلفه فقال البابا الكسندروس ( قولوا له ابى اوصانى  إلا اقبلك فلا تدخل إلى ولا اجتمع بك وذلك بأمر السيد المسيح فأعترف بخطئيتك فإذا قبلك فهو يأمرنى بقبولك ) غضب اريوس من البابا غضبا عظيما لاسيما ان الشعب فضله عليه واضطرم قلبه بنار الحسد . 
 
وكان هذا الخبيث قد تمكن بفصاحته الشيطانيه ان يجتذب اليه أسقفين وبعض القسوس البسطاء والشعب الساذج  . ولذا عقد البابا الكسندرس اكثر من  مجمع مكانى فى الاسكندريه سنه 319م . ومجمع آخر فى سنه 321 م  حضرة مائه اسقف من ليبيا ومصر . وفى هذا المجمع تم عزل اريوس وحرمانه من درجه الكهنوت 
 
لكن أشياع أريوس عقدوا مجمعين الاول فى مدينه بيثينه سنه 322 م والثانى فى فلسطين سنه 323 م قرروا فيهما الغاء الحكم الصادر على اريوس من بطريرك الاسكندريه . وبناء عليه رجع آريوس إلى الاسكندريه لينازع مستقيمى الرأى حيث استفحل الخلاف بين أنصاره وبين أنصار البابا البطريرك . ولما حضر الاسقف اوسيوس اسقف قرطبه إلى الاسكندريه عقد مجمعا سنه 324 م مع البابا الكسندروس وجميع  الاساقفه . ولم يتمكن هذا الاجتماع من عمل أى شىء بسبب كثرة التعديات التى جرت من الاربوسيين على مستقيمى الرأى . وقد عاد الاسقف اوسيوس الى نيكوميديا حيث ابلغ الامبراطور قسطنطين  برغبه بطريرك الاسكندريه لعقد مجمع عام  .
 
العوامل التى ساعدت على أنتشار بدعه أريوس : 
كان أريوس فصيحا وبليغا كما كان مراوغا وماكرا . لقد نزل أريوس بالقضيه اللاهوتيه إلى الشارع . وصار يبسطها لعامه الناس وللنساء والأطفال . فأتلفها وأفسدها وشوة الرأى الأرثوذكسى بصورة جعلته يبدو للأكثرية من الناس مستحيلا ومحالا  . لا يقبله العقل ولا يستسيغه المنطق . كما وضع أريوس قصائد وأناشيد يحبها الناس ، وقد حشاها من أرائه الهرطقيه. وصار الناس يرددونها لحلاوة أنغامها غير منتبهين إلى هرطقة تعاليمها . 
 
 كانت الوثنيه لا تزال تكون الاغلبيه الكبرى فى مصر . وكان الوثنيين يجدون فى التفكير الاريوسى ما يريحهم ويتمشى مع منطق فلاسفتهم . بل ان اريوس نفسه لم يأت فى هرطقته بجديد . أنه تبنى الأفكار الوثنيه وصاغها صياغه مسيحيه . وساق نصوص من الكتاب المقدس فى تأييدها ، مفسرا اياها تفسيرا ملتويا . لم يصنع أريوس جديدا . وهذا هو ما عبر عنه القديس اثناسيوس بقوله : أن اراء أريوس اراء وثنيه . 
 
 هذا إلى جانب أن اليهود كانوا فى مصر يكونون جاليه ضخمه . وكان لهم فيها نفوذ كبير . وكان لابد لليهود فى زمن أثناسيوس وأريوس من أن يكون لهم أثرهم فى توجيه الاحداث وتفسيرها . ولابد لهم وهم لا يؤمنون بالمسيح . من ان ينضموا إلى اريوس ضد اثناسيوس وان يعملوا على تسفيه فكر اثناسيوس وتصويره بانه تفكير منحرف ضال ويتعارض مع التوحيد .
 
 كما كان لليهود فى الاسكندريه أقوى جاليه نشطه من جهه تطوير الفكر اللاهوتى العبرى على أصول الفلسفه الوثنيه كما ظهر عند فيلو . 
 
 زاد على ذلك أن انضم إلى آريوس عدد من الكهنه بل ومن الاساقفه ممن كانوا قد أنضموا إلى أنبا ميلاتيوس اسقف ليكوبوليس 
(اسيوط ). وقد كان لهؤلاء الاساقفه اتباع 
 
ميلاتيوس  تأثيرهم كأساس ارتكزت عليه الاريوسيه فى مراحلها الاولى .
 
وكموضع أقلاق للبابا اثناسيوس .
 
فقد مثلوا خطرا فى سندهم لاريوس واتباعه ضد البابا اثناسيوس . حيث لفقوا له عده اتهامات بقصد تشويه سمعته . 
 
 كانت مدينه الاسكندريه مرتعا خصبا لبدعه اريوس . لان الاسكندريه ورثت من أثينا النشاط الفكرى وقدرة الشعب على استيعاب الفلسفات . كانت بقايا مدرسه الاسكندريه الوثنيه لا تزال ناشطه . وقد قام الوثنيين بعده نهضات لاحياء تراثهم الفلسفى فى مواجه المسيحيه . وقد احرقوا كنيسه السيزاريوم فى ايام البابا اثناسيوس الرسولى . لاشك ايضا ان الدوله  البيزنطيه كانت عاملا هاما فى زيادة انتشار بدعه اريوس . وزياده متاعب البابا اثناسيوس فقد انقلب الامبراطور قسطنطين الاول من صديق لأثناسيوس  إلى كاره له . 
 
نقلا  عن جريدة أرثوذكس نيوز